إمتحان «كوب28»: هل ترسب الدول الصناعية بـ «مادتي» التمويل وتخفيض الانبعاثات
إذا كان مؤتمر «كوب 21»، قد شكل منعطفاً مهماً بإقرار اتفاقية باريس، فإن مؤتمر «كوب 28» ، COP28، يشكل منعطفاً لا يقل أهمية في مسار مواجهة التغير المناخي على حد تعبير رئيس المؤتمر د. سلطان الجابر. ونظراً لتشابك وتعدد محاور المواجهة، فيمكن القول أن النقاط الأربع التي حددتها رئاسة المؤتمر تشكل المعيار والمقياس لمدى رغبة وجدية الدول الكبرى في تبني وتنفيذ حلول ناجعة ومستدامة.
وللاختصار، يمكن اختيار المسألتين التي تشكلان الحد الفاصل بين جدية تعاطي الدول الكبرى ونجاح المؤتمر، وبين تنصلها من المسؤولية وفشل المؤتمر؛ وهما:
التمويل وصندوق الخسائر والأضرار
يشكل التمويل عقبة رئيسية أمام تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة. وكذلك أمام الانتقال إلى مصادر نظيفة للطاقة. ويشمل ذلك تمويل التكنولوجيا وخلق البنية الأساسية وتوفير المواد الخام خاصة المعادن النادرة. إضافة إلى خلق وتطوير سلاسل الإمداد. كما يشمل عملية تكيف كافة القطاعات الاقتصادية مع عملية الانتقال.
وإذا كانت الدول الصناعية والغنية قادرة على تجاوز هذه المشكلة بصعوبة، فإن الدول النامية والفقيرة، يستحيل أن تتجاوزها بدون توفر تمويلات سخية من الدول الكبرى. وذلك بهدف مساعدتها على نقل التكنولوجيا وبناء القدرات للحد من الانبعاثات. وكذلك لمساعدتها على التكيف مع تداعيات تغير المناخ ومعالجة الخسائر والأضرار التي تسبب بها أصلاً الدول الغنية باعتبارها الملوث الأكبر.
ولذلك سيكون تمويل المناخ، كما في جميع مؤتمرات الأطراف، هو القضية الرئيسية والخلافية. ويرجع ذلك إلى رفض التزام الدول الكبرى بتوفير التمويل أو التنصل من التزاماتها التي تضطر لإعلانها.
ويعتبر صندوق الخسائر والأضرار المهمة الحاسمة التي تواجه المفاوضين في دبي. والمؤشر الرئيسي على جدية الدول الصناعية بالتصدي للتغير المناخي. فقد أقرت هذه الدول إنشائه في مؤتمر كوب 27 في شرم الشيخ العام الماضي، بعد مفاوضات مريرة. وجاءت الموافقة إنقاذاً للمؤتمر من الفشل.
ورغم نجاح اللجنة الانتقالية المعنية بالخسائر والأضرار التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ UNFCCC، بإصدار توصية بتأسيس الصندوق في اجتماعها في أبوظبي مؤخراً، لكي يتم إقرارها في المؤتمر. لكن ما يثير القلق هو مسارعة الدول الصناعية إلى تفريغ التوصية من مضمونها بالموافقة على التأسيس مع عدم الموافقة على الالتزام بتوفير التمويل.
وبهذا المعنى فإن نجاح «كوب 28» بالاتفاق على تأسيس الصندوق وعلى تمويله، يشكل منعطفاً مهماً، وسيعتبر الإرث الرئيسي للمؤتمر.
الانبعاثات بين الجرد والتخفيض
يشهد مؤتمر « COP 28» اختتام أول عملية تقييم عالمية للمخزون العالمي من الانبعاثات، وهي الآلية الرئيسية التي يتم من خلالها تقييم التقدم الحاصل لتخفيض الانبعاثات بموجب اتفاقية باريس . وتستهدف هذه الآلية تحديد حجم الانبعاثات التي تلتزم كل دول بتخفيضها. وهي تتضمن السياسات والإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك بما فيه على سبيل المثال فرض ضريبة على السلع والخدمات. وتم الاتفاق على مراجعة التقدم المحقق مرة كل خمس سنوات. وجرت مقاربة هذه المسألة على ثلاث مراحل شملت جمع وتوليف المعلومات المتعلقة بتغير المناخ والطرق المعتمدة لمواجهته، ومن ثم تقييم التقدم المحقق في تنفيذ اتفاقية باريس. وأخيراً استخلاص الحصيلة العالمية واتخاذ قرارات وتوصيات محددة لتعزيز العمل المناخي
ويعد التقرير التجميعي المنشور في شهر سبتمبر الماضي، بمثابة تذكير صارخ بمدى خطورة الوضع الحالي. وان العالم ليس على المسار الصحيح. وهو يشكل دعوة ملحة للإنقاذ قبل فوات الآوان. وقد استند إعداد التقرير إلى سلسلة من الاجتماعات والمشاورات على مستويات الخبراء والمسؤولين شملت جميع الأطراف المعنية ولعبت دولة الإمارات ورئاسة المؤتمر دوراً رئيسياً فيها.
وبهذا المعنى، فإن عملية التقييم والجرد لتحديد المخزون ليست هي التي تغير قواعد اللعبة، بل هي تشكل الأرضية اللازمة التي تستند إليها الدول وكافة الأطراف المعنية لاتخاذ القرارات التي تغير اللعبة. ولذك فإن مؤتمر «كوب 28» يتحمل المسؤولية الكبرى في رسم خارطة الطريق. حيث سيتم تنظيم سلسلة من الأحداث رفيعة المستوى خلال الأسبوع للمؤتمر بهدف التوصل إلى قرارات واضحة لتحديد السياسات والتوجهات والمعايير التي يفترض أن تعتمدها الحكومات لإعداد خطط عمل وطنية أكثر طموحاً. وهي الخطط المقرر صدورها في عام 2025.