قرارات Cop28: معضلة التمويل بين الوسائل والتحديات

انتهى مؤتمر  كوب28 (Cop28) بقرارات يمكن وصفهما بالإنجاز غير المسبوق، وأهمها صندوق الخسائر والأضرار والتحول عن الوقود الأحفوري وزيادة مصادر الطاقة المتجددة بمعدل ثلاثة أضعاف. ولكن هذه القرارات تصطدم بمعضلتين يصعب تجاوزهما هما توافر التمويل اللازم والإرادة السياسية للتنفيذ. خاصة وأن نص القرارات جاء عمومياً واتسم بالغموض ما يفتح المجال للتأويلات في تفسيره وفي الالتزام بتنفيذه.

في أي حال، وحتى لو أمكن وضع تصور عام وشامل للانتقال التدريجي بعيداً عن الوقود الأحفوري، ولمضاعفة انتاج الطاقة المتجددة، يبقى السؤال الأهم وهو كيف سيتم تمويل هكذا انتقال، خاصة في الدول النامية أو حديثة النمو.

وفي هذا السياق يجدر التذكير بأن صندوق الخسائر والأضرار (Loss and Damage Fund) الذي يهدف إلى مساعدة الدول الفقيرة والنامية للتعويض عن الخسائر الناتجة عن التغير المناخي، لم يحقق حتى الآن أكثر من 700 مليون دولار من التمويل. في حين تقدر الخسائر الاجمالية السنوية الناتجة عن مشاكل التغير المناخي بحوالي 400 مليار دولار سنوياً في مختلف أنحاء العالم. وكان الملفت تلكؤ الدول الصناعية الكبرى في تمويل هذا الصندوق. فلم تتجاوز  مساهمة الولايات المتحدة مثلاً 18 مليون دولار والصين نحو 10 ملايين دولار فقط.

أميركا والصين التزمتا بتمويل صندوق الخسائر والأضرار بـ 28 مليون دولار مع أن الخسائر تقدر بنحو 400 مليار دولار سنوياً!

الطاقة المتجددة: مجرد تمنيات

بالنسبة للطاقة المتجددة، فقد اتفقت أكثر من 100 دولة على ضرورة زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بثلاثة أضعاف في المرحلة المقبلة. لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال نظراً للضغوط المالية التي تواجه الدول النامية. ما يعني صعوبة تمويل مشاريع الطاقة هذه. وبالتالي صعوبة التحول على نطاق واسع عن الطاقة الأحفورية.

بمعنى آخر، فإنه لو كان هذا الهدف قابلاً للتحقيق، فإن الدور الأساسي فيه سيكون للدول الصناعية. وهي المسؤولة على أي حال عن الجزء الأكبر من الانبعاثات. أما الدول النامية أو حديثة النمو، فإن أكثريتها أو 70 في المئة منها بحسب المعلومات الأخيرة لصندوق النقد الدولي، تواجه صعوبات في تسديد وإدارة ديونها الخارجية حالياً. بما يعني حسب صندوق النقد أنها ستعلن عدم قدرتها على سداد ديونها أو على الأقل إعادة جدولتها. بل يرى عدد من المحللين أنه على النظام المالي العالمي أن يعمل بشكل عام على إعادة جدولة وهيكلة ديون الدول النامية لمساعدتها على الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وإن ضمن حدود معينة.

التمويل المطلوب 5.8 تريليون دولار

تجدر الإشارة هنا إلى أنه في العام 2021، وبناء على تحليل لهيئة مختصة في الأمم المتحدة. قدرت الاحتياجات التمويلية المطلوبة لمشاريع الطاقة البديلة حتى العام 2030 بنحو 5.8 تريليون دولار. أي نحو 600 مليار دولار سنوياً خلال هذه الفترة. وذلك بخلاف الاستثمار المطلوب في إجراءات تخفيف انبعاثات الكربون في المرحلة الانتقالية. إضافة إلى الأموال الطائلة المطلوبة لمعالجة الأضرار الضخمة الناجمة عن الفيضانات والحرائق والجفاف بسبب التغير المناخي.

تقدر احتياجات تمويل الطاقة المتجددة بحوالي 600 مليار دولار سنوياً، والغرب يضغط لاستخدام أموال المؤسسات الدولية لتوفيرها

في الخلاصة، وفي ضوء كل ما سبق، فإنه لا بد من القول، أو ربما التوافق مع العديد من المحللين، بأن التمويل سيكون عاملاً أساسياً في إنجاح مسيرة التحول نحو مصادر الطاقة المستدامة على النطاق العالمي. وخاصة في الدول النامية وحديثة النمو. وأنه لا بد من أن تلعب الدول الصناعية دوراً أساسياً في توفير التمويل المطلوب لذلك على النطاق العالمي.

دور المؤسسات الدولية

يلاحظ في هذا السياق توجه الدول الصناعية الكبرى إلى تحميل مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية وفي مقدمتها البنك الدولي،مسؤولية توفير جزء كبير من التمويل المناخي للدول النامية. باعتبار أن هذه المؤسسات لديها إمكانيات تمويلية عالية. ولكن المشكلة أن أموال هذه المؤسسات مخصصة لتمويل التنمية ومكافحة الفقر بشكل أساسي. ما يتطلب تغييراً جذرياً في أنظمتها وأهدافها. وهو أمر تعارضه الدول النامية بشدة. ولكن مع ذلك فقد بوشر التنفيذ فعلاً في البنك الدولي، حيث استقال أو «أقيل»  رئيسه السابق الذي رفض هذا التغيير. واستبدل بالرئيس الحالي أجاي بانغا الذي ينفذ عملية الانتقال بحماسة وإصرار.

كما يتوقع أن يلعب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP دوراً مهماً في تأمين التمويل لجميع البرامج الخاصة بالبيئة والمناخ. ويساعد هذا البرنامج الدول النامية بشكل خاص في تحديد احتياجات مشاريع الطاقة البديلة، كما مشاريع التنمية الأخرى. وتأمين التمويل من خلال السبل المستحدثة والفعالة ومنها السندات الخضراء، وأسواق الكربون، والتأمين ضد المخاطر الطبيعية، ومبادلة الديون (Debt Swap)، وإصدارات الأسهم بغرض مساهمة القطاع الخاص في المشاريع العامة وغير ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى