أيميا باور: ريادة الطاقة المتجددة
تشكل تجربة شركة «أيميا باور» الإماراتية مثالاَ على النمو السريع لصناعة الطاقة المتجددة في المنطقة، كما تشكل نموذجاً لريادة رجال الأعمال العرب. فالشركة التي نفذت مشروعها الأول في توغو العام 2021، أنهت العام 2022 بمحفظة مشاريع تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار في 20 دولة أسيوية وأفريقية، موزعة على 27 مشروعاً منجزاً وقيد الانجاز أو في مرحلة متقدمة من التطوير.
لم يكن مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية في توغو، هي المحطة التي انطلق منها قطار شركة «أيميا باور» وحسب، بل كان المشروع الذي عكس رؤية وشخصية مؤسسها رجل الأعمال الإماراتي حسين جاسم النويس رئيس «مجموعة النويس للاستثمار»، الذي التقطت «رادارته» الاستثمارية اتجاهات الأعمال مبكراً. فقرر تفعيل «أيميا باور» التي أسسها في العام 2016 وكانت الخطوة الأولى تغيير نموذج عملها تماشياً مع «تغير اتجاهات الأعمال في العالم نحو الطاقة المتجددة، فحولنا تركيزنا إلى الطاقة النظيفة وبدأنا العمل في محطات الطاقة الشمسية»، كما يقول. وأرفق ذلك بتخصيص جزء كبير من وقته وجهده لإنجاحها وتثبيت موقعها في السوق، ووصل الأمر الى حد التفرغ تقريباً لإدارتها في ظل إطمئنانه إلى سير العمل في بقية شركات المجموعة.
وضع حسين النويس «أيميا باور» خلال فترة خمسة أعوام في مصاف الشركات الدولية في ميدان الطاقة النظيفة
توغو تفتح أبواب أفريقيا
وشكل النجاح في إنجاز مجمع توغو خلال 14 شهراً وتسليمه قبل الوقت المحدد، رغم الإغلاق وتعطل سلاسل الإمداد بسبب جائحة كورونا، دفعة قوية للشركة. وفي العام 2022 قامت «أيميا باور » بتوسعة المحطة لزيادة طاقتها الانتاجية إلى 70 ميغاواط، بتكلفة 25 مليون دولار. ويقول النويس «اعتبرنا المشروع تحدياً لإثبات قدرة وإمكانيات «أيميا باور»، وأعطى هذا الإنجاز الاستثنائي زخماً كبيراً للشركة عاكساً صورة جيدة عنها».
وذلك ما حدث فعلاً، فقد فتح المشروع أبواب أفريقيا أمام الشركة على ثلاثة مستويات: الأول؛ خلق قناعة لدى كبار المسؤولين وقادة الدول الأفريقية بجدوى الطاقة النظيفة وبجدية ومصداقية شركة «أيميا باور». والثاني ترسيخ ثقة مؤسسات التمويل الدولية بالشركة والتعاون معها. وثالثاً تنفيذ رؤية الشركة بتركيز أنشطتها في القارة الأفريقية.
وهكذا انهالت المشاريع على الشركة، ويلاحظ منذ ذلك الحين، أنه يكاد لا يمر شهر إلا وتطالعنا وسائل الإعلام بخبر إغلاق مالي لمشروع أو توقيع اتفاقية لتأسيس مشروع آخر. وتعمل «أيميا باور» حالياً على تنفيذ مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر في 20 دولة أفريقية وأسيوية، وهناك مشاريع أخرى في مرحلة الدراسة الأولية في 27 دولة.
وهكذا نجح حسين النويس بوضع شركة «أيميا باور» خلال فترة قياسية لم تتجاوز خمسة أعوام، في طليعة الشركات الإقليمية وفي مصاف الشركات الدولية العاملة في ميدان الطاقة النظيفة.
لماذا أفريقيا ؟
أفريقيا هي بلاد الفرص المجدية، كما هي بلاد المخاطر العالية… وليكون الضلع الثالث في معادلة النجاح هو وجود المستثمر القادر على تعظيم الجدوى وتقليص المخاطر. وذلك ما توفر لشركة «أيميا باور» بقيادة حسين النويس، المستثمر المؤمن فعلاً بمسؤولية القطاع الخاص في التنمية. وهو ما يؤكده بقوله: «أهم ما يميز «أيميا باور» هو اعتمادها على خطط استثمارية متوازنة مقرونة بسياسات مدروسة لإدارة المخاطر، مع قدر كاف من المرونة للتعامل مع التقلبات».
