«كوب 28» في الإمارات: قمة مصالحة النفط والمناخ

تفاجأ المعنيون بملف الطاقة بشقيها الأحفورية والمتجددة، بالحملة التي شنتها بعض الدول والجهات ضد استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر المناخ «كوب 28» COP 28 باعتبارها دولة نفطية. مع أن النفط كان وسيبقى لمدة طويلة محرك أكبر نهضة تنموية بتاريخ البشرية. ومع أن دولة الإمارات كانت وستبقى مساهماً رئيسياً في جهود حماية المناخ والتحول نحو الطاقة النظيفة.

هل هناك نقاط مخفية فوق حروف حملة متطرفو المناخ على استضافة الإمارات لمؤتمر كوب 28

الحملة التي شملت بالطبع تعيين رئيس شركة أدنوك سلطان الجابر رئيساً للمؤتمر، لا تستأهل الوقوف عندها. لأن من يخوضها علانية هم من يطلق عليهم «متطرفو المناخ» من دول وشخصيات وجمعيات تعنى بالبيئة والمناخ، مع أن مقارباتهم وسياساتهم قد تكون أكثر ضرراً بالبيئة والمناخ من النفط  والفحم. ولكن هناك تخوف ان تكون بعض الدول الكبرى تدعم وتشجع ولو ضمنياً هذه الحملة في سياق سياستها المعلنة المعادية لنظام الطاقة العالمي القائم على الوقود الأحفوري. علمأً أن غالبية قادة العالم أيدوا قرار الأمم المتحدة عقد المؤتمر في الإمارات، بما في ذلك المبعوث الخاص للرئيس جو بايدن لشؤون المناخ جون كيري. كما أيدوا تعيين وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة سلطان الجابر رئيساً له.

ولذلك قد ينفع وضع نقاط الحقيقة على حروف هذه الحملة في جانبين الأول رئاسة المؤتمر والثاني استضافة الإمارات له.

المناخ يحتاج حليفاً مثل الجابر

قد يكون أفضل تلخيص لمقاربة حملة « متطرفو المناخ» ضد الجابر، العبارة التي استخدمتها وكالة بلومبيرغ، وهي «إن المناخ يحتاج إلى حليف مثل سلطان الجابر». ودعت الوكالة نشطاء البيئة إلى الإدراك أنَّه يمكن تحقيق المزيد من خلال التعامل معه كحليف بدلاً من مهاجمته.

ولأن الجابر معروف عنه أنه رجل أفعال لا أقوال، فقد انصرف مبكراً لتنفيذ توجيهات قيادة دولة الإمارات باستضافة المؤتمر أولا وإنجاحه ثانياً. وقد نجح بالشق الأول من المهمة. والمؤشرات المتتالية تؤكد أنه سينجح في الشق الثاني. خاصة وأنه تمكن حتى الآن من ثبيت التوجهات العامة للقمة بأن تكون «قمة العمل». والسعي لنقل المباحثات من حيز «تحديد الأهداف إلى تحقيق الأهداف».

وما يجدر ذكره ان سلطان الجابر نجح في قيادة شركة أدنوك لتكون في طليعة الشركات التي تمتلك طاقة انتاجية فائضة تقي أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي مخاطر شح الإمدادات وارتفاع الأسعار. كما نجح في جعلها في طليعة الشركات النفطية التي تراعي المعايير البيئية. وبالمقابل فقد قاد الجابر شركة مصدر لتكون في طليعة شركات الطاقة النظيفة في العالم. ولتبقى الإنجازات «أصدق أنباء» من الخطابات.

…والإمارات حليفة المناخ والطاقة

تتحمل عادة الدولة المضيفة لمؤتمرات الدول الأطراف بإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «كوب»، مسؤولية كبيرة في إنجاح المؤتمر . وقد تكون الإمارات من أكثر الدول قدرة على تحقيق ذلك من خلال الجمع بين كونها من أكبر الدول النفطية، وفي طليعة الدول في مجال تطوير الطاقة النظيفة. خاصة بعد أن تحولت قضية توفير مصادر نظيفة وآمنة وصديقة للبيئة بما يكفل تعزيز جودة الحياة إلى الشغل الشاغل للدول وفي مقدمتها الدول الخليجية. والأسباب متعددة، فدول الخليج تعطي الأولوية لتحقيق مصلحة شعوبها وتعزيز رفاهية عيشهم. فدولة الإمارات مثلاً تحتل المرتبة الأولى عربياً في مؤشر السعادة العالمي والرابعة عشرة عالمياً. ومن بين الأسباب المباشرة لتحقيق هذه المرتبة، هو الحرص على تنمية المساحات الخضراء، ومراعاة أعلى المعايير البيئية.

وكالة بلومبيرغ في رد غير مباشر على متطرفي المناخ: «المناخ يحتاج إلى حليف مثل سلطان الجابر»

وقد أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة على حرص دولة الإمارات على وضع العمل المناخي في صميم استراتيجيتها التنموية الهادفة إلى تحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي المستدام. وقال خلال اطلاعه إلى جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على تحضيرات استضافة مؤتمر كوب 28 التي قدمها د. سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ورئيس المؤتمر.

