تمويل الإمارات للطاقة النظيفة في أفريقيا: دحض حملات التشكيك، وتطوير العون الإنمائي

تكتسب مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة لتوفير تمويل بقيمة 4.5 مليار دولار للطاقة المتجددة في أفريقيا أهمية كبيرة في توقيتها قبيل مؤتمر COP28 كما في مستهدفاتها الاقتصادية وأبعادها الجيوسياسية.

في التوقيت والتشكيك

أعلن المبادرة وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف COP28، الدكتور سلطان أحمد الجابر. وتم الإعلان عنها خلال قمة المناخ الإفريقية المقامة في نيروبي، قبل أيام من صدور البيانات الفنية بشأن الحصيلة العالمية الأولى للتقدم في تنفيذ اتفاقية باريس. وكذلك قبل انعقاد مؤتمر COP28، الذي تستضيفه دولة الإمارات. وهي بهذا المعنى تشكل رداً عملياً على الحملات التي تستهدف استضافة دولة الإمارات للمؤتمر باعتبارها دولة نفطية. كما تستهدف رئيسه المعين باعتباره رئيساً لشركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك”. وقد وصلت هذه الحملة إلى حد توجيه رسالة من قبل منظمات بيئية وعدد من الناشطين البيئيين و “متطرفي المناخ” إلى الأمين العام للأمم المتحدة تعتبر أن “شرعية وفعالية المؤتمر ستكون مهددة بسبب تولي الجابر مهام رئاسته”.

والمبادرة تحمل في طياتها رسالة واضحة، وهي أن دولة الإمارات التي تعتبر من أكبر الدول المنتجة للنفط، تعتمد قولاً وفعلاً سياسات وخطط، وتطلق مبادرات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لتطوير الطاقة النظيفة. وتأتي المبادرة الأفريقية في سياق دعوة رئاسة COP28 إلى زيادة القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة المتجددة بمعدل ثلاث مرات بحلول 2030 وتوفير مزيد من التمويل الميسر للأنشطة المناخية.

ولغرض المقارنة والتوضيح، نشير إلى أن المبادرة الإماراتية تتضمن الالتزام بتوفير ما لا يقل عن 15 غيغاواط من الطاقة النظيفة. في حين أن مبادرة “طاقة أفريقيا” Power Africa التي أطلقها الرئيس باراك أوباما في العام 2013 خلال القمة الأميركية الأفريقية الأولى. وهي شراكة تقودها حكومة الولايات المتحدة وتضم أكثر من 170 هيئة ومؤسسة أميركية ودولية، لم يتجاوز حجم الطاقة المولدة من المشاريع التي نفذتها 12 غيغاواط (تم تعديل الرقم مؤخراً بمناسبة الاحتفال بالعيد العاشر للمبادرة، بإضافة المشاريع التي بلغت مرحلة الإقفال المالي، ليصبح 14 غيغاوط).

ولمزيد من المقارنة والتوضيح، نشير إلى أن وزارة الخارجية الأميركية نشرت على موقعها بتاريخ 13 ديسمبر 2022 “مستند حقائق” جاء فيه: “إن إدارة بايدن – هاريس تخطط لاستثمار 1.1 مليار دولار لدعم جهود إفريقيا للحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة”. والطريف ان المستند يوضح أن حصة الطاقة المتجددة من هذا المبلغ لا تتجاوز 193 مليون دولار، مع وعد بتوفير 100 مليون دولار أخرى في السنة المالية 2023 !!

الخلاصة: هناك من ينظم قصائد المديح بالمناخ والهجاء بالوقود الأحفوري، وهناك من يعمل ويمول ويطلق المبادرات لتحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل نحو الطاقة المتجددة.

