المناخ والطاقة في 2022: إنجازات كبرى وإخفاقات أكبر

 يمكن وصف العام 2022 بعام المتناقضات في مقاربة قضية التغير المناخي والطاقة المتجددة، إذ شهد تحقيق انجازات كبيرة مقابل انتكاسات وإخفاقات أكبر.

الإخفاقات واضحة، تؤكدها سلسلة كوارث الفيضانات وحرائق الغابات وموجات الحرارة غير المسبوقة ارتفاعاً وانخفاضاً. كما يؤكدها ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بدل انخفاضها، ولتسجل في العام الماضي رقماً قياسياً، قدره 58 جيغا طن. يضاف إلى ذلك انتكاس جهود التحول إلى الطاقة النظيفة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وعودة العديد الدول الإوروبية إلى استخدام الفحم والتوسع بمشاريع الطاقة الأحفورية ومرافق تسييل الغاز.

بالمقابل، شهد العام العديد من الإنجازات خاصة على صعيد ارتفاع الاستثمارات في الطاقة المتجددة سواء على مستوى المشاريع الجديدة، أم على مستوى تطوير التقنيات المستخدمة في انتاج الطاقة المتجددة وطاقة الهيدروجين ما يؤدي إلى زيادة الانتاجية وتخفيض التكلفة.

ونستعرض في ما يلي ما نعتبره محطات رئيسية ومفصلية في مسيرة مواجهة تحديات التغير المناخي وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة:

  1. الاندماج النووي يعتبر الخامس من ديسمبر لعام 2022، يوم مفصلي في تاريخ البشرية، حين تم تمكن علماء الفيزياء في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا من تحقيق حلم الاندماج النووي وزيادة صافي الطاقة المنتجة عن المستخدمة. ويأتي هذا الإنجاز بعد مئات التجارب الفاشلة التي بدأت في خمسينيات من القرن الماضي.

ومع أن الخبراء يقدرون أن هذه التقنية ربما تحتاج إلى سنوات طويلة قبل اعتمادها على نطاق واسع لتوليد الطاقة، لكن المؤكد انها ستحدث انقلاباً مدوياً في مصادر الطاقة يطيح بالوقود الأحفوري وبالطاقة المتجددة بما فيها الهيدروجين كما يعيد رسم خريطة الجغرافية السياسية في العالم. فالطاقة الناجمة عن الاندماج النووي خالية من الكربون مع نفايات مشعة بمستويات مقبولة، والأهم أنها غير محدودة ومتجددة وتشبه الطريقة التي تنتج بها النجوم مثل الشمس طاقتها.

وزير الخارجية المصري سامح شكري يعلن الاتفاق على انشاء الصندوق
  1. صندوق الأضرار والخسائر

أقر مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ في دورته السابعة والعشرين “كوب 27″، في اللحظة الأخيرة قبل إعلان فشل المؤتمر، اتفاق تاريخي لإنشاء “صندوق الخسائر والأضرار” لمساعدة البلدان النامية المتأثرة بتغير المناخ، وهو ما كانت تطالب به الدول النامية منذ سنوات طويلة. واحتاجت المداولات بشأن الصندوق تمديد أعمال المؤتمر لمدة يومين إضافيين، للتوصل إلى حلول وسط بين الدول النامية والغنية بشأن مسألة تمويل.

وتقرر عقد الاجتماع الأول للصندوق قبل نهاية مارس 2023، كما تم التوافق على إنشاء لجنة انتقالية، لتقديم توصيات حول كيفية تفعيل آليات التمويل الجديدة، وتحديد المسؤولين عنها، ليتم في النهاية تفعيل عمل الصندوق في COP28، المقرر انعقاده في الإمارات العربية المتحدة، العام المقبل.

وشهد مؤتمر كوب 27، إقرار تفعيل آلية “شراكة الانتقال العادل للطاقة”، التهادفة إلى مساعدة الاقتصادات الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على الفحم في الابتعاد عن الوقود الأحفوري.

  1. القانون الأميركي لخفض التضخم

تمكنت الإدارة الديمقراطية من عكس الاتجاه الذي كرسته إدارة ترامب في التنكر لجهود مكافحة التغير المناخي، فأقر الكونغرس في شهر أغسطس قانون “خفض التضخم”، الذي يتم بموجبه تخصيص نحو 374 مليار دولار للإنفاق على المناخ. ويهدف القانون الذي يعتبر أكبر حزمة للاستثمار المناخي في الولايات المتحدة، إلى تشجيع التحول إلى الطاقة المتجددة وبناء التقنيات الخضراء، ودعم تبني المستهلكين للمنتجات الصديقة للبيئة. ويشتمل على برنامج للحد من انبعاثات الميثان، وتخصيص 135 مليار دولار من الإعفاءات الضريبية للطاقة النظيفة، و 60 مليار دولار لمساعدة المجتمعات المتأثرة بالتلوث البيئي. ويتوقع ان يسهم القانون في تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحوالي 4 مليارات طن.

