محمية شننعير في لبنان: الأصغر، والأقرب إلى البحر والقلب

محمية شننعير الطبيعية قد تكون من أصغر المحميات في لبنان، وقد تكون من أجملها. لكن المؤكد أنها الأقرب إلى البحر وإلى القلب. إذ لا تبعد سوى دقائق معدودات عن الساحل. وهي الأقرب إلى قلوب زوارها بإشراقة بساطها الأخضر، الذي ينحدر بسلاسة ليختلط بزرقة البحر. كما أنها الأقرب إلى قلوب أهلها الذين عملوا على حمايتها منذ عدة قرون بحكم ارتباطهم بها، قبل أن تصبح محمية بحكم القانون.

تمتد محمية شننعير على مساحة 27 هكتاراً، تغطي إحدى التلال السبعة المشرفة على خليج جونية. ويتراوح ارتفاعها بين 340 و 800  متراً. يحيط بها بلدات غزير، دلبتا، معراب، غوسطا، ساحل علما، كفر حباب وجونية. وكانت عبارة عن أرض مشاع لأهالي شننعير. وقد تم تصنيفها كمحمية طبيعية بموجب القانون رقم 122 لعام 2010.

وزير البيئة ناصر ياسين والسفيرة الأميركية ليزا جونسون في محمية شننعير

إقرأ أيضاً: محمية عميق في لبنان تجسيد للفرادة والتميز

تشرح مديرة المحمية ميراي مرعي ارتباط الأهالي بالطبيعة وبالمحمية، فتقول: كان هناك حياة كاملة داخل المحمية طوال القرون الماضية. حيث كانوا يأخذون من خيراتها ويحمونها ويحافظون عليها. وكان يتم تنظيم دخول الرعيان من قبل حارس المشاع أو من قبل كاهن الرعية. وكان يسمح بدخولهم في فصول معينة ويمنع في فصول أخرى للحفاظ على الأنواع الموجودة في المشاع.  كما كان يتم تنظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وأهمها في تلك الأيام صناعة الكلس والفحم.

وتضيف يوجد في المحمية أحد أهم أفران أو «مصانع» الكلس، المستخدم سابقاً في أعمال البناء والطلاء. وهو عبارة عن فرن كبير مصنوع من الحجر الطبيعي، بعمق 6 أو 7 أمتار وعرض 4 أمتار. يتم فيه طبخ الحجر الكلسي على درجة حرارة عالية. وكان مصدر دخل لكثير من سكان المنطقة. حيث كانت عائلات بأكملها تعمل فيه وتحرص على إبقاء النار مشتعلة طوال فترة طبخ الكلس. وهي تستغرق من أسبوعين الى ثلاثة أسابيع، إلى أن يتصاعد الدخان الأزرق ويتفتت الحجر ليصبح بودرة بيضاء. ويعود عمر هذا الفرن أو «الآتون» الى القرن الثامن عشر.

إقرأ أيضاً: محمية بنتاعل: لؤلؤة المحميات في لبنان

وكان يتم تنظيم الاستفادة من أشجار المشاع لصناعة الفحم. ويوجد في المحمية حتى الآن آثار واضحة لنحو 22 «بيدر» حيث كانت تقام المشاحر.

أنشطة المحمية

بيت الضيافة

حول الأنشطة التي يمكن ممارستها في المحمية تقول ميراي مرعي، هناك العديد من الأنشطة التي يمكن للزوار ممارستها. أهمها رياضة المشي في مسارات مجهزة ومتنوعة. وتوضح أنه تم في العام 2016 استحداث ثلاثة مسارات مختلفة حسب درجة صعوبتها. وتتراوح أطوالها بين 2100 متراً و 3200 متراً. وسنعمل لاستكمال المسارين الثاني والثالث، بعد أن تم تقريباً إنجاز المسار الأول بالتعاون مع جمعية كاريتاس لبنان. ويتضمن هذا المسار برجاً خشبياً يستطيع الزائر من خلاله الإطلالة  على خليج جونية والبحر بمنظر مفتوح 180 درجة. وهناك برج مماثل ضمن المسار الثاني. أما المسار الثالث وهو المسار الأعلى، فيوجد فيه بركة حجر قديمة يعود تاريخ بنائها إلى القرن التاسع عشر تقريباً. وتقول أنه يمكن للزوار وطلاب المدراس الاستعانة بمرشدين محليين لتزويدهم بمعلومات كافية عن المحمية خلال زيارتها.

دعم المجتمع المحلي

تشير مديرة محمية شننعير إلى أنه تم خلال العام الحالي تدشين «درب الرسل» بالتعاون مع رعية شننعير والمجلس الرعوي. ويقام هذا النشاط في شهر حزيران بمناسبة عيد مار بطرس وبولس، ويتم خلاله الاحتفال بالذبيحة الإلهية على أحد «البيادر». وسيستمر هذا النشاط في السنوات القادمة.

أتون (فرن) الكلس

وعن الأنشطة الأخرى توضح ميراي مرعي، أنه تم تنظيم محاضرات مختلفة للتوعية شملت الأفاعي لناحية الوقاية منها والحفاظ عليها. وشملت أيضاً الحرائق وكيفية تجنبها ومكافحتها خاصة وان المحمية محاطة بمناطق سكنية. كما تم تنظيم محاضرات عن حشرة الليمنتريا  “Lymantria dispar  أو «جادوب السنديان». كذلك نعمل على تنظيم محاضرات أخرى للمجتمع المحلي في شننعير وفي القرى المجاورة لتلافي أية مخاطر تضر بالمحمية.

وتتوقف ميراي مرعي عند نشاط تعتبره بالغ الأهمية، هو المساهمة في تنمية المجتمع المحلي. حيث تم بالتنسيق مع الأهالي وخاصة السيدات منهم، تأمين مأكولات تقليدية تقدم خلال الزيارات الجماعية للمحمية. كما تم تجهيز بيت للضيافة يتسع لأربعة أشخاص.

مشاريع التطوير

بالنسبة لمشاريع التطوير، تقول مديرة محمية شننعير: هناك العديد من المشاريع قيد التنفيذ. ومن بينها على سبيل المثال، مشروع ضخم لدراسة وتصنيف كل أنواع النباتات والحيوانات والحشرات والزواحف والطيور في المحمية. ويتم تنفيذه في إطار مشروع Step4Nature. وسيتم الاستناد إلى هذه الدراسة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

وتشير إلى أن المحمية تتمتع بغطاء نباتي كثيف من أشجار الصنوبر والسنديان. كذلك شجرة القطلب بجذعها الأحمر. وهي تنتج فاكهة حمراء لذيذة الطعم. كما تحتوي المحمية على أنواع عديدة من النباتات العطرية والطبية. وهناك أنواع كثيرة من الفطر.

ومن مشاريع التطوير المهمة تذكر مرعي، مشروع إنجاز ترميم وتأهيل فرن أو «أتون» الكلس، بالتعاون مع  Step4Nature. وهو مشروع ممول من قبل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية من خلال الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي AICS. ونفذ المشروع بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP بالتنسيق مع وزارة البيئة اللبنانية. كما يشمل المشروع ترميم ثلاثة أقبية متلاصقة، وإنشاء مركز للزوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى