ملايين آبار النفط المهجورة و «اليتيمة»:
نقمة بيئية أم نعمة مناخية؟
تنتشر في شتى بقاع الأرض ملايين آبار النفط والغاز غير المغلقة بشكل سليم. والتي تركتها شركات النفط إما بعد الحفر مباشرة لعدم وجود احتياطيات كافية، وإما بعد استخراج ما يمكن استخراجه منها. وتضخ هذه الآبار كميات هائلة من غاز الميثان في الغلاف الجوي، إضافة إلى ملوثات خطيرة كالزرنيخ في المياه الجوفية والتربة.
وتقسم هذه الآبار إلى قسمين؛الأول هو الآبار “اليتيمة” أي تلك التي لا تعرف هوية مالكها او مشغلها السابق. والثاني الآبار “المهجورة” والتي يعرف مالكها ومشغلها.
يقدر عدد الآبار المهجورة في أميركا بحوالي 3.2 مليون بئر، موجودة في الحقول وتحت الأرصفة والمنازل
والغريب، أنه لا يوجد أي إحصاء دقيق لهذه الآبار، حتى في الدول المتقدمة. ففي أميركا مثلاً لا أحد يعرف على وجه الدقة عدد الآبار ومواقعها. ومصدر المعلومات المتداول هو تحقيق أجرته وكالة رويترز، وقدر عدد هذه الآبار بحوالي 3.2 مليون بئر. وذكر انه يوجد في ولاية بنسلفانيا فقط أكثر من 330 ألف بئر. أما الأكثر غرابة فهو غياب أي معلومات موثقة عن الآبار المهجورة في المياه البحرية. مع العلم ان هذه الآبار هي حديثة العهد مقارنة بالآبار البرية.
ويخلص جوشوا أكسلرود من مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية الأميركي المشكلة بقوله: “توجد الآبار اليتيمة والمهجورة في كل مكان، في وسط الغابات وفي الحقول الزراعية وحتى تحت الأرصفة والمنازل”.
مكامن الخطورة
تتسرب من هذه الآبار مواد كيميائية تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية مثل بريتيد الهيدروجين والنفط والزرنيخ والزئبق. ولكن يبقى غاز الميثان المنبعث منها هو الأشد خطورة. لأنه يتفوق بنحو 85 مرة على ثاني أكسيد الكربون في التسبب باحترار الغلاف الجوي والتغير المناخي، وذلك على مدار عشرين عاماً من إطلاقه. يضاف إلى ذلك المشاكل الأمنية إذ يعتبر الميثان من الغازات شديدة الانفجار. وقد شهدت ولاية كولورادو مثلا في العام 2017 حادث تسرب لغاز الميثان من بئر نفط مهجور إلى قبو منزل مجاور، ما أدى إلى انفجار ضخم، دمر المنزل وقتل شخصين.
وأوضح تحقيق رويترز الذي أجرى مراجعة شاملة للبيانات المتاحة في عام 2020، أن الآبار اليتيمة والمهجورة في أميركا تسببت بانبعاث حوالي 281 ألف طن من الميثان في عام 2018. وقدر التقرير أن الضرر المناخي الناجم عن هذه الكمية يعادل استهلاك حوالي 16 مليون برميل من النفط الخام”
فتش عن الربح
السبب الوحيد لترك هذه الآبار هو تكلفة إغلاقها والتي تتراوح بين 10 ألآف و 50 ألف دولار للآبار القديمة التي كانت على أعماق بسيطة. وتصل الكلفة إلى 500 ألف دولار للآبار الحديثة التي تكون على اعماق أكبر. ويشار هنا إلى ولاية نورث داكوتا أنفقت العام الماضي نحو 66 مليون دولار من أموال التحفيزالحكومية لردم 280 بئر نفطية فقط.
تطلق الآبار الأميركية حوالي 281 ألف طن من الميثان ما يعادل استهلاك حوالي 16 مليون برميل من النفط
ومع ان الدول بدأت بوضع قوانين وضوابط لإلزام الشركات بإقفال كل الآبار التي تقرر وقف العمل فيها. لكن عدد قليل منها اتخذ اجراءات حاسمة لحل مشكلة الآبار القديمة. ومن بين هذه الدول أميركا. حيث تم الإعلان عن تضمين خطة الرئيس بايدن المتعلقة بإعادة البناء الأفضل والتحول نحو الطاقة النظيفة، مبلغ 16 مليار دولار لإغلاق هذه الآبار ومناجم الفحم المهملة. وتعرضت هذه الخطة لانتقادات كبيرة ليس لأنها تحمل دافعي الضرائب الأعباء المالية بدل شركات النفط، وحسب، بل لأنها تعتبر مكافأة لهذه الشركات لأنها هي من سيتولى تنفيذ الجزء الأكبر من عمليات الاقفال لأنها تمتلك المعرفة والخبرة والكوادر البشرية المؤهلة.
بطاريات لتخزين الطاقة ولحجز الكربون
مع تصاعد الاهتمام بالتحول إلى الطاقة النظيفة، برزت محاولات جدية لتحويل الآبار المهجورة من نقمة بيئية إلى نعمة مناخية. تتمثل هذه المحاولات في استخدام الآبار كبطاريات طبيعية لتخزين الطاقة المتجددة أو كمصدر للطاقة النظيفة والرخيصة أو كمستودعات لتخزين الكربون الناجم عن عملية تحويل الغاز إلى هيدروجين المعروف بالهيدروجين الأزرق.
محاولات جدية لاستخدام الآبار المهجورة كبطاريات طبيعية لتخزين الطاقة، وتطوير استخدام الطاقة الجوفية
ومن أبرز المحاولات في هذا المجال التجربة التي قادها فريق بحث أميركي بقيادة توجسي باسر، لتخزين الطاقة في حوض إلينوي. واستندت التجربة إلى ان خصائص الآبارالموجودة في الحوض وتكوينها الجيولوجي الذي سمح بتجمع النفط والغاز تجعل منه موقعاً مثالياً لتخزين الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة المولدة من مصادر طبيعية كالشمس والرياح. كما أن هذه الآبار تحتوي على معظم البنية التحتية اللازمة. وخلصت التجربة إلى أن السوائل الحارة التي تم ضخها في البئر حافظت على درجة حرارتها بنسبة 82 بالمئة. كما خلصت إلى أن متوسط التكلفة الإجمالية الصافية لتوليد الكهرباء يبلغ 0.138 دولار لكل كيلوواط/ ساعة، ما يجعل النظام المقترح مجدياً اقتصادياً وبيئياً.
ويعني ذلك ان الاهتمام بحل مشكلة الآبار قد يحولها فعلاً إلى نعمة. خاصة إذا تم استخدامها للتوسع في تطوير الطاقة الحرارية الجوفية التي لا تزال مهملة إلى حد كبير. ويشير تقرير لمركز معلومات البحث والتطوير المجتمعي التابع للمفوضية الأوروبية، إلى أن تطوير الطاقة الجوفية يمكن ان يوفر حوالي 1000 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. ومعروف ان الطاقة الجوفية تعتمد على الاستفادة من حرارة نواة الأرض من خلال الحفر لأميال معدودة. ومعروف أيضاً أن الأبار المهجورة توفر تكاليف الحفر وجزء من البنية التحتية التي تقدر بنحو نصف التكلفة الإجمالية.اب