الرئيس جو بايدن يوقع قانون خفض التضخم
  1. آلية الكربون الأوروبية

توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تاريخي لإنشاء “آلية تعديل حدود الكربون”، وهي ضريبة انبعاثات على بعض الواردات تهدف إلى حماية الصناعات الأوروبية كثيفة الكربون التي تُجبر على الامتثال للقواعد الصارمة في المنطقة بشكل متزايد. وبمجرد دخول الآلية حيز التنفيذ، ستكون هناك تكاليف إضافية مفروضة على البضائع المستوردة من بلدان لا تتوافق مع قيود “الاتحاد الأوروبي” بشأن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.

وشهد العام 2022 خطوة بارزة منفصلة، تكمن في أكبر إصلاح لسوق الكربون في الاتحاد الأوروبي، الذي يمتد ليشمل النقل البري، والشحن، والتدفئة، وسيؤدي التوسع في هذه السياسة إلى تسريع وتيرة مطالبة منتجي الطاقة لمصانع الصلب بخفض التلوث. كما وفّرت الاتفاقية اليقين للشركات والمستثمرين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكربون الأوروبية إلى مستوى قياسي خلال العام.

  1. معاهدة الأمم المتحدة للبلاستيك

اتخذت الجمعية العامة للأمم المحدة في شهر مارس قرارا تاريخياً لإنهاء التلوث البلاستيكي وصياغة اتفاقية دولية ملزمة قانونًا تتناول دورة الحياة الكاملة للنفايات البلاستيكية بحلول العام 2024. وجاء القرار بإجماع ممثلي 160 دولة، بعد مفاوضات شاقة وخلافات بين دول تريد إقرار معاهدة تستند إلى تدابير عالمية إلزامية، ودول تريد بدلاً من ذلك تعهدات قطرية.

  1. صندوق التنوع البيولوجي

انسحب التوافق الحاصل في مؤتمر “كوب 27” بشأن التمويل على مسألة التنوع البيولوجي. فقد حقق المفاوضون في مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي “كوب 15” الذي انعقد في مونتريال ـ كندا ، خرقاً مفاجئاً تمثل بأتفاق 195 دولة على إنشاء صندوق جديد للتنوع البيولوجي، مع تعهد الدول الغنية بدفع نحو 30 مليار دولار سنوياً حتى العام 2030 للدول الفقيرة. كما تعهدت كافة الدول المشاركة بحماية واستعادة 30 في المئة على الأقل من الأراضي والمياه بحلول عام 2030.

  1. مخاطر غاز الميثان

شهد العام 2022 أنضمام المزيد من الدول لاتعهد العالمي الموقع في مؤتمر “كوب 26” لخفض انبعاثات غاز الميثان. وبلغ عدد الدول الموقعة على التعهد 150 دولة. كما تعهدت الولايات المتحدة بفرض قواعد أقوى لإلزام شركات الطاقة ببذل المزيد من الجهد لكبح انبعاثات هذا غاز.  ومعروف ان غاز الميثان، شديد التأثير على الاحتباس الحراري ويفوق تأثيره ثاني أكسيد الكربون بنحو 80 مرة.  وهو ينجم بشكل رئيسي عن آبار النفط والغاز ومناجم الفحم ومطامر النفايات والثروة الحيوانية.

الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا
  1. دعم شعبي وسياسي

تميزت الفترة الأولى من العام وقبل توسع الحرب الروسية الأوكرانية، بظهور توجه شعبي مؤيد للمناخ والبيئة في غالبية دول العالم. ما شكل ضغطاً إضافياً على الحكومات لوضع خطط وبرامج قابلة للتنفيذ والتعهد بالوفاء بالتزاماتها. وتجلى ذلك بشكل واضح في انتخابات البرازيل وأستراليا. ففي البرازيل، فاز لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بالرئاسة، وساهم موقفه القوي المؤيد للبيئة ولحماية غابات غابات الأمازون المطيرة في فوزه. وكانت هذه الغابات قد تعرضت خلال فترة رئاسة بولسونارو لأضرار لا يمكن إصلاحها حيث إزيل منها حوالي 34 ألف كيلومتر مربع (أكبر من مساحة بلجيكا ).

وفي أستراليا كان تغير المناخ أحد أكثر القضايا أهمية خلال الانتخابات في مايو الماضي، وقلب الموازين لصالح تحالف بين حزب العمال وحزب الخضر والمرشحين المستقلين المهتمين بالمناخ. وكانت “انتخابات التغير المناخي التي أنهت تسع سنوات من حكم “نظام الفحم والوقود الإحفوري” كما وصفها بن أوكويست، المدير التنفيذي لمركز أبحاث AUSTRALIA INSTITUTE. وقد أقر حزب العمال مشروع قانون لوضع للوفاء بالتزام أستراليا خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 43 في المائة عن مستويات عام 2005 بحلول عام 2030.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى