حقل الدرة: «هزة» على خط الزلازل

خط الحدود البحرية الإيرانية في الخليج العربي، أشبه بخط زلازل، مع فارق مهم عن الخط الطبيعي، أنه وجد بقرار إيراني وحدوث الزلزال يتم بقرار إيراني. وعسى ان تبقى أزمة حقل الدرة المشترك بين الكويت والسعودية، مجرد “هزة” كبيرة.

تفاصيل الخلاف المفتعل حول حقل الدرة، باتت معروفة وتختصر بمسألتين:

  1. رفض إيران منذ أيام الشاه ترسيم حدودها البحرية مع كافة دول الخليج. متعمدة ترك مساحات شاسعة كمناطق متنازع عليها. وتضم هذه المناطق عدداً من الجزر أهمها جزر الإمارات الثلاثة المحتلة. وعدداً أكبر من حقول النفط والغاز. وأهمها حقل الشمال القطري الذي يعتبر من أكبر حقول الغاز في العالم. وحرصت إيران على إيجاد تسوية بشأنه بسبب ضخامته وحاجتها الملحة له.

إيران ترفض الترسيم

  1. رفض إيران اعتماد معايير وأسس الترسيم المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. رغم أنها من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية، ولكنها لم تصادق عليها حتى اليوم. واعتمدت بديلاً يصعب على أي دول قبوله. يعتمد بالنسبة للترسيم مع الكويت مثلاُ على انطلاق خط الترسيم من جزيرة خرج التي تبعد حوالي 25 كلم عن البر الإيراني إلى البر الكويتي. مع رفض انطلاق خط الترسيم الكويتي من جزيرة فيلكا التي تبعد ذات المسافة عن البر وهي جزيرة ضخمة ومأهولة وكانت مركزاً حضارياً منذ آلاف السنين. (راجع الرسم). وترافق ذلك مع رفض الترسيم الذي أعلنته دول الخليج. خاصة في المناطق التي تحتوي على جزر وحقول نفط وغاز. مع استخدام مختلف أشكال الضغوط السياسية والأمنية وشبه العسكرية لمنع استغلال هذه الحقول.
يوضح الرسم صوابية الموقف الكويتي باعتماد معاملة متساوية لجزيرتي خرج و فيلكا

ما لنا، لنا …

إذن.. إما الرضوخ لمعادلة “ما لنا، لنا.. وما لكم، لنا ولكم”. وإما ليبقى الغاز في قعر الخليج. وهو ما حدث فعلاً لحقل الدرة الذي تقدر مخزوناته من الغاز الطبيعي بنحو 11 تريليون قدم مكعب. إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل من النفط. ويقع الحقل في المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المحايدة أو المقسومة بين الكويت والسعودية. وهناك اتفاقية بين البلدين ترعى تقاسم الموارد فيها. ومع أنه تم اكتشاف  حقل الدرة في العام 1967، لم تنجح كل المحاولات لاستغلاله حتى الآن.

دعوة إيران للتفاوض على ترسيم الحدود، مع السعودية ـ الكويت، كطرف تفاوضي واحد

وكان آخر فصول مسرحية تعطيل استغلاله، قد بدأ في 21 مارس 2022 حين اتفقت الكويت والسعودية على البدء باستغلال الحقل. وجاء الرد الإيراني بعد 4 أيام ( 26 مارس 2022 ) باعتراض وزارة الخارجية الإيرانية على الاتفاق. ثم الإعلان في 28 مارس 2022 على لسان وزير النفط الإيراني عن «الاستعداد لبدء عمليات الاستكشاف والمسح الزلزالي في الحقل تمهيداً لمباشرة أعمال الحفر قريباً».

واشتعل الموقف في 28 يونيو 2023، حين أعلن المدير التنفيذي لشركة النفط الإيرانية، عن «استعدادات كاملة لبدء الحفر في حقل الدرة «أرش»  كما تطلق عليه إيران» مؤكداً رصد موارد مالية كبيرة لتنفيذ خطة التطوير.

تصعيد كويتي ـ سعودي غير مسبوق

جاء الرد الكويتي ـ السعودي حاداً ومباشراً بشكل غير مسبوق. وخاصة من قبل نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي ووزير النفط سعد البراك المعين حديثاً. وتركز الرد على ثلاثة محاور هي:

  • رفض قاطع لما أطلق عليه البراك «الادعاءات والإجراءات الإيرانية حيال حقل الدرة. وهو ثروة كويتية سعودية، ليس لأي طرف آخر أية حقوق فيه». وذلك ما أكدته وزارة الخارجية السعودية بالقول ان «ثروات المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة ودولة الكويت فقط».
  • دعوة إيران إلى بدء مفاوضات جدية لترسيم الحدود البحرية وفق قواعد ومعايير قانون البحار. وعلى «إيران قبل الإدعاء بوجود حقوق لها في حقل الدرة، أن تبادر إلى ترسيم الحدود أولاً، وإذا كان لها أي حق فتأخذه وفقاً للقانون الدولي»، على حد تعبير سعد البراك.
  • الإصرار على أن المفاوضات هي ثنائية أي بين إيران من جهة والسعودية ـ الكويت، من جهة أخرى. وهو ما أكدت عليه وزارة الخارجية السعودية، بتجديد دعوة إيران «لبدء مفاوضات ترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني، وفقا لأحكام القانون الدولي». وتلاقى هذا الموقف مع ما أعلنه وزير النفط الكويتي بالقول: «الكويت والسعودية فريق واحد، ووحدة واحدة ومشاركة واحدة. وماضون قدماً في التخطيط والتطوير لحقل الدرة في أقرب وقت». ويأتي هذا الموقف كرد على محاولات إيران الدخول بمفاوضات ثلاثية منفصلة مع كل من الكويت والسعودية.

تزايد حاجة الكويت والسعودية لموارد الغاز، وهناك 28 بئراً لا يمكن استغلالها بسبب عدم ترسيم الحدود

حقل الدرة و«حكي بالسياسة»

يعزى الموقف السعودي ـ الكويتي المتشدد والغاضب إذا صح التعبير لسببين: الأول يتعلق بحاجة الكويت الماسة  وكذلك السعودية إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي. بهدف تلبية الطلب المحلي لتوليد الكهرباء ولصناعة البتروكيماويات. خاصة وان الكويت تحولت مؤخراً إلى دولة مستوردة للغاز. وهو ما يعزز مشاعر المرارة والغضب جراء حرمانها من استغلال مواردها الغازية. وأكد ذلك بشكل مباشر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في شهر مايو الماضي، في معرض حديثه عن تطوير حقل الدرة بقوله. “الكويت بحاجة إلى الغاز، ونحن أيضاً نحتاج إلى الغاز، ولا يمكن القبول بهذا المسار الذي استمر لأكثر من 22 عاماً”.

السبب الثاني يتعلق، بعدم تناسب الموقف الإيراني مع مناخ التفاهم والتهدئة الذي يسود العلاقات السعودية ـ الإيرانية. ويكتسب هذا السبب بعده الحقيقي بالنظر إلى وجود حوالي 28 بئراً للغاز الطبيعي لا يمكن استغلالها، إما لأنها حقول مشتركة مع إيران، وإما لأنها متنازع عليها بسبب عدم ترسيم الحدود.

… عسى ان تبقى أزمة حقل الدرة مجرد “هزة” على خط الزلازل، بانتظار أن يتحول إلى خط للتفاهم والتنمية على قاعدة المصالح المشتركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى