تصدير النفط الروسي إلى الهند:
بوتين يعالج خطأ الحرب بخطيئة زيادة الصادرات

ماذا يعني إعلان نائب رئيس الوزراء الروسي المكلف بشؤون الطاقة ألكسندر نوفاك عن زيادة صادرات النفط الخام إلى الهند بمعدل 22 ضعفاً عن العام الماضي. والذي تزامن مع إعلان رئيس شركة روسنفت عن توقيع اتفاقية مع شركة إنديان أويل كومباني الهندية «لزيادة إمدادات النفط بشكل كبير مستقبلاً». ولكن دون أن يعلن لا نائب الرئيس ولا الرئيس عن أسعار البيع السابقة ولا اللاحقة.

إنه يعني ببساطة تأكيد المؤكد على ما يلي:

  1. نجاح كبير حققته روسيا في الالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية لمحاصرة النفط الروسي وإيجاد أسواق بديلة. وهو ما عبر عنه بوضوح نائب رئيس الوزراء بقوله «قمنا بإعادة توجيه غالبية صادراتنا النفطية إلى أسواق دول صديقة».
  2. نجاح أكبر لأميركا والدول الأوروبية بتحقيق هدفها غير المعلن وهو استمرار تدفق النفط الروسي إلى الأسواق لتجنب حدوث نقص بالمعروض، ولكن بالسعر المحدد وفقاً للسقف السعري، بما يضمن حرمان روسيا من نصف العائدات المالية تقريباً. ويتضح ذلك من التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية الذي ذكر أن إيرادات النفط الروسية تراجعت خلال شهر فبراير الماضي بنسبة 40 في المئة عن السنة الماضية. ما يعني أن روسيا تمنح حسومات عالية على نفطها لإيجاد المشترين. وذكر التقرير أيضاً أنه تم بيع خام الأورال وهو مزيج رئيسي للنفط الروسي بسعر 45.27 دولار، أي أقل من السقف المحدد من قبل الدول الغربية.

روسيا تبيع خام الأورال بحوالي 45 دولار، أي أقل من سقف السعر

 3. توجه روسيا للارتباط بعقود، قد تكون متوسطة الأجل، مع المستوردين الجدد في الهند وماليزيا وبعض دول الشرق الأوسط، وبحسومات عالية. وعدم الاكتفاء بالبيع من خلال السوق الفورية أو باعتماد آلية التهريب بواسطة أسطول الظل. وذلك ما يفسر توقيع روسنفت للعقد مع الشركة الهندية.

 4. مخاطرة روسيا بخلق سوق موازية للنفط الخام، يتم فيها اعتماد أسعار أقل من السوق الرسمية ما يهدد بتقويض جهود أوبك و «أوبك بلس» للحفاظ على استقرار الأسعار. خاصة إذا لجأت أميركا والدول الغربية إلى تعميم آلية السقف السعري، على دول أخرى مثل إيران وفنزويلا، وربما تذهب بعيداً لتطبيقها على دول الأوبك في حال وصول أسعار النفط إلى عتبة الـ 100 دولار كما هو متوقع في النصف الثاني من هذا العام.

5. الإسهام في ترسيخ سوق موازية أو غير نظامية للمنتجات النفطية المكررة، التي أوجدتها العقوبات الغربية وحظر الدول الأوربية استيراد المنتجات الروسية. حيث يتم تكرير النفط الروسي المهرب في دول أخرى مثل الهند والصين وغيرهما وإعادة تصديره إلى أوروبا. وذلك ما يفسر الارتفاع الصاروخي في حصة الهند مثلاً من المنتجات النفطية في السوق الأوروبية لتصل إلى حوالي 22 في المئة، وهي دولة غير نفطية.

6. بروز مخاوف من لجوء روسيا إلى اعتماد آلية مشابهة لتصدير الغاز عبر خطوط أنابيب تربطها بدول الجوار مثل تركيا مثلاً، وبحسومات عالية أيضاً ليتم تسييله وشحنه إلى أوروبا، أو تصدير جزء منه عبر خطوط الأنابيب الموجودة. وهو ما يؤدي إلى تراجع أكبر في الإيرادات المالية لروسيا. كما يخلق المزيد من الضغوط على أسعار الغاز المسال، تتضرر منها الدول المصدرة. وتزايدت هذه المخاوف بعد زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى روسيا ورفضه البحث في تحقيق حلم الرئيس بوتين المتعلق بمشروع إنشاء خط جديد لنقل الغاز الروسي إلى الصين عبر منغوليا المعروف بإسم (قوة سيبيريا 2). ويبدو واضحاً أن الصين تفضل استيراد الغاز الروسي المسال بأسعار رخيصة وعدم تكرار خطيئة أوروبا بالاعتماد المفرط على الغاز الروسي المستورد عبر خطوط أنابيب وبموجب عقود طويلة الأجل.

ألم يكن أجدى تخفيض الصادرات لمنع الدول الغربية من التحكم بأسعار النفط

وليبقى السؤال لماذا يعالج الرئيس بوتين خطأ الإنزلاق على “قشرة موز” حرب أوكرانيا، بخطيئة الانزلاق على “قشرة موز” الالتفاف على العقوبات والايحاء بقدرته على خرقها، لتسجيل نصر مزعوم على أميركا وحلفائها بتصدير النفط بأقصى طاقة ممكنة، ولو بأقل الأسعار. علماً إن هذه العقوبات وتحديداً الشق المتعلق منها بالسقف السعري تم تصميمها لكي تخرق، ولكي تواصل روسيا تزويد الأسواق بالنفط ولكن مع حرمانها من نصف العائدات.

ألم يكن أجدى التمسك برفض تصدير النفط لا مباشرة ولا مداورة لأي دولة تلتزم بسقف الأسعار، بدلاً من التصدير بحسومات عالية. وطالما ان العائدات المالية قد تكون متساوية بين خيار تصدير كميات أقل بالسعر الرسمي، وبين التصدير بالطاقة القصوى ولكن بأسعار محسومة. ألم يكن ذلك أجدى أيضاً لناحية منع أميركا والدول الغربية من التفكير بتعميم آلية تحديد سقف لسعر النفط على بقية دول الأوبك التي بدأ الترويج لها في الكونغرس، والتي سارعت السعودية إلى استباق هذا التفكير بالإعلان عن وقف الصادرات لأي دولة تلتزم بأي قرار يتعلق بتحديد سقف لأسعار النفط.

Related Articles

Back to top button