هل تصبح سلطنة عمان مركزاً دولياً للهيدروجين

ترسخ سلطنة عمان موقعها كمركز إقليمي ودولي لصناعة الهيدروجين. ويتم ذلك على مسارين متكاملين؛ الأول تطوير إطار تشريعي وتنظيمي وإداري حديث ومتناغم. والثاني خلق بيئة استثمارية كفيلة بجذب الاستثمارات الأجنبية. وشكل التوقيع مؤخراً على ست اتفاقيات دفعة واحدة مع مطورين دوليين لضخ استثمارات بحوالي 20 مليار مؤشراً مهماً في هذا السياق.

محطة 14 مارس 2023: توقيع 6 اتفاقيات لمشاريع هيدروجين أخضر بقيمة 20 مليار دولار

تبدأ حكاية عمان مع اقتصاد الهيدروجين من حقيقة يعرفها الكثيرون وهي أن حماية البيئة والتنوع الطبيعي، تعتبر في صلب ثقافة وتقاليد الشعب العماني، كما تعتبر في صلب القوانين والسياسات الحكومية. ولذلك جاءت استجابة السلطنة لمتطلبات الالتزام بمندرجات اتفاقيات المناخ، من كيوتو إلى باريس، تلقائية ومتصاعدة. كما جاءت متسقة مع رؤية عمان 2040 باعتبار الطاقة المتجددة مجالاً رئيسياً لخدمة هدف تنويع الاقتصاد. وشكلت التوجيهات والمراسيم السلطانية المتعلقة بالالتزام بتحقيق الحياد الكربوني في العام 2050، وتطوير الطاقة المتجددة، الرافعة لسلسلة من السياسات والخطوات التشريعية والتشريعات والإنجازات.

البداية الفعلية لمسيرة الهيدروجين في عمان، كانت في يناير 2021 مع إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لاقتصاد الهيدروجين. والتي تم الإعلان عن تفاصيلها في أكتوبر 2022. وطبعاً جاءت هذه الإستراتيجية متسقة مع السياسات العامة للطاقة للتغير المناخي.وهو ما عبر عنه وزير الطاقة والمعادن سالم بن

 

عبد العزيز الشيذاني

ناصر العوفي بقوله: «نسير بخطوات مدروسة لمواكبة التحولات العالمية في الطاقة وقضايا المناخ، تمثلت في إعلان الالتزام بالحياد الصفري الكربوني، وملامح استراتيجية الهيدروجين الأخضر، ومراجعة الأطر التنظيمية والقانونية وإعداد السياسات اللازمة للمضي في مشاريع وخطط التحول إلى الطاقة الخضراء”.

ويجدر التوقف في هذا السياق عند تفرد التجربة العمانية بحالة من من التناغم والتكامل بين الطاقة المتجددة الطاقة والطاقة الأحفورية. سواء على صعيد السياسات والمقاربات، أم على صعيد الأجهزة والمؤسسات . فوزارة الطاقة والمعادن تعتبر المظلة الجامعة لكلا النشاطين، وشركة تنمية طاقة عمان التي يتركز جزء من نشاطها في النفط والغاز، تمتلك شركة هيدروجين عمان. وهذه المقاربة العمانية تقدم نموذجاً في التحول الصحيح والسلس نحو الطاقة المتجددة، بدل المقاربة التي تروج لها بعض الدول والجهات، والقائمة على تدمير الطاقة الأحفورية كشرط لتطوير الطاقة المتجددة.

مركز دولي للهيدروجين

من أبرز أهداف استراتيجية الهيدروجين، تعظيم الفرص التجارية والشراكات في إنتاج وتصدير الهيدروجين، وتحديد الأدوار والمسؤوليات بين الجهات المختلفة. ورفع القدرة التنافسية في جذب الاستثمارات من خلال خلق بيئة تنظمية وقانونية وإدارية  ملائمة، واعتماد إجراءات ميسرة وشفافة وفعالة لتخصيص الأراضي ومناطق الامتياز للمشروعات وتقديم الحوافز والتسهيلات.

وللوصول إلى هذا الهدف، تم التركيز على استكمال الأطر التنظيمية والتشريعية والسياسات اللازمة لتطوير قطاع الهيدروجين وتخصيص الأراضي المناسبة للمشاريع. فتم تشكيل فريق متجانس لتوحيد جهود مشاريع الطاقة المتجددة برئاسة وزارة الطاقة والمعادن وعضوية عدد من الجهات ذات العلاقة.

تعتبر سلطنة عمان في طليعة الدول العربية في مشاريع الهيدروجين الأخضر والأمونيا، بعد مصر

وهناك محطات مهمة يجدر التوقف عندها، أهمها:

  • شراكة القطاعين العام والخاص

بادرت وزارة الطاقة والمعادن، في أغسطس 2021، إلى وضع آلية تنفيذية لسياسة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تمثلت بدعم تأسيس تحالف وطني للهيدروجين الأخضر عرف باسم «هاي فلاي». وضم التحالف 13 مؤسسة رئيسية حكومية وخاصة، وحدد هدفه بتطوير صناعة الهيدروجين على مستويات التصنيع والنقل والتصدير بما يدعم وضع السلطنة على الخريطة العالمية لطاقة الهيدروجين.

مازن بن راشد اللمكي
  • شركة «هايدروم»

استكمالاً لمسار بناء الإطار التنظيمي والإداري قامت شركة تنمية طاقة عمان بتأسيس شركة هيدروجين عمان «هايدروم». وتهدف كما قال مازن اللمكي الرئيس التنفيذي لـ «تنمية طاقة عمان» إلى تسريع جهود تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر في السلطنة. وهو ما اكده فراس بن علي العبدواني القائم بأعمال المدير التنفيذي لشركة هايدروم بقوله: تتطلع الشركة إلى العمل مع الشركاء الدوليين للمساهمة في بناء مستقبل الطاقة وتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر. مع التركيز على جذب وتمكين مشاريع تنافسية كبرى بما يلبي احتياجات السوق المحلية والعالمية.

 مديرية عام للطاقة المتجددة: تم استحداث مديرية عامة تُعنى بالطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في وزارة الطاقة والمعادن بعد تغيير مسماها في العام 2020 الذي كان وزارة النفط والغاز. كما تم إنشاء مختبرات خاصة لإدارة الكربون. بالاضافة إلى تأسيس مركز الاستدامة الذي يتولى متابعة تنفيذ الالتزامات القطاعية وتوحيد وتنسيق الجهود.

  • تخصيص الأراضي

شهدت استراتيجية تطوير اقتصاد الهيدروجين دفعة قوية في شهر مارس 2022، بصدور التوجيه السامي للسلطان هيثم بن طارق، بالعمل على تسريع إجراءات تنظيم قطاع الهيدروجين الأخضر، وتم استكمال هذا المسار بصدور المرسوم السلطاني رقم 10/2023 القاضي بتخصيص أراض لأغراض مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر . كما رسم الاختصاصات والأدوار بين وزارة الطاقة والمعادن ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني وشركة هيدروجين عمان والمستثمرين، بالإضافة إلى التأكيد على مبادئ التنافس وتكافؤ الفرص الاستثمارية في قطاع الهيدروجين، كما حدد آلية التخصيص والتعاقد للفرص الاستثمارية بما يعزز الثقة لدى المستثمرين.

تتميز التجربة العمانية بالتكامل بين الطاقة المتجددة والطاقة الأحفورية، على صعيدي السياسات والأجهزة والمؤسسات

وتمت ترجمة التوجيهات السلطانية كما كشف مدير عام الطاقة المتجددة والهيدروجين في وزارة الطاقة والمعادن عبد العزيز بن سعد الشيذاني بتحديد 3 مناطق للاستثمار في محافظتي الوسطى وظفار على مساحة تبلغ نحو 50 ألف كيلومتر مربع. وهي مساحة ضخمة للغاية، إذ يكفي استغلال 30 في المئة منها لإنتاج 8 ملايين طن من الهيدروجين سنوياً، وهو الرقم المستهدف تحقيقه في العام 2050.

مشاريع بمليارات الدولارات

د. فراس بن علي العبدواني

شكل يوم 14 مارس 2023 محطة مهمة في مسيرة الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان حيت وقّعت شركة هيدروجين عُمان  «هايدروم» على 6 اتفاقيات لإقامة مشاريع لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، عدة شركات عالمية إقليمية وعالمية. وتقدر قيمة استثمارات هذه المشاريع بحوالي 20 مليار دولار.

وتم تحديد هذه المشاريع استناداً إلى دراسة أعدتها وزارة الطاقة والمعادن مع شركائها، لأسواق الهيدروجين في العالم وفق سيناريوهات الطلب التي تصدرها الجهات العالمية المعنية، واستناداً إلى دراسات مقارنة للأسواق المستهدفة في أوروبا التي تقدر حاجتها السنوية بحوالي 10 ملايين طن، وكذلك أسواق آسيا وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية. وخلصت الدراسة إلى وضع هدف مرحلي لانتاج مليون طن من الهيدروجين سنوياً بحلول العام 2030، على يرتفع تدريجياً ليصل إلى 8 ملايين طن. وتم اعتماد خطة مع برنامج زمني تفصيلي لتعيين فرص الاستثمار وطرحها في مزايدات عالمية.

وقادت الجهات العمانية المعنية من وزارة الطاقة والمعادن ووزارة الخارجية وجهاز الاستثمار العماني والهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وطبعاً شركتي تنمية طاقة عمان وهيدروجين عمان حملة منسقة لترويج هذه الفرص واستقطاب المستثمرين.

توقيع اتفاقيات مشاريع الهيدروجين الأخضر

وتنص الخطة على إطلاق جولة ثانية من مشاريع الهيدروجين خلال العام الحالي على ان يتم في يوليو المقبل تحليل واعتماد طلبات التأهيل، ومن ثم تقديم عروض الاستثمار وتقييمها ليجري توقيع العقود في ديسمبر 2023.

وشملت الاتفاقيات الموقعة مطورين من 9 دول من بينها السعودية، بلجيكا، المملكة المتحدة، اليابان، سنغافورة، ألمانيا، الهند، الكويت، ودولة الإمارات. وتنص الاتفاقيات على التعاقد لمدة 47 عاماً، من بينها 7 سنوات للتطوير والإنشاء، 40 عاماً للتشغيل. وتبلغ الطاقة الإنتاجية لهذه المشروعات 15 غيغاواط من الكهرباء، وتمتد على مساحات تصل إلى 1500 كيلو متر مربع. وهذه المشاريع هي:

  1. مشروع عُمان للطاقة الخضراء “جي إي أو” (GEO) في محافظة الوسطى، وهو مشروع مشترك مع شركة «إنتركونتينتال إنرجي» InterContinental Energy، وشركة «إنرتك» EnerTech. وسيقوم بأنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، وتبلغ طاقته 25 جيغاواط من طاقة الشمس والرياح.
  2. مشروع هايبورت ويقع في منطقة الدقم، وهو مشروع مشترك مع شركة «ديمي» DEME البلجيكية و «يونيبر» Uniper. وتبلغ طاقة المشروع 3.1 جيغاوط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
  3. مشروع «إتش 2 عمان » H2Oman وهو مشروع مشترك مع شركتي «أكوا باور» ACWA Power و«أير برودكتس» Air Products. ويقع في المنطقة الحرة بصلالة. ويتضمن المشروع إقامة منشأة ثانية لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضـراء، ويينتج حوالي 8.3 جيغاواط من طاقة الرياح والشمس .
  4. مشروع صلالة «إتش 2» H2، وهو مشروع مشترك مع شركة «ماروبيني» Marubeni اليابانية، وشركة «ليندي» Linde الألمانية، وشركة دبي للنقليات «دتكو»، ويقع أيضاً في المنطقة الحرة بصلالة. وتبلغ طاقة المشروع 3.1 جيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

«هاي فلاي»: تحالف وطني للهيدروجين يكرس الشراكة بين القطاعين العام والخاص

ويتوقع أن تبدأ باكورة إنتاج الهيدروجين الأخضر في العام 2028 لاستخدامه في الصناعات المحلية أو التصدير. وتأتي سلطنة عمان في طليعة الدول العربية المنتجة للهيدروجين بعد مصر، بنحو 11 مشروعاً للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وفق تقرير منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك”. وهو الأمر الذي يفتح المجال أمام السلطنة لتلعب دور مركز إقليمي ودولي في اقتصاد  الهيدروجين، مستفيدة من مزايا تنافسية كثيرة مثل مناخ الاستقرار السياسي والبيئة الاستثمارية الملائمة، والموقع الجغرافي، والبنية التحتية الحديثة والإمكانيات الطبيعية.

زر الذهاب إلى الأعلى