من جانبه أكد الشيخ محمد بن راشد أن نهج دولة الإمارات في العمل المناخي يقوم على توفير فرص مبتكرة وعملية لتحقيق الازدهار المشترك والتنمية المستدامة.

كما تهتم دولة الإمارات بالحفاظ على احتياطيات مصادر الطاقة الأحفورية لتخدم الأجيال المقبلة على نحوٍ مستدام، ليس لاستخدامها كوقود لا بديل عنه في المستقبل المنظور وحسب، ولكن كمواد خام لمئات السلع والمنتجات، وبخاصة في الصناعات البتروكيماوية المتخصصة. وكذلك كمصدر لتوفير الغذاء العالمي من خلال إنتاج المخصبات الزراعية “الصديقة للبيئة”.

سلطان الجابر بعد الفوز باستضافة المؤتمر

مشاريع بمئات المليارات

من جهة أخرى، تتصدر سياسات الطاقة النظيفة والمتجددة في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما في المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، المشهد العالمي في هذا المجال.

فعلى المستوى الرسمي في دولة الإمارات، تبرز المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، والتي تستهدف خفض الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، لصالح حلول الطاقة المتجددة والنظيفة. وقد رصدت الدولة نحو 600 مليار درهم لتحقيق هذه الغاية. وعلى الصعيد العالمي دعمت دولة الإمارات تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والطاقة النظيفة عالمياً. كما تعزز نشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة في الدول النامية، حيث استثمرت في مشاريع للطاقة المتجددة في 70 دولة بقيمة إجمالية تقارب 16.8 مليار دولار.

ويبرز في هذا الإطار مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، وفق نظام المنتج المستقل. وستبلغ قدرته الإنتاجية 5000 ميغاواط بحلول العام 2030، باستثمارات إجمالية تصل إلى 50 مليار درهم. وسيسهم المجمّع عند اكتماله في خفض أكثر من 6.5 ملايين طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً. إلى جانب محطة «نور أبوظبي» أكبر محطة مستقلة للطاقة الشمسية في العالم بطاقة إنتاجية قدرها 1177 ميغاواط، وغيرها من المشاريع الحيوية.

إلإمارات رصدت حوالي 600 مليار درهم لتطوير  حلول الطاقة النظيفة والمناخ

أما شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك”، فيسجل لها أنها من أقل شركات النفط والغاز على مستوى العالم في الانبعاثات الكربونية. ولديها مشروع «الريادة» الذي يعد الأول على مستوى المنطقة لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه وتعمل على مضاعفة طاقة هذا المشروع بنسبة 500 في المئة.

في المقابل، تبرز مدينة مصدر، المملوكة بالكامل لشركة مبادلة للاستثمار في أبو ظبي، لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة بما يضمن تحقيق التنمية الحضرية المستدامة. وتسعى الإمارات من خلالها لتطوير حلول رائدة في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة، وتصديرها للعالم. وقد استثمرت المدينة منذ العام 2006 ما يصل إلى أكثر من 4 مليارات دولار بشكل رئيسي في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ريادة طاقة الهيدروجين

وعلى مستوى القطاع الخاص، تبرز تجربة شركة “أيميا باور” الإماراتية كمثال على النمو السريع لصناعة الطاقة المتجددة في المنطقة. وقد انطلقت الشركة في مشروعها الأول في توغو في العام 2021، وهي  تمتلك اليوم محفظة مشاريع تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار تتوزع في 20 دولة آسيوية وأفريقية، وتغطي 27 مشروعاً منجزاً وقيد الانجاز أو في مرحلة متقدمة من التطوير.

هذا غيض من فيض الجهود الإماراتية في دعم قطاع الطاقة المتجددة، يضاف إليها عدد من المبادرات الأخرى المتعلقة بالطاقة النظيفة وفي مقدمها طاقة الهيدروجين، التي من شأنها خفض الانبعاثات الضارة للوقود الأحفوري. وقد بدأت تباشير الدور الرائد لدول الخليج في هذا المجال بتصدير أول شحنة الأمونيا الزرقاء من دولة الإمارات إلى ألمانيا في شهر سبتمبر 2022. ثم تبعها تصدير شحنة مماثلة من السعودية إلى اليابان في أبريل الماضي.

وفي المحصلة،  الانتقال إلى مرحلة الاعتماد الكلي على مصادر الطاقة المتجددة والاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفورية، هو في الواقع مسألة غير قابلة للتحقيق بسرعة ودفعة واحدة. والمطلوب الاستفادة من كل مصادر الطاقة المتوافرة لتحقيق الانتقال التدريجي والمستقر إلى المتجددة والنظيفة، مع السعي لتطوير مصادر نظيفة من الوقود الأحفوري بما يحقق نوع المصالحة إذا صح التعبير بين النفط والمناخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى