هل تحسم الصين الحرب التجارية بمغناطيسات فائقة و سبعة معادن نادرة؟

ما هي قصة حظر الصين تصدير سبعة معادن نادرة، مما يهدد صناعة السيارات والتكنولوجيا وحتى الصناعات العسكرية في أميركا وأوروبا التي تواجه الإغلاق المؤقت؟. وهل يرتبط الحظر بالاستخدام المزدوج، العسكري والمدني، لهذه المعادن كما أعلنت الصين؟ أم يُصنَّف ضمن الضغوط المتبادلة في إطار صراع التعريفات الجمركية مع أميركا؟.
تُعدّ الصين مصدراً لنحو 70 في المئة من المعادن الأرضية النادرة في العالم. وتتوزع النسبة الباقية بين ميانمار وأستراليا والولايات المتحدة وبقية دول العالم . لكن الصين تحتكر نحو 90 في المئة من عمليات تكرير ومعالجة هذه المعادن. فهي تقوم بتكرير كامل إنتاجها، وإنتاج ميانمار، ونحو نصف إنتاج الولايات المتحدة.
المعادن السبعة النادرة
تتجلى هيمنة الصين بشكل أكبر في 7 أنواع من المعادن النادرة التي أوقفت أو قيدت تصديرها منذ أوائل أبريل، كما ذكر تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز». وهي: الديسبروسيوم، والغادولينيوم، واللوتيتيوم، والسماريوم، والسكانديوم، والتيربيوم، والإيتريوم.
تُستخرج هذه المعادن بشكل شبه حصري في الصين وميانمار. وهي من أصعب العناصر من حيث التكرير والمعالجة الكيميائية المعقدة. وبالنسبة للديسبروسيوم والتيربيوم، أو ما يعرف بالمعادن النادرة الثقيلة المستخدمة في المغناطيسات المقاومة للحرارة، تنتج مصافي الصين ما يصل إلى 99.9 في المئة من الإمداد العالمي.
إقرأ أيضاً: «حرب الأعماق» للفوز بمليارات الأطنان من المعادن النادرة (1 من 2)
تمتلك الصين بعضاً من أفضل الرواسب النادرة الثقيلة في العالم. وتوجد هذه الرواسب في حزام غني بشكل خاص بالخام، يقع في وادٍ بالقرب من لونغنان في جنوب وسط الصين، ويمتد إلى أقصى شمال ميانمار. وكانت عصابات الجريمة المنظمة تدير هذا الوادي حتى نهاية عام 2010، عندما اقتحمته القوات الحكومية وسيطرت على المناجم.
استخدامات مدنية وعسكرية
تُستخدم المعادن السبعة بشكل رئيسي في صناعة المغناطيسات المقاومة للحرارة. وتُعتبر هذه المغناطيسات مكوناً رئيسياً في صناعة السيارات، وأشباه الموصلات، والمواد الكيميائية للتصوير الطبي، والروبوتات، وتوربينات الرياح، ومجموعة واسعة من الأجهزة والمعدات العسكرية. فعلى سبيل المثال، يتضمن مقعد السيارة الفاخرة 12 مغناطيساً فائق القوة.
إقرأ أيضاً: إتفاقية معادن نادرة أم صفقة بيع أوكرانيا لشراء روسيا؟
وتستأثر الصين بحوالي 90 في المئة من الإمداد العالمي من هذه المغناطيسات. ويؤدي انقطاع الإمداد إلى الإغلاق المؤقت لأي مصنع، كما حدث بالفعل الشهر الماضي في مصنع شركة «فورد» لسيارات «فورد إكسبلورر».
تُنتج صناعة المغناطيس في العالم نحو 200 ألف طن سنوياً من المغناطيسات فائقة القوة التي تحتوي على الديسبروسيوم أو التيربيوم. وتُنتج 80 ألف طن إضافية دون هذه المعادن، لتُستخدم في تطبيقات أقل تطلباً، مثل مشابك الحقائب.
درس اليابان في 2010
القلق العالمي من تقييد أو حظر الصين لتصدير المعادن النادرة، يستند إلى التجربة المريرة التي شهدتها اليابان في عام 2010. حين أوقفت الصين تصدير هذه المعادن إليها لمدة شهرين بسبب نزاع حدودي.
واضطرت اليابان حينها إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير قدرات التعدين في أستراليا، وقدرات المعالجة في ماليزيا. كما اعتمدت الشركات اليابانية سياسة الاحتفاظ بمخزونات كبيرة تكفي لنحو 18 شهراً من إمدادات الديسبروسيوم في صناعة أشباه الموصلات، على سبيل المثال.
أقرأ أيضا: معضلة المعادن النادرة: إطفاء الطاقة المتجددة وإشعال الإضطرابات (1 من 2)
ويلاحظ حالياً أن شركات الإلكترونيات والسيارات بدأت باعتماد سياسة بناء المخزونات. فقد استوردت كوريا الجنوبية، مثلًا، كميات كبيرة من الديسبروسيوم من الصين خلال شهري يناير وفبراير.
أما الولايات المتحدة وأوروبا فتواجهان مشكلة أكبر في ظل تعثّر تطوير صناعة المعادن النادرة والمغناطيسات، لأسباب تتعلق بالمعايير البيئية وارتفاع التكاليف. لا سيما التكاليف المتعلقة بتوافر الكفاءات البشرية مثل المهندسين الكيميائيين. ففي حين تمتلك الصين 39 جامعة توفر تخصصات متعلقة بالمعادن الأرضية النادرة، لا تمتلك الولايات المتحدة أي جامعة تقدم هذه التخصصات.
الحل بتسوية مع الصين
حرصت الصين على تأكيد أن وقف صادرات المعادن والمغناطيسات فائقة القوة لا علاقة له بالخلاف التجاري مع أميركا. وأرجعته إلى أنها «مواد ذات استخدام مزدوج: عسكري ومدني». مشيرة إلى أن هذه المعادن تُستخدم في أنظمة توجيه الصواريخ الباليستية. وتحتوي طائرة «إف-35» مثلاً على نحو 25 رطلاً من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة. أما عنصر الإيتريوم فيستخدم في أجهزة تحديد المدى للمدفعية.
من جانبها أعلنت الولايات المتحدة، أن الدافع الحقيقي للحظر، هو الرد على قرار فرض تعريفات جمركية على الواردات من الصين. وأكدت أن التطبيقات العسكرية لا تتجاوز نسبتها 5 في المئة من سوق مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة.
ولذلك يرجّح المراقبون أن تتوصل الصين وأميركا إلى تسوية في إطار الحرب التجارية الجارية بينهما. وقد يتم توسيع نطاق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 12 مايو الماضي، لتخفيض التعريفات الجمركية المتبادلة، ليشمل المعادن النادرة.
لكن الصين ادعت أن ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة تنطبق على جميع الدول، وليس فقط على الولايات المتحدة. وهذا يعني ضمناً، أن وقف التصدير لا يُعدّ إجراءً جمركيًا مفروضاً على أميركا.
ويبدو أن الصين ستستخدم هذه المعادن للفوز بأفضل شروط ممكنة في التسوية المرتقبة. فقد أعلنت وزارة التجارة الصينية أن عمليات التصدير ستخضع للموافقة المسبقة وفقاً لضوابط محددة. ما يعني إمكانية الاستنساب في القبول أو الرفض. وقد حدث هذا بالفعل، إذ وافقت السلطات الصينية على طلبات بعض الشركات الأوروبية مثل «فولكس فاغن». لكنها رفضت طلبات شركات أوروبية وأميركية أخرى.