ضرب إيران: أزمة إمدادات نفطية أم توقعات ومضاربات ؟

مع تصاعد تداعيات ضرب إيران من قبل إسرائيل، اشتعلت التوقعات ورسم السيناريوهات لارتفاع صاروخي بأسعار النفط. ومنهم من يتحفظ في تقديراته فيحدد السعر بنحو 130 دولاراً للبرميل. ومنهم من «تأخذه الحمية» فيرفعه إلى 200 دولار. فهل نحن فعلاً أمام انفلات الأسعار بسبب انهيار منظومة الإمدادات؟ أم يقتصر الأمر، كما جرت العادة، على مجرد ارتفاع مؤقت بالأسعار بسبب العامل النفسي المدعوم بالتوقعات والمضاربات؟
مع التأكيد على أن الحروب والاضطرابات، خاصة في منطقة الخليج، لها تأثير مباشر على أسعار النفط، لأنها قد تؤدي إما إلى تعطيل الإنتاج في بعض الدول، أو إلى تعطيل الإمدادات. لكن تقتضي سلامة التحليل ورسم السيناريوهات الواقعية استعراض المعطيات الحالية والتطورات المرتقبة بعقلانية. بعيداً عن الانفعال والتأثر بالتكهنات الإعلامية أو مصالح المضاربين في الأسواق المالية.
أقرأ أيضا: ما هي السيناريوهات المحتملة لاستهداف النفط الإيراني؟
يمكن القول إن هدف الضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، يتراوح بين حد أدنى يتمثل في الضغط على إيران لتحريك المفاوضات مع الولايات المتحدة. وحد أقصى، أن تكون الضربة مقدمة لحرب شاملة. وهو أمر مستبعد، ويحتاج إلى تدقيق في معنى تعبير «حرب شاملة» وفي إمكانية حدوثها أصلاً.
أولاً: ضربة محدودة لتحريك المفاوضات
في السيناريو الأول، يُرجح ألا تشمل الضربات تدمير مرافق إنتاج وتصدير النفط الإيراني. لأن ذلك قد يؤدي إلى حرمان الأسواق من حوالي 1.5 مليون برميل يومياً. وهو أمر تتحاشاه الولايات المتحدة حالياً، رغم إمكانية تعويض النقص. أما استهداف مرافق التكرير، وهي 10 مصافٍ رئيسية، فيعني الوصول إلى نقطة اللاعودة. لأنه يشكل ضربة قاصمة للحركة الاقتصادية وشللاً في كافة المرافق. ما قد يؤدي إلى توترات واضطرابات داخلية تُهدد استقرار النظام. وربما يندرج هذا الاحتمال ضمن السيناريو الثاني.
مجرد تأثير نفسي ومؤقت
علماً أن التعرض لبعض الناقلات، سواء في الخليج العربي أو في البحر الأحمر، لم يُسفر سابقاً، ولن يُسفر اليوم، عن أي نقص مؤثر في الإمدادات. وهذا يُعزز فرضية أن التهديدات الراهنة لأمن الملاحة أقرب إلى التأثيرات النفسية لا الجيوسياسية المباشرة. وذلك ما أكده تقرير لبنك JP Morgan، بقوله: “رغم بعض القلق الجيوسياسي، فإن التوقعات لا تزال تشير إلى تأرجح السعر في نطاق 60 –70 دولاراً خلال 2025–2026، ما يعكس ثقة في قدرة السوق على امتصاص الصدمات المستجدة.”
والحديث عن تهديد الملاحة في الخليج، وفق هذا السيناريو، أقرب إلى المبالغة والتهويل. والأسباب عديدة، أهمها: تخوف إيران من ضربات أميركية أو دولية منسقة قد تحظى بموافقة ضمنية من الصين والدول الآسيوية، المتضررة مباشرة من أي تقليص في الصادرات الخليجية، إذ تبلغ حصتها منها حوالي 80 في المئة. كما تخشى إيران من استعداء دول الخليج التي تربطها بها علاقات جيدة نسبياً. وأخيراً، هناك خشية واقعية لدى إيران من أن تؤدي أي مغامرة بحرية إلى استهداف ناقلاتها، ما قد يحرمها من تصريف نفطها “المهرّب” بصمت وبتغاضٍ أميركي محسوب.
لذلك، من المرجّح أن الضربات الإسرائيلية والردود الإيرانية لن تمس بشكل مباشر إنتاج وصادرات النفط الإيراني. كما يُستبعد أن تؤدي إلى تهديد فعلي لأمن الإمدادات، خاصة عبر مضيقي هرمز وباب المندب. وربما يقتصر الأمر على رفع الأسعار لفترة قصيرة بدفع من العامل النفسي.
ثانياً: حرب شاملة وإسقاط النظام
قبل الحديث عن هذا السيناريو، يُفترض التدقيق، كما أسلفنا، في تعبير «حرب شاملة» والتهويل بإمكانية وقوعها. والسؤال البديهي: هل تستطيع إيران خوض مثل هذه الحرب، في ظل ما يلي:
- ضعف إمكاناتها العسكرية التقليدية مقارنة بخصومها، والاختلال الكبير في ميزان القوى، رغم نجاح «الخطاب الدعائي» في إبراز تلك الإمكانيات. وأيضاً تراجع نفوذها في سوريا ولبنان واليمن والعراق. إضافة إلى تهيّب روسيا من الدعم وانكفاء الصين عن التدخل.
- من هي الأطراف التي ستشارك في هذه «الحرب الشاملة»؟… فهناك علاقات جيدة نسبياً بين إيران ودول الخليج، ولدى هذه الدول قرار استراتيجي بتفادي أي صراع عسكري. وهناك شبه استحالة لتحريك الجبهة اللبنانية أو السورية. وذلك يعني أن هذه الحرب ستكون مجرد سيناريو للتدمير وتجريب الأسلحة الغربية، أكثر منها مواجهة ذات أهداف استراتيجية قابلة للتحقيق.
- صعوبة تورط إيران في «حرب شاملة» لأنها تدرك سلفًا أن نتيجتها ستكون كارثية على النظام السياسي. وربما تُعيد إحياء التوترات القومية والمذهبية التي تهدد وحدة البلاد. وهو أمر قد لا ترغب واشنطن بحدوثه فعلاً.
ضرب إيران ومضيق هرمز
ومع ذلك، لا يُستبعد أن تلجأ إيران إلى استهداف مصالح أميركية وإسرائيلية في المنطقة والعالم. إلى جانب استهداف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة. ورغم أن مثل هذه الردود قد تشمل محاولات رمزية لتعطيل صادرات النفط أو تهديد الملاحة في مضيق هرمز، فإن أثرها يبقى محدوداً على أساسيات السوق وكفاية الإمدادات.
إقرأ أيضاً: هلال للقاهرة الإخبارية: إيران لن تقدم على إغلاق مضيق هرمز
ومعروف أن دول الخليج تمتلك بدائل استراتيجية لتجاوز المضيق. ومنها على سبيل المثال: خط شرق – غرب في السعودية بطاقة 5 ملايين برميل يومياً، قابلة للزيادة إلى 7 ملايين برميل. وخط حبشان – الفجيرة في دولة الإمارات بطاقة 1.5 مليون برميل يومياً. إضافة إلى خطّين لنقل النفط العراقي إلى تركيا بطاقة تتجاوز 750 ألف برميل يومياً.
إذاً، يبدو أن هذا السيناريو، الذي كان مستبعداً في السابق، أصبح اليوم غير قابل للتحقق. وذلك ما ذكره تقرير JP Morgan، الذي اعتبر أن إغلاق مضيق هرمز «شديد الخطورة، ولكنه احتمال ضعيف جداً».
سواء اقتصرت التطورات على ضربات محدودة لتحريك المفاوضات، أو بلغت حافة «الحرب الشاملة»، فإن التأثير على أسواق النفط يُرجح أن يبقى محدودًا ومؤقتًا. والحديث عن أزمة إمدادات وانقلاب في اتجاهات الأسعار، لا يعكس ديناميكيات السوق ولا البنية الجيوسياسية المحيطة بإيران.