أميركا تنتزع صدارة الغاز المسال من قطر و«تنادي» بالتخلص منه !
لأن الأرقام «أصدق أنباءً من الخطب»، فهي تكشف أن كل ما يقال في الدول الغربية من قبل الرؤساء والوزراء والخبراء بشأن التغير المناخي والتخلص من الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة، هو مجرد خطابات للاستهلاك. أما الحقيقة فهي أن أميركا مثلاً تمكنت من أن تنتزع صدارة الغاز المسال في العام 2023، وأحتلت لأول مرة في تاريخها قائمة أكبر دول العالم المصدرة للغاز الطبيعي المسال، متقدمة على أستراليا وقطر.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة (eia) الأميركية، وليس أي مصدر آخر، أن الصادرات الأميركية بلغت حوالي 10.6 مليا8رات قدم مكعب يومياً خلال العام 2023 (حتى أكتوبر). كما تكشف ان الدول الأوروبية التي تنادي على المنابر على «بضاعة الطاقة المتجددة»، كانت الوجهة الأولى للصادرات الأميركية. حيث حل الغاز الأميركي المسال محل الغاز الروسي.
أرقام قياسية
وفقاً لبيانات (eia)، يمكن تسجيل الأرقام القياسية التالية التي حققتها أميركا في مجال الغاز الطبيعي، كما في أكتوبر 2023:
– زاد إنتاج الغاز الطبيعي ولمدة 30 شهراً متتالية ليصل إلى حوالي 3240 مليار قدم مكعب، أو 104.5 مليار قدم مكعب يومياً. وهو أعلى معدل منذ العام 1973.
– بلغ استهلاك الغاز حوالي 2441 مليار قدم مكعب، أو 78.7 مليار قدم مكعب في اليوم. وهو الأعلى منذ العام 2001.
– بلغ حجم تزويد محطات الطاقة الكهربائية حوالي 32.8 مليار قدم مكعب في اليوم، وهو أعلى معدل منذ العام 2001.
النظر إلى الرسوم البيانية المرفقة تغني عن إطالة الشرح. ولكن يجدر التوقف عند الارتفاع الكبير في حصة أوروبا من صادرات الغاز الأميركية. إذ بلغت حوالي 64 في المئة من الإجمالي. واستأثرت فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا بحوالي 74 في المئة من تلك الحصة.
وطبعاً جاءت زيادة الصادرات إلى أوروبا مدفوعة بسببين. الأول سياسي يتعلق بتوفير بديل مستدام للغاز الروسي، حيث اندفعت الدول الأوروبية لبناء مصانع ضخمة للتغويز (استعادة الحالة الغازية). كما اندفعت أميركا لبناء محطات ضخمة للتسييل. والسبب الثاني تجاري، يتعلق بالاستفادة من الارتفاع الكبير بأسعار الغاز في أوروبا. وذلك ما يفسر تراجع الصادرات الأميركية إلى كافة الدول الآسيوية وبنسب كبيرة قاربت 80 في المئة إلى الصين. وكذلك تراجع الصادرات إلى دول أميركا اللاتينية بمعدل النصف تقريباً.
مشاريع جديدة قيد الإنشاء
وكان ملفتاً التزايد في مشروعات تسييل الغاز وتغويزه على ضفتي الأطلسي. إذ تأتي مرة ثانية «أرقام» إدارة معلومات الطاقة «أصدق» من الخطابات. فتذكر ان القدرة التصديرية للغاز الطبيعي المسال في أميركا الشمالية سترتفع من حوالي 11.4 مليار قدم مكعب يومياً إلى 24.3 مليار ق/م ي/ بحلول العام 2027.
وطبعاً تستأثر الولايات المتحدة بالحصة الأكبر منها. إذ تقدر القدرة الإضافية الأميركية بحوالي 9.7 مليارات ق/م ي/. تتوزع على خمسة مشاريع ضخمة هي قيد الإنشاء حاليًا. مقابل حصة قدرها 2.1 مليار ق/م ي/ لكندا، وحوالي 1.1 مليار ق/م ي/ للمكسيك. وهو ما يعني نجاح أميركا بأن تنتزع صدارة الغاز المسال، تخطط للاحتفظ بهذه الصدارة مستقبلاً.
أوهام الطاقة المتجددة
ما ينطبق على تزايد اعتماد الدول الغربية على الغاز الطبيعي. ينطبق إلى حد بعيد على النفط. الأمر الذي يطرح علامات استفهام وتعجب حول حقيقة أهداف ما تقوله هذه الدول عن التغير المناخي والاحتباس الحراري والطاقة المتجددة. والأهم حول حقيقة تزايد اعتمادها على الوقود الأحفوري وخاصة خلال الفترة التي أعقبت اتفاقية باريس بشأن المناخ في العام 2015. في حين مارست كل أنواع الترهيب والترغيب على الدول النامية لتقليص اعتمادها على النفط والغاز. ونظمت عشرات المؤتمرات وأبرزها مؤتمرات الأطراف (COP). وجندت الخبراء ووسائل الإعلام لشيطنة الوقود الأحفوري والتغني بمحاسن الطاقة المتجددة.
ووصل الأمر إلى حد الضغط على الدول الأفريقية التي لم تصلها نعمة الكهرباء بعد، لمنعها من بناء محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة بالوقود الأحفوري. واستبدالها بـ “أوهام” طاقة الشمس والرياح. في وقت تستورد الدول الصناعية الكبرى إنتاج أفريقيا من النفط والغاز والفحم.