في الأبعاد الاقتصادية

تتميز المبادرة بأنها تشكل مقاربة جديدة للعون الإنمائي كبديل عن مقاربة القروض والمساعدات المقدمة للحكومات التي كانت معتمدة سابقاً. حيث كان جزءاً كبيراً من تلك القروض يهدر في مزاريب الفساد والمشاريع غير المجدية. وتقوم هذه المقاربة على ثلاثة ركائز هي: أولا؛ أن يلعب التمويل الحكومي دور المحفز والمشجع والضامن للاستثمارات الخاصة. ولحشد تمويل إضافي من مؤسسات التنمية الإقليمية والدولية. ثانياً؛ أن يستخدم التمويل لتنفيذ مشاريع محددة ذات جدوى اقتصادية وتنموية واضحة. ثالثاً إشراك الهيئات الحكومية ومؤسسات التنمية الإقليمية والدولية لتسهيل وتشجيع خلق البيئة التنظيمية والتشريعية اللازمة لجذب وتنمية الاستثمار الخاص.

وتجلت هذه المقاربة في بعدها السياسي من خلال إدراجها تحت مظلة “اتحاد 7”. وهي برنامج تطوير أطلقته دولة الإمارات خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة في العام 2022، بدعم من وزارة الخارجية. ويهدف إلى تزويد 100 مليون فرد في افريقيا بالكهرباء النظيفة بحلول العام 2035.

ويتضح الدور التحفيزي للتمويل الحكومي من قيام صندوق أبوظبي للتنمية  وشركة الاتحاد لائتمان الصادرات بتمويل الاستثمار الأولي. الذي يهدف إلى تحفيز عمل القطاع الخاص. إذ سيقدم الصندوق مساهمة قيمتها حوالي 1 مليار دولار لتلبية احتياجات البنية التحتية الأساسية، وتقديم حلول تمويل مبتكرة. كما توفر شركة الاتحاد تأميناً ائتمانياً بقيمة 500 مليون دولار للحد من المخاطر وجذب رأس المال الخاص. في حين تلتزم شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر“، التي تساهم في نشر حلول الطاقة المتجددة في 22 دولة إفريقية، بتخصيص رأسمال استثماري بقيمة 2 مليار دولار. وتسعى إلى حشد تمويل واستثمارات إضافية بقيمة 8 مليارات دولار لتمويل مشروعات تصل طاقتها إلى 10 غيغاواط. أما شركة أيميا باور فتقوم بضخ استثمارات بقيمة 1 مليار دولار وحشد تمويل إضافي بقيمة 4 مليارات دولار لتمويل مشروعات تصل طاقتها إلى 5 غيغاواط من الطاقة المتجددة.

… والجيوسياسية

على صعيد التعاون في تنفيذ المبادرة، فقد أعلن الوزير الجابر أنها ستنفذ بالتعاون مع مجموعة “إفريقيا50” التي تمثل منصة استثمارية أنشأتها الحكومات الإفريقية وبنك التنمية الإفريقي بهدف معالجة تحديات البنية التحتية الأساسية في القارة عبر تحديد المشروعات وربط المبادرة بالشركاء المنفِّذين المحليين. ودعا الجابر، في كلمته، قادة الدول الإفريقية إلى تعزيز أطر السياسات والتشريعات التنظيمية لجذب الاستثمارات طويلة الأجل اللازمة لتسريع نشر مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة.

وقال إن المبادرة تستند إلى الخبرات العملية والسجل الحافل لدولة الإمارات في مجال حلول التمويل المشتركة والمبتكَرة القائمة على أسس تجارية، والتي يمكن تطبيقها لتعزيز اعتماد الطاقة النظيفة في الدول الناشئة والنامية. وأشار إلى أن اعتماد نهج الشراكة يسهم في تسريع التقدم الاقتصادي المستدام، والتصدي لتحدي تغير المناخ، وتحفيز النمو منخفض الانبعاثات. وأكد ان المبادرة مصمَّمة للعمل مع إفريقيا، ومن أجلها، وأنها تهدف إلى تأكيد الجدوى التجارية للاستثمار النظيف في جميع أنحاء القارة.

الخلاصة: تشكل المبادرة نموذجاً قابلاً للتوسع والتعميم، ليس في تمويل الانتقال المنظم والتدريجي نحو الطاقة المتجددة. بل في مجال العون الإنمائي بشكل عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى