بايدن يغدق الوعود على افريقيا
والنويس وأبونيان يولدان الكهرباء

أن تصبح الصين أهم من أميركا في أفريقيا، فهو أمر مفهوم وربما بديهي، ولكن أن تصبح شركتين سعودية وإماراتية أكثر أهمية من أميركا في مجال الطاقة المتجددة، فتلك من “علامات الساعة” على التراجع الكارثي في مصداقية أميركا وفي قدرتها أو الأصح رغبتها ؤتحمل مسؤوليتها كدولة عظمى.

والمقارنة بين دور أميركا وشركة خليجية في مجال الطاقة المتجددة في أفريقيا، ليس للتندر بل للاضاءة على مسألتين هما:

  • الدور المتنامي للاستثمار الخليجي الخاص، في إطار من التناغم والدعم المتبادل مع السياسة الخارجية للدول الخليجية. وليتحول تدريجياً ليكون رديفاً، لكي لا نقول بديلاً، عن العون الإنمائي الذي تم اعتماده سابقاً، والذي كان قسماً كبيراً منه يذهب إلى جيوب المسؤولين الفاسدين أو يصرف على مشاريع ليست ذات أولوية… وذلك موضوع مهم يحتاج إلى بحث منفصل.
  • محاولة أميركا تعويض تنصلها من مسؤولياتها كدولة عظمى، باستعراضات سياسية ـ إعلامية كان آخرها القمة الأفريقية ـ الأميركية في نوفمبر الماضي، التي حفلت بإطلاق وعود مكررة منذ أيام أوباما لتطوير قطاع الطاقة في أفريقيا، والتي حفلت بقدر كبير من تمويه الحقائق لكي لا نقول التضليل.

أرقام الاستثمار الخليجي

لنوضخ الصورة بالأرقام والمعطيات. فشركة “إيميا باور” التي يرأس مجلس إدارتها المستثمر الإماراتي حسين النويس، لديها حاليا 23 مشروعاً للطاقة المتجددة في 15 دولة أفريقية، بطاقة انتاجية مجمعة تبلغ حوالي 5630 ميغاواط، وباستثمارات تقارب 6 مليارات دولار.  ولديها أيضاً مشاريع أخرى في مرحلة الدراسة في 18 دولة أفريقية. والشركة بدأت نشاطها فعلياً في العام 2020، بمشروع “مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية” في توغو، وأنجزته خلال 14 شهراً. ثم قامت بزيادة طاقته الانتاجية لتصل إلى 70 ميغاواط.

أما شركة “أكوا باور” التي يرأس مجلس إدارتها المستثمر السعودي محمد أبو نيان، فهي تعتبر من أبرز شركات الطاقة في العالم، بمحفظة أصول تتجاوز 68 مليار دولار، وتنتج حوالي 44.6 جيغاواط من الطاقة، من بينها 39.3 في المئة طاقة متجددة. ومع أن نشاطها يتركز في دول الخليج وبعض الدول الآسيوية، فلديها في أفريقيا 12 مشروعاً للطاقة المتجددة تبلغ طاقتها الانتاجية الإجمالية حوالي 2335 ميغاواط.

الخلاصة: شركتان خليجيتان لديهما 35 مشروعاً للطاقة المتجددة في أفريقيا، بطاقة انتاجية تقارب 8000 ميغاواط.

… وأوهام المساعدات الأميركية

يمكن القول بقدر قليل من التحفظ، أن أميركا تمارس في مقاربة قضية الطاقة في أفريقيا نوعاً من التضليل وإطلاق الوعود الزائفة. فهي أعلنت في خطابات الرئيسين أوباما وبايدن وبنصوص واضحة على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية عن إنشاء مشاريع يقدر إجمالي طاقتها الانتاجية بحوالي 12.5 ألف ميغاواط منذ العام 2013 بعد زيارة الرئيس أوباما لأفريقيا.

وبمعزل عن ضآلة حجم الطاقة الانتاجية “المنسوبة” إلى دولة عظمى على مدى تسع سنوات، مقارنة بحجم مشاريع شركة صغيرة مثل “إيميا باور” خلال عامين فقط، فأن التدقيق قليلاً في المعطيات والأرقام يكشف الحقائق التالية:

أولا: أميركا لم تمول إنشاء هذه المشاريع بل “دعمت” إنشائها من خلال مبادرة “طاقة أفريقيا” Power Africa التي تم إطلاقها في العام 2013. وهذه المبادرة كما يتم تعريفها في الموقع الرسمي لـ USAID هي: “شراكة تقودها حكومة الولايات المتحدة لتسخير الموارد الجماعية لأكثر من 170 هيئة ومؤسسة وشركة حكومية وخاصة لتعزيز الحصول على الكهرباء في أفريقيا جنوب الصحراء”.

وهذا الإنجاز الكبير كان قد وعد به الرئيس أوباما في القمة الأفريقية ـ الأميركية التي عقدت بين 4- 6 أغسطس 2014 ” على وقع تصفيق قادة أفريقيا” كما جاء حرفياً في “مستند حقائق” منشور على موقع وزارة الخارجية الأميركية.

ولكن التصفيق توقف بعد ان تبين للقادة الأفارقة زيف هذه التعهدات والإنجازات، وانها عبارة عن عملية تجميع حسابية ومفتعلة، إما لمساهمات مؤسسات وهيئات أميركية ودولية إنشئت أصلاً لتمويل التنمية في الدول الفقيرة، وإما لشركات خاصة يتركز نشاطها الاستثماري في مجالات الطاقة والطاقة والمتجددة. وحتى لو افترضنا ان الإدارات الأميركية ضغطت على مسؤولي هذه الهيئات والمؤسسات للمساهمة في تمويل مشاريع في افريقيا، فإن هذه المساهمات تكون عادة بنسب متواضعة من إجمالي استثمارات أي مشروع، ولا يجوز بالتالي ان تنسبها أميركا لها، خاصة وان غالبية الهيئات المعنية هي مؤسسات دولية وليست أميركية.

وعود وتعهدات لا تنفذ

ثانياً: إطلقت أميركا سيلاً من الوعود بتخصيص مبالغ طائلة لتمويل الطاقة في افريقيا من بينها 12 مليار دولار التزم بها الرئيس أوباما في القمة الأفريقية ـ الأميركية الأولى مع التزام آخر بتقديم 14 مليار دولار من شركات كوكاكولا، ماريوت، جنرال إلكتريك وبلاكستون الخ.. ولكن هذه الألتزامات لم تظل حبراً على ورق وحسب، بل يقول الكاتب الأميركي فيليم كاين ان “القادة الأفارقة شعروا انه تم خداعهم، وذلك بعدما خفضت إدارة أوباما المساعدات الخارجية لدولهم”.

ثالثاً: تواصل إطلاق الوعود لتمويل الطاقة المتجددة، مع الرئيس بايدن في القمة الأفريقية ـ الأميركية الثانية، ولكن بقدر أكبر من “الرزانة والواقعية”. فبمعزل عن مبلغ الـ 55 مليار دولار الذي تعهد بتقديمه للدول الأفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة، فإن وزارة الخارجية أعنلت في “مستند حقائق” منشور على موقعها الرسمي بتاريخ 13 ديسمبر 2022 ما يلي: “تستثمر إدارة بايدن- هاريس أو تخطط لاستثمار 1.1 مليار دولار لدعم جهود إفريقيا للحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة. ولكن المستند يشير إلى ان هذا المبلغ “يشمل الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية في إطار مبادرة الشراكة من أجل الاستثمار في البنية التحتية العالمية”، والتي أطلقتها أميركا ومجموع الدول السبع، لمواجهة المبادرة الصينية “الحزام والطريق”.

أما حصة الطاقة المتجددة في خطط “إدارة بايدن ـ هاريس” فلم تتجاوز 193 مليون دولار، مع وعدد بتوفير 100 مليون دولار أخرى في السنة المالية 2023، ومرة ثانية من خلال “مبادرة طاقة افريقيا”، كما جاء في “مستند الحقائق”.

