إستراتيجية «شل» الجديدة: لا بديل للغاز في مزيج الطاقة
لماذا أشعل إعلان رئيس شركة “شل” عن الاستراتيجية الجديدة للشركة بالعودة للاستثمار في الوقود الأحفوري، موجة الردود النارية من مؤيدي المناخ وبتغطية من بعض الدول الكبرى. وما هي أبعاد هذا التحول الدراماتيكي في استراتيجية “شل” على أمن أسواق الطاقة الأحفورية والنظيفة والتغير المناخي وطبعاً على أرباح الشركة، وهو الأهم؟
يسجل بداية للرئيس الجديد لشركة “شل” وائل صوان الذي تسلم مهام منصبه مطلع العام الحالي، صراحته وشجاعته في مقاربة قضية بالغة التعقيد والخطورة وهي المفاضلة بين الطاقة الأحفورية والنظيفة أو بين ما بات يعرف بـ أمن الطاقة وأمن المناخ. مؤكداً الحقيقة التي تتهرب منها بعض الدول الكبرى والمنظمات ومؤيدي المناخ . وهي أنه “لا يجوز تفكيك نظام الطاقة الحالي بشكل أسرع من قدرتنا على بناء نظام الطاقة النظيفة” كما قال صوان. وذلك ما تدعو إليه الدول المنتجة للنفط. وما أكدته أيضاً دورية فورين أفيرز، بقولها “أن الخطر الأكبر على أمن المناخ هو إهمال أمن الطاقة”.
وائل صوان: لا يجوز تفكيك نظام الطاقة الحالي بشكل أسرع من قدرتنا على بناء نظام الطاقة النظيفة
بعيداً عن مبالغات “متطرفو المناخ” بوصف الاستراتيجية بأنها “قنبلة مناخية” وتحول “مدمر للمناخ”. وبعيداً أيضاً عن مبالغات شركة “شل” ـ التي يتركز إهتمامها على تعظيم الأرباح ـ بإعلان براءتها والوفاء بالتزماتها بتخفيض انبعاثاتها. هناك جملة حقائق جديرة بالتوقف عندها وهي:
أولاً: أمن المناخ
تأتي “استراتيجية صوان” مختلفة تماماً عن استراتيجية سلفه فان بيردن لعام 2021، التي قضت بتحويل الشركة تدريجياً إلى مزود للطاقة النظيفة وخفض انبعاثاتها إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050. ويلاحظ في هذا السياق ما يلي:
- وضعت الاستراتيجية مقاربة جديدة لأنشطة إزالة الكربون ومحاربة التغير المناخي، تقضي بتكريس الجدوى الاقتصادية والربحية لهذه الأنشطة، ما يسهم بتعزيز انتشارها. ويشرح ذلك وائل صوان بالقول: “نحن بحاجة إلى مواصلة العمل لتطوير نماذج أعمال مربحة يمكن توسيع نطاقها لتساهم في إزالة الكربون من نظام الطاقة العالمي. وسنعزز استثماراتنا في النماذج المجدية، التي تتمتع بأعلى العوائد”. وتمت ترجمة هذا التوجه بالإعلان عن تخصيص ما بين 10 و 15 مليار دولار بين عامي 2023 و 2025 لدعم تطوير حلول الطاقة منخفضة الكربون.
- كان لافتاً في مجالات الاستثمار في الطاقة منخفضة الكربون، اقتصارها على الوقود الحيوي، والهيدروجين، واحتجاز الكربون وتخزينه، وشحن السيارات الكهربائية. ولم تشمل التوسع في مشاريع طاقة الرياح والشمس. الأمر الذي يعزز التساؤلات المتزايدة، حول الجدوى الاقتصادية والمناخية للتوسع في تلك المشاريع.
ثانيا: أمن الطاقة
نصت الاستراتيجية الجديدة على السعي لتوفير إمدادات آمنة للطاقة. من خلال التأكيد “على مواصلة العمل لتنمية الأعمال في مجال الغاز المتكامل، والحفاظ على ريادة الشركة في سوق الغاز المسال العالمية. إضافة إلى سعيها لتعزيز موقعها في عمليات الاستكشاف والإنتاج لتثبيت مستوى الإنتاج الحالي حتى العام 2030 بالحد الأدنى. مع السعي لزيادة لإضافة 11 مليون طن سنوياً بحلول العام 2030.
وليبقى الأكثر أهمية هو تأكيد صوان على “أن الغاز الطبيعي سيبقى مكوناً أساسياً في مزيج الطاقة العالمي، ليس خلال المرحلة الانتقالية نحو الطاقة النظيفة، بل على المدى الطويل”. ونقلت وكالة “بلومبرغ” عن نائب الرئيس التنفيذي للغاز الطبيعي المسال في “شل” قوله في مذكرة داخلية اطلعت عليها الوكالة: “أدركنا دائماً أهمية الغاز الطبيعي في إحداث التحول في قطاع الطاقة، لكن استراتيجيتنا الجديدة مبنية على اعتقاد جديد، وهو أن الغاز سيستمر في لعب دور رئيسي في مزيج الطاقة”.
الغاز سيبقى مكوناً أساسياً في مزيج الطاقة، ليس خلال المرحلة الانتقالية، بل على المدى الطويل
وعليه، فإن الشركة تدرس التوسع في اقتناص فرص الاستثمار في منشآت الغاز المسال وصفقات التوريد طويلة الأجل. وتلقت فرق الغاز الطبيعي المسال طلبات لزيادة نشاطها في الصين والهند، كما تقدم “شل” مكافآت مرتفعة عن الصفقات المبرمة في البلدين ودول مستهدفة أخرى.
وبالنسبة للنفط فقد أعلنت الشركة أنها ستحافظ على مستوى الإنتاج الحالي وهو 1.5 مليون برميل في حين كشفت وكالة رويترز عن توجه إلى زيادته. و”يحاجج” رئيس “شل” بأن الاستراتيجية الجديدة لا تعني التخلي عن هدف تقليص الإنتاج النفطي المعلن في العام 2021 بنسبة 1 -2 في المئة سنوياً حتى العام 2030. مشيراً إلى أنه تم تحقيق الخفض المستهدف فعلاً. حيث انخفض الإنتاج من من 1.9 مليون برميل يومياً في العام 2019 إلى 1.5 مليون برميل يومياً حالياً.
ثالثا: «أمن» شركة شل
لما كان تحقيق الأرباح وتعزيز القدرة التنافسية هو الهدف المركزي لشركة “شل” ولأي شركة، فقد أطلق الرئيس الجديد وعدا قاطعاً بتركيز “لا يرحم” على الأداء المالي، على حد تعبيره. ولا شك ان هذا التحول في نشاط الشركة يستهدف بالدرجة الأولى تعزيز توزيعات الأرباح على المساهمين وتقوية وضعها المالي، وجذب المزيد من المستثمرين. وتم الإعلان خلال مؤتمر أسواق المال الذي عقد في نيويورك الأربعاء الماضي، عن “زيادة التوزيعات إلى 30-40 في المئة بدلا من الرقم المستهدف سابقاً وهو 20 – 30 في المئة”. ويبدو أن «استراتيجية صوان» بدأت تؤتي ثمارها. حيث سجل سعر سهم الشركة ارتفاعاً ملحوظاً فور إعلانها.
وساعد أداء أنشطة الغاز المتكاملة لدى “شل”، في رفع أرباح الربع الأول من العام الحالي. وجاء ذلك استكمالاً للأداء القياسي المحقق العام الماضي. واستند هذا الأداء إلى انتعاش قطاع الغاز المسال بعد الحرب الأوكرانية. وإلى إعادة التقييم الحاصلة لسرعة وتيرة التخلي عن الوقود الأحفوري.