تحديات التمويل..
وتتوافق رؤية النويس للاستثمار ومخاطره في أفريقيا مع رؤية وكالة الطاقة الدولية التي تشير في أحد تقاريرها إلى أن «أفريقيا تعاني من أدنى مستويات استخدام الفرد للطاقة في العالم»، وتتوقع تزايد الطلب على الطاقة الحديثة بمقدار الثلث بين عامي 2020 و2030. ويضيف التقرير أن المشكلة تكمن في نظرة المستثمرين إلى القارة السمراء بوصفها محفوفة بالمخاطر». ولكن النويس يقول ذلك ويضيف: «يشعر الأشخاص بالقلق من مخاطر الاستثمار في أفريقيا، لكننا نعتقد أن الأماكن التي تتسم بالمخاطر، تنطوي بالمثل على إمكانات وفرص».
ولتكتمل صورة الاستثمار في أفريقيا وصحة خيار «أيميا باور»، نشير إلى وجود حوالي 700 مليون شخص محرومون من نعمة الكهرباء. والطاقة المنتجة لتلبية احتياجات نحو مليار نسمة في 50 دولة أفريقية، تعادل تقريباً الطاقة المنتجة في ألمانيا لوحدها. وعلى الرغم من أن أفريقيا تعتبر من أكثر مناطق العالم قدرة على انتاج الطاقة الكهربائية من الشمس والرياح بأقل تكلفة، فإن حصتها من إجمالي الاستثمارات العالمية في الطاقة لا تتجاوز 4 في المئة.
ومن هنا تبدأ المشكلة، فالدول الأفريقية بحاجة إلى حوالي 200 مليار دولار سنوياَ حتى العام 2030، لتوفير احتياجاتها من الطاقة. ولكن هذه الدول تعاني عجزاً مزمناً في القدرة على توفير التمويل اللازم ليس للكهرباء وحسب بل لتأمين الغذاء لشعوبها حتى مع القروض والمساعدات التي تحصل عليها من الدول الغنية والمؤسسات الدولية. أما الاستثمارات الخاصة فلا يزال تدفقها إلى أفريقيا محدوداً ومحصوراً في بعض الدول والمجالات. ويرجع ذلك إلى أسباب متشابكة تتعلق ببيئة الاستثمار غير الملائمة وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وغيرها. ما يجعل الاستثمار خاصة في مجالات البنية التحتية يتميز بارتفاع المخاطر السياسية والتجارية.
… والحل بالمستثمر الذكي
ومن هنا أيضاً يأتي الحل، عن طريق المستثمر الذكي القادر على اقتناص الفرصة الاستثمارية والحد من المخاطر وحشد التمويل اللازم لتنفيذها. ويقول حسين النويس في هذا السياق: «أن تعرف كيف تقلل من المخاطر، وكيف تنظم مشاريعك، وكيف تتعامل مع المسؤولين والمستثمرين والشركاء؟ هذا هو مكمن الاختلاف والعنصر الحاسم في النجاح». ويضيف: «أعتقد أننا نجحنا».
ولا نبالغ بالقول أن أبرز ملامح نجاح شركة «أيميا باور» هي قدرتها على حشد التمويل اللازم لتنفيذ مشاريعها من كبريات مؤسسات وصناديق التمويل الوطنية والإقليمية والدولية، والمصارف والمؤسسات المالية. يساعدها على ذلك اهتمام هذه المؤسسات بتمويل مشاريع الطاقة النظيفة في أفريقيا، وحرصها في الوقت ذاته على تمتع الشركة المنفذة بالسمعة الحسنة والمقدرة بما يضمن حسن تنفيذ المشاريع. ويبدو واضحاً ان «أيميا باور» قد نجحت، وتمكنت من الحصول عل تمويل لمشاريعها من قبل مؤسسات مرموقة مثل البنك الأفريقي للتنمية، البنك الإسلامي للتنمية، صندوق أبوظبي للتنمية، بنك ستاندرد تشارترد، مؤسسة سوميتومو ميتسوي المصرفية وغيرها كثير.. إضافة إلى المشاركة في عدد من المشاريع مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي والبنك الهولندي للتنمية، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي.
أبرز المشاريع
تعد شركة «أيميا باور» حالياً من أبرز الشركات العاملة في مجالات الطاقة المتجددة، ومن أسرعها نمواً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. ومع ان نشاطها يشمل تطوير وتشغيل مشروعات الطاقة الحرارية التقليدية العاملة بالغاز والفحم والمشتقات النفطية، إلا أنها تركز نشاطها منذ ثلاث سنوات على محطات الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والطاقة الحرارية الشمسية المركزة، وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر.
ويلاحظ أن النمو السريع لم يقتصر على عدد المشاريع المنفذة والتي قيد التنفيذ، بل شمل أيضاً حجم المشاريع. ولتنتقل الشركة من المحطات ذات القدرة الانتاجية التي تقل عن 100 ميغاواط إلى محطات تتتجاوز قدرتها 500 ميغاواط وتصل إلى 1 جيغاواط.
وكانت باكورة هذا النوع من المحطات في مصر. حيث شهد شهر أكتوبر 2022، التوقيع على اتفاقيات الإغلاق المالي بين شركة «أيميا باور» وعدد من مؤسسات التمويل الدولية، بقيمة 1.1 مليار دولار، لتنفيذ مشروعين كبيرين لانتاج 1000 ميغاواط من الكهرباء من الطاقة المتجددة. ويستفيد من المشروعين حوالي 687 ألف أسرة، ويسهمان في تخفيض الانبعاثات الكربونية بنحو 2.2 مليون طن سنويا. وستتولى «أيميا باور» عمليات بناء وإدارة وتشغيل المحطتين.
يقع المشروع الأول وهو محطة «ابيدوس» للطاقة الشمسية في مدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان؛ وتبلغ طاقته الانتاجية 500 ميغاواط، وتقدر تكلفته بحوالي 500 مليون دولار. أما المشروع الثاني فهو محطة «أمونت» لطاقة الرياح ويقع في منطقة رأس غارب بمحافظة البحر الأحمر، ويعتبر من أكبر مزارع الرياح في أفريقيا، إذ تبلغ طاقته الانتاجية 500 ميغاواط ، بإجمالي استثمارات يصل إلى 800 مليون دولار
«أيميا باور» تدخل
عصر الهيدروجين الأخضر
«الهيدوجين سيكون طاقة المستقبل» تلك المقولة التي تترد في دراسات مراكز الأبحاث وتقارير الشركات الدولية وخطط الحكومات، تحولت مع شركة «أيميا باور» إلى مشاريع قيد التنفيذ والتخطيط تتنوع بين مشاريع لانتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء ومحطات لتحلية مياه البحر تعمل بالطاقة النظيفة.
ويرى النويس فرصاً كبيرة في طاقة الهيدروجين، ويبحث حالياً عن فرص للاستحواذ على شركات قائمة او إقامة شراكات مع شركات عالمية تمتلك الخبرات والتقنيات اللازمة. وبعد مشروعين قيد التطوير في المغرب وأثيوبيا، جاءت الخطوة الكبرى على طريق طاقة الهيدروجين في مصر التي يعتبرها النويس محطة رئيسية في مسيرة تطور «أيميا باور».
ففي شهر أبريل 2022، وقعت «أيميا باور» مذكرة تفاهم مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، لإنشاء مشروع لإنتاج نحو 390 ألف طن من الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء سنوياً. وحضر التوقيع د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.
ومن المقرر تنفيذ المشروع على مراحل، تبدأ بإنتاج 235 ألف طن من الأمونيا في المرحلة التجريبية، على أن يتم تطويرها وفقاً لجدول زمني متسارع.
وتم التعاقد مع شركات دولية للقيام بالدراسة الفنية المالية والاتصالات التجارية. ويتوقع البدء بتنفيذ المشروع أواخر العام 2023. والمخطط ان يتم تصدير الجزء الأكبر من الانتاج إلى دول آسيوية وأوروبية.