ويمكن الإطلاع على المبادرات التي ستقوم “إدارة بايدن ـ هاريس” بتمويلها، على موقع وزارة الخارجية، توفيراً للحبر، لأنها غير جديرة بالذكر. فهي تتعلق مثلاً بقرض قيمته 25 مليون دولار لإنشاء محطة طاقة شمسية في ملاوي، ومنحة بقيمة مليون دولار للمساهمة بإنشاء محطة لطاقة الكتلة الحيوية في ساحل العاج، ومساعدة بقيمة 850 ألف دولار لدعم دراسة إنشاء محطة كهرومائية في سيراليون الخ… أو مبادرات أخرى أقرب إلى “تركيب الطرابيش”، مثال قيام الشبكة الأمريكية – الأفريقية للطاقة النظيفة، “بتسهيل” صفقات تصل إلى 350 مليون دولار في غضون خمس سنوات.

لا استثمارات أميركية ولا حتى ديون

يبقى السؤال المهم: كيف سيقنع الرئيس الأميركي القادة الأفارقة الذين لم يقبل الاجتماع بهم، بجدية بلاده في دعم مشاريع الطاقة في بلدانهم، وهم يعرفون أنه من أصل 8.2 ترليون دولار تم استثمارها في الطاقة المتجددة عالمياً حتى العام 2020 ، لم تتجاوز حصة افريقيا 2 في المئة، رغم الإمكانات الضخمة التي تمتلكها ورغم الحاجة الأكثر ضخامة، والتي تقدرها وكالة الطاقة الدولية بحوالي 200 مليار دولار سنوياَ حتى العام 2030.

وحتى الاستثمارات التي تدفقت فعلاً إلى قطاع الطاقة المتجددة الأفريقي خلال الفترة 2010 – 2020 وقيمتها حوالي 55 مليار دولار، فقد تركزت في عدد محدود من الدول لم يتجاوز 14 دولة من أصل 55 بلدا. واستأثرت جنوب أفريقيا وكينيا والمغرب ومصر بأكثر من 75 في المئة من هذه الاستثمارات كما ذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “أيرينا”. وهذا دليل إضافي على أهمية مشاريع شركة “إيميا باور” التي تتوزع على مختلف الدول الأفريقية.

ومرة ثانية، كيف سيقنع الرئيس بايدن، قادة الدول الأفريقية بأن يواصلوا التصفيق له، وليس لحسين النويس او لمحمد أبو نيان، وهم يعرفون أن معظم مشاريع الطاقة المتجددة في بلدانهم تم تمويلها من قبل دول ومؤسسات دولية على شكل ديون وليس على شكل استثمارات خاصة. وان اميركا لا تظهر ضمن أكبر 10 جهات مانحة خلال الفترة 2010- 2019. وطبعاً تأتي في مقدمة هذه الجهات؛ الصين تليها فرنسا وألمانيا وبريطانيا ومن ثم بنوك التنمية مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وبنك ريادة الأعمال الهولندي الخ.. كما يذكر تقرير لمنظمة التعاون الأقتصادي والتنمية.

الخلاصة: أميركا بقضها وقضيضها، ساهمت ودعمت إنشاء مشاريع تبلغ طاقتها الانتاجية 12.5 ألف ميغاواط خلال تسع سنوات تم تموليها من قبل 170 هيئة ومؤسسة أميركية ودولية من خلال “مبادرة طاقة أفريقيا”. ولا نستبعد ان تكون “جردة حساب” الرئيس بايدن، تتضمن بعض مشاريع “إيميا باور” التي نجحت بالحصول على تمويل من مؤسسات دولية تتضمنها قائمة “مبادرة طاقة أفريقيا”

وما على الشعوب الأفريقية إلا انتظار زيارة الرئيس بايدن المرتقبة “للتكفير عن الخطيئة الأميركية  تجاه الأفارقة” كما قال، وللتنعم بطاقته الإيجابية بدل الطاقة الكهربائية.

نشر في موقع “أساس ميديا” بتاريخ 20/12/2022

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى