محمية اليمونة في لبنان: أقدم محمية في التاريخ بأمر الإمبراطور الروماني أدريانوس

في العام 1999 صدر قانون محمية اليمونة الطبيعية. لكن الإمبراطور الروماني أدريانوس الذي بنى قلعة ضخمة فيها، جعلها محمية طبيعية في سنة 130 ميلادية تقريباً. إذ أمر بالنقش على صخورها: «أنا الإمبراطور أدریانوس أجعل منطقة اليمونة محميّة، وأمنع قطع شجر اللزاب فيها».

تعتبر اليمونة من بين أكبر المحميات في لبنان إذ تبلغ مساحتها حوالي 2100 هكتاراً. ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1450 و2000 متراً. ما يجعلها منطقة متنوعة من الناحية المناخية.

حاتم شريف

84 نبعاً و 6 أنهار

وهذا التنوع المناخي خلق تنوعاً كبيراً في الغطاء المائي والنباتي وفي الحياة البرية في محمية اليمونة. فهي تعتبر أكبر تجمع للمياه العذبة الجوفية في الشرق الأوسط. إذ تحتوي على 84 نبعاً، وأربعة أنهار دائمة الجريان ونهرين موسميين. ويقدر متوسط تدفق المياه بحوالي 110 ملايين متر مكعب سنوياً. وتروي هذا الينابيع 40 قرية وبلدة،كما يقول رئيس لجنة المحمية حاتم شريف.

إقرأ أيضاً: محمية أرز الشوف: حماية الشجر وتنمية البشر

أما الغطاء النباتي فيغطي نحو 30 في المئة من مساحتها. وتم رصد حوالي 1750 نوعاً من النباتات. من بينها أكثر من 90 نوعاً لا يوجد إلا في اليمونة. وأبرز ما تتضمنه المحمية نحو 12 نوعاً من شجر اللزاب الشهير.

ويضيف شريف أنه تم تصنيف 500 نبتة من خلال مشروع طموح بدأ تنفيذه بتمويل إسباني. ولكن المشروع توقف بسبب الأوضاع. كما يشير إلى أن خبيراً بيئيا حقق إنجازاً علمياً مهماً. تمثل باكتشاف نبتة في المحمية أثبتت فعاليتها في علاج بعض أنواع مرض السرطان.

في محمية اليمونة: نبتة تعالج السرطان، وأسماك نادرة، وآثار رومانية وبيزنطية وعربية من بينها «معبد إله الماء»

نوع نادر من السمك

وبسبب الغطاء النباتي الكثيف ومخزون المياه فيها، فإن محمية اليمونة تعتبر الموئل الطبيعي لعشرات الأنواع من الحيوانات والطيور المقيمة والمهاجرة والحشرات. ومن بينها أيضاً حيوانات لا توجد إلا فيها مثل «الوشق». كما تحتوى برك اليمونة على نوع نادر من السمك لا يوجد له مثيل تدعى السمكة الذهبية أو سمكة اليمونة.

ويكتمل جمال «لوحة اليمونة» بغناها الأثري. إذ تضم آثاراً رومانية، وبيزنطية، وعربية. من أهمها «معبد أدريانو» الذي يعود تاريخه إلى العام 134 ميلادية و«معبد إله الماء».

مشكلة المحمية مع البشر

المشكلة الكبرى التي تواجه محمية اليمونة، هي البشر الذين يعتدون على الثروة الحرجية. حيث يقطعون الأشجار لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء. ويشكو حاتم شريف من غياب الدولة تماماً وعجز وزارة البيئة كلياً عن ردع هؤلاء. ووضع حد لهذه الظاهرة التي تؤدي الى إلحاق أضرار خطيرة بالمحمية.

أما المعاناة مع «حماية» المياه في المحمية، فيعتبرها شريف أهم التحديات. ويقول أن مياه اليمونة عبارة عن ينابيع طبيعية صافية نظيفة تنبع من باطن الجبل ولا مجال للعبث فيها من المصدر. أما عند المصب فتبرز مشاكل التلوث بعد تشييد المباني قرب الينابيع. وقد بادرنا إلى إنشاء شبكة للصرف الصحي ومحطة تكرير بهدف معالجة أي تلوث أو تأثير على المياه وجودتها.

جريمة قطع الأشجار

لكن هذا المشروع يعاني كما يقول رئيس لجنة المحمية، من نقص حاد في التغذية الكهربائية لضخ المياه. ولذلك قمنا بحفر بئر جوفية وتجهيزها بمضخات خاصة لإيصال المياه إلى المنازل. وتم تنفيذ المشروع بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتتميّز مياه اليمونة بأنها صالحة للشرب وللتعبئة من دون أيّة معالجة كيميائية. وبعض البرك تبلغ حرارتها 7 درجات. وبعضها أقلّ من درجتين صيفاً وشتاء.

إقرأ أيضاً محمية حرش إهدن: رافعة للسياحة البيئية والريفية

ويطلق شريف صرخة استغاثة لأن المحمية تعاني من مشاكل التمويل الذي يصفه بالخجول. لذلك يطالب برعاية أكبر لمحمية اليمونة إسوة ببقية المحميات. ويؤكد على ضرورة تطوير بلدة اليمونة لتصبح بلدة سياحية بيئية.

لكل شجرة «أب أو أم»

يقول حاتم شريف إن المحمية تقوم بنشاطات عدة لدمج المجتمع المحلي بغية المساعدة على الحفاظ على ثرواتها البيئية. ومن أبرز هذه المبادرات والأنشطة، حملات التشجير. إذ يطلب من الشباب زراعة أشجار لقاء بدل مادي رمزي، ليندمجوا في قضايا رعاية المحمية. وتتضمن هذه الحملات زرع ورَي الأشجار والعناية بها على مدى 3 سنوات. فيعيش «كل أب أو أم» مع الشجرة ويحرص على تربيتها تماما كما يعتني الأب بأولاده. فيعطى للشجرة إسم ويعطى الشخص الذي يتكفل بها بطاقة خاصة بالشجرة.

ويؤكد شريف أن «الشجرة الطفل» تعطي إحساساً بالارتباط لدى الانسان وتعزز شعوره بالمسؤولية. وقد تم غرس 27 ألف شجرة من السنديان واللزاب والأرز والصنوبر. وتم الاسترشاد بنوعية الأشجار المزروعة بدراسات علمية من جمعيات بيئية. تؤكد قابلية الحياة للنوع المزروع تبعاً للارتفاع عن سطح البحر ولنوعية التربة ووغيرها من العوامل.

دروب المشي في محمية اليمونة

نشاط آخر تقوم به المحمية هو تنظيم مسارات للمشي. ويتم تنظيم رحلات المشي على دروب متنوعة من حيث وعورتها وطولها. ويرافق الزائر في هذه الرحلات أدلاء من أهالي البلدة تلقوا التدريب اللازم من قبل جهات دولية. حيث يقومون بعقد ندوات توعية على حماية البيئة والتنوع البيولوجي وأهمية الحفاظ على الغطاء النباتي. وعدم أذية الحشرات والحيوانات أيضاً. وتهدف دروب المشي إلى جذب الزوار من مناطق مختلفة من لبنان. والتفاعل معهم وتعريفهم على المحمية كما هي الحال في المحميات الأخرى.

مشاريع على درب الانجاز

بالنسبة للمشاريع قيد التنفيذ أو الإعداد، يقول حاتم شريف هناك العديد من المشاريع، التي تتم بتمويل من بعض الجمعيات مثل جمعية التحريج في لبنان ومنظمات دولية مثل برنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجمعية الثروة الحرجية والتنمية. وتتضمن هذه المشاريع على سبيل المثال:

  • تأهيل دروب لذوي الاحتياجات الخاصة. وتأمين الخدمات الأساسية لهم من مراحيض ومقاعد وممرات خاصة عبر مسارات المشي.
  • مراقبة ورصد الحيوانات الكائنات الحية في المحمية. حيث تم وضع كاميرات لمراقبة الزواحف والحشرات والطيور والحيوانات البرية لتوثيقها وتصنيفها.
  • إنشاء متحف بيئي لنباتات المحمية. وقد بوشر العمل به في العام 2012 بتمويل إسباني. ليكون مرجعاً علمياً للطلاب والباحثين. إلا أن التمويل توقف بعد تصنيف 500 نبتة وتعليقها على الجدران.
  • اقامة أكشاك لبيع المنتجات الغذائية المحلية قرب أبواب المحمية. ويسهم هذا المشروع بدمج المحمية مع المجتمع المحلي ودعم التنمية الريفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى