تنظيف النفط بانتظار الطاقة النظيفة
مبادرة سعودية لتطوير تقنيات التقاط الكربون

مبادرة السعودية لتطوير تقنيات التقاط الكربون تستحق التوقف عندها ملياً لسببين. الأول أنها تتعلق بأهم وسيلة لتحقيق أمن الطاقة وأمن المناخ في آن واحد. أي مواصلة استخدام النفط والغاز، مع تخفيض كبير في الانبعاثات الجديدة والمتراكمة. والثاني أنها تأتي من دولة نفطية. ما يؤكد جدية وفعالية جهود الدول المنتجة للنفط في مواجهة التغير المناخي بمبادرات ومشاريع وليس بالخطابات.

تتمثل المبادرة التي أعلنتها وزارة الطاقة ووزارة الاقتصاد والتخطيط في السعودية، بالتعاون مع منصة «أب لينك»، التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي WEF بإطلاق ما أسمته «تحدٍّ عالمي لالتقاط الكربون واستخدامه». يستهدف تشجيع الشركات الناشئة والمخترعين على تقديم حلول متميزة وتقنيات مبتكرة.

الأمير عبد العزيز بن سلمان: التقاط الكربون لا يخفف الانبعاثات فقط، بل يحول الكربون إلى مورد اقتصادي ذي قيمة حقيقية

وأكد وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن قضية تغير المناخ والاستدامة هي قضية عالمية. وبالتالي يجب معالجتها وإيجاد حلول على نطاق عالمي وليس إقليمي أو محلي. وأوضح أن السعودية تسعى إلى تطوير نموذج الاقتصاد الدائري للكربون. الذي لا يقتصر على تخفيف تأثير الانبعاثات الضارة للكربون، وإنما يعيد تقييمه كمورد ذي قيمة اقتصادية حقيقية.

المبادرة السعودية لتطوير تقنيات التقاط الكربون

وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل بن فاضل الإبراهيم، شرح المبادرة بقوله إن المملكة حريصة على تحقيق انتقال عادل ومنتظم وعملي للطاقة. وقال نتطلع إلى تشجيع المخترعين والشركات على تقديم حلول مبتكرة تتعلق بالاقتصاد الدائري للكربون. وسيتم تقييم المشاركات واختيار الفائزين بناءً على معايير تتضمّن قابلية التنفيذ والتوسع، الجدوى التجارية، وإمكانية جذب التمويل اللازم.

إقرأ أيضاً: أمن الطاقة وأمن المناخ: بين فضيلة الدمج ورذيلة الفصل 

كما سيتم تكريم الفائزين في المسابقة وإشراكهم في نظام «أب لينك» للابتكار. وهو برنامج مخصص للمؤسسين والرؤساء التنفيذيين وغيرهم من قادة الأعمال. وسيحصل الفائزون أيضاً على جوائز مالية تصل إلى 300 ألف فرنك سويسري (334.4 ألف دولار)، بالإضافة إلى دعم فني و تجاري وتشغيلي لتطوير وتوسعة نطاق ابتكاراتهم.

التقاط الكربون لتنظيف الوقود الأحفوري

بات مؤكداً استحالة السيطرة على الاحترار العالمي وتخفيض الانبعاثات من خلال الدعوات غير الواقعية لتقليص استخدام الوقود الأحفوري. وذلك لأسباب اقتصادية تتعلق بالنمو والتنمية في الدول النامية والصناعية على السواء. وكذلك لأسباب تتعلق بارتفاع تكلفة المصادر البديلة من الطاقة المتجددة. والأهم بسبب حاجة المصادر البديلة إلى الطاقة الأحفورية لإنتاج المكونات اللازمة مثل الألواح الشمسية ومرواح الرياح وغيرها.

وهذه المعطيات تجعل التقاط الكربون هو الخيار المناسب والمجدي لمواجهة التغير المناخي. خلال المرحلة الانتقالية قبل نضوج تقنيات الطاقة النظيفة وانخفاض تكاليفها. وهي فترة قد تمتد إلى عدة عقود. ولكن رغم وضوح هذه الحقيقة، فإن تقنيات التقاط الكربون لم تحظ بالاهتمام الكافي، لا من قبل الدول الصناعية الكبرى، ولا من قبل القطاع الخاص.

يتم حقن الكربون في آبار النفط لتحسين الإنتاجية، كما يستخدم لإنتاج عشرات المواد والمنتجات

والملفت أن المبادرة السعودية تأتي في سياق اندفاع الدول المنتجة للنفط والشركات النفطية الدولية إلى تكثيف الاستثمار في تقنيات التقاط الكربون تحديداً والطاقة النظيفة عموماً. وذلك على الرغم من التراجع الكبير في استثمارات الطاقة النظيفة خلال العامين الماضيين. فقد انخفضت مثلاً الاستثمارات والمنح المالية لتكنولوجيا المناخ بنسبة 40 في المئة خلال الأشهر الـ 12 المنتهية في سبتمبر 2023، كما ذكر تقرير لشركة PWC. ولكن المفارقة أن الاستثمارات في قطاع احتجاز وتخزين واستخدام الكربون شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال العامين الماضيين.

أبرز تقنيات التقاط الكربون

هناك العديد من التقنيات المعروفة والمجربة على مستوى المختبرات. ولكن التقنية المجربة والناجحة نسبياً على مستوى المشاريع، فهي تقتصر حتى الآن على التقاط الكربون من المصدر Direct Air Capture. حيث يتم تخزينه في باطن الأرض او ضخه في آبار النفط والغاز لزيادة الضغط وتحسين الإنتاجية. أو تتم إعادة استخدامه لإنتاج عشرات المواد والمنتجات مثل مواد العزل والإسمنت والمشروبات الغازية والوقود الصناعي.

الالتقاط من المصانع ومحطات الطاقة

تمتاز هذه الطريقة بأنها أكثر فعالية وجدوى مقارنة بطريقة الالتقاط من الهواء. بسبب التركيز الشديد للكربون في مداخن المصانع والمحطات حيث يتم تركيب المراوح. وهي فعالة لناحية تقليص ضخ كميات جديدة من الكربون. ولكنها لا تعالج مشكلة المخزون المتراكم في الجو.

ويوجد في الوقت الراهن 42 مشروعاً تجارياً لالتقاط  الكربون واستخدامه وتخزينه في جميع أنحاء العالم. بقدرة تخزين تبلغ حوالي 50 مليون طن متري سنوياً وفقاً للمعهد العالمي لالتقاط وتخزين الكربون. ويمثل هذا حوالي 0.13 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية المرتبطة بالطاقة والصناعات. والتي تبلغ حوالي 37 مليار طن متري على مستوى العالم.

ويتم استخدام أكثر من ثلثي الكمية الملتقطة في الاستخراج المعزز للنفط. وتجدر الإشارة هنا إلى أن شركات النفط تؤكد أن ضخ الكربون في أبار النفط يغير التركيب الكيميائي للخام ويجعله أكثر مراعاة للبيئة والمناخ. لكن بعض علماء البيئة يشككون في ذلك، بل يعتبرون أنه يفاقم التأثيرات الضارة على المناخ.

الالتقاط من الهواء

تعتمد هذه الطريقة تقنيات مختلفة أهمها حتى الآن تركيب مراوح في مواقع التلوث المرتفع. والمشكلة التي تواجهها هي ضآلة الكميات الملتقطة بسبب انخفاض نسبة التركيز.

وهناك حالياً حسب وكالة الطاقة الدولية 27 منشأة في العالم لالتقاط الكربون من الهواء. ويبلغ إجمالي الكميات التي تقوم بالتقاطها حوالي 10 ألاف طن متري فقط سنوياً. كما توجد خطط لإنشاء حوالي 130 منشأة أخرى.

تشكل التكلفة المرتفعة العقبة الرئيسية أمام توسع مشاريع التقاط الكربون، وقد تصل إلى ألف دولار للطن

وهناك تقنيات واعدة تحتاج إلى مزيد من الاختبارات. وتمتاز بأنها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة خاصة تلك التي تتم على حرارة منخفضة، ومنها على سبيل المثال:

– فصل الكربون بواسطة غشاء (Membrane Gas Separation)

– الفصل الكيميائي للكربون (Chemical Looping)

– التقاط الكربون على حرارة منخفضة جداً (Cryogenic Carbon Capture)

– التقاط الكربون باستعمال تكنولوجيا النانو (Carbon Capture Using NanoTechnology)

– خلايا الوقود Fuel cells

معضلة التكلفة

تشكل التكلفة المرتفعة لمشاريع التقاط وتخزين الكربون العقبة الرئيسية أمام توسعها وانتشارها. إذ تتراوح بين 15 و 120 دولار لكل طن متري، بالنسبة للالتقاط من المصدر مباشرة. وتقفز إلى ما بين  600  و 1000 دولار للطن المتري بالنسبة للالتقاط من الهواء. والسبب الرئيسي لارتفاع التكلفة هو كمية الطاقة الكبيرة المستخدمة.

وقد تم بالفعل إقفال العديد من المشاريع في الدول الصناعية لإسباب مالية. كان أهمها مشروع بيترا نوفا في أميركا الذي إقيم قرب محطة للكهرباء تعمل بالفحم. وبلغت تكاليفه حوالي 1 مليار دولار. وتم لاحقاً إعادة تشغيله بعد حل بعض المشاكل التقنية.

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن حوالي 90 بالمئة من التقنيات اللازمة لخفض الانبعاثات موجودة بالفعل. وهي تحتاج إلى التطوير لتحسين الأداء وتخفيض التكلفة ما يجعلها مجدية تجارياً. وذلك ما يؤكد أهمية المبادرة السعودية لتطوير تقنيات التقاط الكربون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى