نفايات الطاقة الشمسية: كارثة بيئية أم فرصة استثمارية ؟
الشمس طاقة نظيفة، ولكن ليس الطاقة الشمسية، التي قد “تدفن” تحت ركام نفاياتها من الألواح والبطاريات.
هذه نصف الحقيقة التي يروج لها متطرفو إنكار التغير المناخي. وينكرها “متطرفو” المناخ و”مرتزقة” البيئة. أما النصف الثاني فهو أن هذه النفايات مشكلة كبيرة ولكنها قابلة للحل، بل قد تكون فرصة استثمارية كبيرة أيضاً.
طوفان “القمامة” الشمسية
بحسب أكثر السيناريوهات تحفظاً وتفاؤلاً فإن طوفان القمامة الشمسية الناتجة عن مشاريع الطاقة المنزلية فقط، سيبدأ في العام 2030، ليصل إلى حوالي 150 مليون طن في العام 2050. أما الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA ، فتتوقع أن يبلغ الرقم 78 مليون طن.
طوفان القمامة الشمسية يبدأ في 2030، بسبب الاستبدال المبكر للألواح
ولكن هذه الأرقام تمثل “نصف الحقيقة” لأنها مبنية على أساس أنه لن يتم استبدال الألواح قبل انتهاء عمرها الافتراضي وهو 30 عاماً. ولا تأخذ في الحسبان الاستبدال المبكر. وثبت أن ذلك غير دقيق بناء على دراسات معمقة تعتمد نمذجة العوامل المؤثرة بقرار الاستبدال. إذ تبين أن استبدال الألواح بعد مرور عشر سنوات أكثر جدوى بسبب انخفاض التكلفة بحوالي 70 في المئة، وارتفاع كفاءة الألواح الجديدة بفضل تطور التكنولوجيا. يقابله تدهور كفاءة الألواح القديمة بمعدل 1 في المئة سنويا.
أقرأ: «الخداع الأخضر»: الوقود الأحفوري للأغنياء.. و «نيرفانا» الطاقة الشمسية لفقراء أفريقيا
وعليه يصبح المعدل المجدي لعمر الألواح هو 10 – 15 سنة بدلاً من 30 سنة. وذلك يعني مضاعفة كمية النفايات المتوقعة عدة مرات. ويصبح الرقم مقلقاً بإضافة مشاريع الطاقة الشمسية التجارية والصناعية. وذكر بحث أعدته “هارفارد بيزنس ريفيو”، أن كمية الألواح المحولة إلى مكبات النفايات، سيعادل كمية الألواح الجديدة بحلول العام 2031. ثم يتجاوزه بحوالي 2.5 مرة في 2035.
كلفة إعادة تبلغ 25 دولار للطن مقابل 2 دولار للرمي في مكبات النفايات
معضلة إعادة التدوير
المشكلة الكبرى التي تواجه صناعة إعادة التدوير أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والشركات حتى الآن. وربما يرجع السبب إلى القناعة التي كانت سائدة، بأن الموجة الأولى من النفايات لن تظهر قبل انتهاء العمر الافتراضي للألواح الشمسية. ويلاحظ أن غالبية المشاكل التي تواجه صناعة التدوير قابلة للحل إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الدول. ما يسهم بتسريع إنضاج الحلول. ومن أهم هذه المشاكل ما يلي:
- ارتفاع التكلفة: في حين تبلغ كلفة رمي الألواح الشمسية في مكبات النفايات بين 1 و 2 دولار. فإن تكلفة إعادة تدويرها تتراوح بين 12 و 25 دولارا. وترتفع هذه التكلفة كثيراً إذا تم تصنيف الألواح بأنها نفايات خطرة، بسبب احتوائها على كميات من المعادن الثقيلة. وهو ما قامت به فعلاً بعض بعض الدول الغربية. إذ يؤدي ذلك إلى فرض قيود باهظة الثمن، تشمل عمالة مدربة لفكها وأوقات محددة لنقلها، وأماكن خاصة لتخزينها وطمر أو حرق البقايا الخ..
- عدم وجود بنية تحتية للتعامل مع نفايات الطاقة الشمسية. وهو ما حذرت منه أوتي كوليير نائبة مدير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، مطالبة، “بالبدء فوراً بإيجاد هذه البنية لتجنب تشكل جبال من النفايات بحلول العام 2050”.
- عدم نضوج التكنولوجيا اللازمة لفصل المعادن النادرة. ويقول نيكولاس ديفرين مدير منظمة سورين SOREN الفرنسية إن هذه” المشكلة جعلت التدوير غير مجدياً في السابق. ولكن تطور التكنولوجيا وارتفاع قيمة المعادن المعاد تدويرها سيغير قواعد اللعبة”.
- تعتبر فرنسا في طليعة الدول التي بدأت الاهتمام بمسألة التدوير مبكراً. فأوجدت التشريعات اللازمة، وشجعت القطاع الخاص على الاستثمار. وكانت البداية مع قيام شركة روسي ROSI بافتتاح أول مصنع لتدوير الألواح الشمسية. ويستطيع المصنع تدوير حوالي 99 في المئة من المواد المستخدمة.
- إنخفاض العائد على الاستثمار في ظل الأسعار الحالية. ويرجع ذلك إلى أن المواد ذات القيمة العالية مثل الفضة لا تتجاوز نسبتها 3 في المئة. في حين ان النسبة المتبقية مثل الزجاج تكون بنوعية رديئة لا يمكن إعادة استخدامها لإنتاج ألواح جديدة. وذلك ما يفسر جزئياً ضآلة الطاقة الانتاجية لإعادة التدوير. فيشير ديفرين إلى أن الكمية المعاد تدويرها في فرنسا لا تزال بحدود 4 آلاف طن، في حين تم تركيب 230 ألف طن تقريباً خلال العام الماضي فقط.
شركة ROSI الفرنسية تبني أول مصنع متكامل في العالم لتدوير الألواح الشمسية
من يدفع الفاتورة؟
يقود كل ذلك إلى طرح مسألة من سيدفع فاتورة إعادة التدوير. خاصة في المرحلة الانتقالية قبل نضوج التكنولوجيا وحدوث انخفاض كبير في التكلفة. ولا شك أن هناك مسؤولية كبيرة على الحكومات في سن التشريعات ووضع السياسات والإجراءات لتوزيع التكاليف وتوفير بعض الدعم.
إقرأ: «الخداع الأخضر»: تكلفة الطاقة الشمسية ستكون دائماً أعلى!؟
قد يشكل الإطار القانوني والتنظيمي المعتمد في الاتحاد الأوروبي، نموذجاً يحتذى. إذ ينص على تحميل جزء كبير من تكلفة التدوير للشركات المصنعة بناءً على حصتها من السوق. وهو ما يعني تحمل الشركات الصينية الجزء الأكبر من المسؤولية لأنها تستأثر بالحصة الأكبر. كما قد تضطر الحكومات إلى تحمل جزء من المسؤولية من خلال الإعفاءات والإعانات. خاصة في المرحلة الأولى لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار. وكذلك لتغطية نفايات الشركات التي تخرج من السوق تاركة وراءها ما يعرف بالنفايات اليتيمة.
حل لا أخلاقي يقوم على تنظيف وتلميع الألواح والبطاريات المستبدلة وتصديرها إلى الدول النامية
حل لا أخلاقي
بدون إطار تشريعي مناسب، وقبل نضوج التكنولوجيا، سيبقى الخيار الأسهل والأرخص للجميع هو السحق والرمي في مكبات النفايات. أو تعميم حل لا أخلاقي يلاقي رواجاً كبيراً حالياً. وهو قيام الدول الصناعية بتصدير الألواح والبطاريات التي يتم استبدالها قبل انتهاء عمرها الافتراضي إلى الدول النامية. حيث تتولى الشركات المنتجة خاصة الصينية والهندية، إصلاح بعض الخلايا حيناً والاكتفاء بالفحص والتنظيف وإعادة التغليف في غالب الأحيان. وذلك ما يفسر ارتفاع تكلفة الألواح والبطاريات في الدول الغنية المتقدمة مقارنة بالدول الفقيرة التي تتحول إلى مقبرة للألواح المستخدمة أو ذات النوعية الرديئة.