لبنان: ملابسات وتساؤلات حول دورة التراخيص الثالثة

قرار مجلس الوزراء اللبناني بإطلاق دورة التراخيص الثالثة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية، يحمل الكثير من «التساؤلات والملابسات» السياسية والإدارية والاقتصادية أو «البيزنس». فهو جاء بعد «الإقفال المفاجئ» للدورة الثانية. والذي تزامن مع “مسرحية” مسارعة كونسورتيوم (توتال، إيني، قطر للطاقة)، لتقديم عرضين قبل «ربع» ساعة من إنتهاء المهلة. وقرار إطلاق الدورة الثالثة معطوفاً على القرار المرجح بالموافقة على عرضي الكونسورتيوم يطرح سؤالاً كبيراً حول من يدير قطاع النفط والغاز في لبنان وكيف يدار؟! .

قبل استعراض الملابسات والتساؤلات، تجدر الإشارة إلى جانب إيجابي في القرار وهو إسهامه في إبقاء لبنان على خريطة اهتمام الشركات الدولية. خاصة بعد النتائج المخيبة في البلوك رقم 4 و«الملتبسة» في البلوك رقم 9. وتتعزز أهمية هذا الجانب في حال إتمام صفقة التسوية السياسية الإقليمية والمحلية. والتي ستؤدي إلى تشجيع الشركات النفطية على الاستثمار في لبنان وفي شرق المتوسط عموماً. وفي هذه الحال يصح النظر إلى قرار إطلاق الدورة الثالثة بإيجابية والتغاضي عن تعارضه مع الأوضاع السياسية الكارثية محلياً، والخطيرة إقليمياً الناجمة عن العدوان الإسرائيلي المتصاعد على فلسطين ولبنان. ويصح ذلك سواء استند هذا القرار على خبرة و«علم» أو على «تعليمة».

علم أم «تعليمة»

لتوضيح الفرق بين العلم و «التعيلمة»، يجدر التذكير بملابسات «الاستعجال المفاجئ» لإقفال دورة التراخيص الثانية. مع أن الجميع بمن فيهم هيئة إدارة قطاع البترول كانوا في أجواء تمديدها، كما حصل مراراً منذ العام 2019. فهل كان الأمر «مسرحية ضعيفة الإخراج» شارك فيها الكونسورتيوم لضمان وضع يده على البلوكات الجنوبية الثلاثة الغنية بالغاز وربما النفط. ولقطع الطريق على احتمال دخول شركات جديدة قد تكون صينية وهندية ومصرية وحتى أميركية. ما يخلق منافسة تتطلب تخفيض الفوائد والامتيازات وتحسين شروط العقد لصالح لبنان.

ولا يكفي في هذا السياق، التفسير الذي «تروجه» وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول، بأن إقفال الدورة كان «ضرب ذكاء» أدى إلى “تخويف” الكونسورتيوم من خسارة البلوكات الجنوبية، ودفعه إلى الإسراع بتقديم العرضين. فشركات بتلك الضخامة والعراقة لا تضع خططها وبرامجها الاستثمارية كرد فعل على «ضروب التذاكي والبلف».

أقرأ أيضا: لبنان: الأولوية لإنشاء شركة وطنية للنفط وهيئة وطنية للترسيم

من ينزل الحكومة عن الشجرة

قرار مجلس الوزراء بإطلاق دورة تراخيص الثالثة يشمل جميع البلوكات التي لا يوجد فيها حق حصري لأي شركة. ما يعني قانوناً البلوكات 1 و 2 و 3 و 4 في النصف الشمالي من المنطقة الاقتصادية الخالصة، والبلوكات 5 و 6 و 7 و 8 و 10 في النصف الجنوبي. وذلك يضع مجلس الوزراء «فوق شجرة» البلوكين 8 و 10 اللذين تقدم كونسورتيوم (توتال، إيني، قطر للطاقة) بعرضين بشأنهما. وتواجه الحكومة ثلاث عقبات لحل هذه المشكلة والنزول عن الشجرة التي اعتلتها بإرادتها عندما أطلقت الدورة الثالثة. وهي:

أبي حيدر: لا يحق لحكومة تصريف الأعمال توقيع اتفاقيات الاستكشاف والانتاج

أولاً: الموافقة على العرضين بأسرع وقت ممكن والإسراع بتوقيع اتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج مع الكونسورتيوم. وإلا سيكون البلوكين عرضة لتقديم عروض بشأنهما من قبل الشركات الأخرى.

ثانياً: إثارة مشكلة شروط الاتفاقيتين لناحية السعي لتحسين هذه الشروط وهو ما كانت تسعى إليه الوزارة والهيئة من خلال تأخير البت بقبول العرضين كما قالوا.

صلاحيات حكومة تصريف الأعمال

ثالثاً: تجاوز مشكلة صلاحية حكومة تصريف أعمال بإبرام اتفاقيات من هذا النوع. والدخول في متاهة تفسير مفهوم « المعنى الضيق لتصريف الأعمال». إذ يمكن أن تتحول هذه المسألة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الأحزاب. وتشير  المحامية والخبيرة القانونية في شؤون الطاقة والحوكمة كريستينا أبي حيدر إلى أن البند (2) من المادة (64) من الدستور تنص على أن «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال»

إقرأ أيضا: لبنان: 10 أسئلة حول «فيلم تلزيم» البلوكات البحرية

وتضيف أبي حيدر، أنه وفقاً للاجتهاد الدستوري هناك نوعان من الأعمال؛ الأول، الأعمال الإدارية العادية. والثاني الأعمال الإدارية التصرفية. والنوع الثاني لا يحق للحكومة المستقيلة القيام بها كونها ترتب على الدولة أعباء جديدة مالية أو إدارية. وتقول: «أعتقد أن توقيع اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج تدخل في نطاق النوع الثاني من الأعمال. أي لا يحق للحكومة الحالية توقيع الاتفاقيات مع الكونسورتيوم ».

لا استثمار بظل نزاعات حدودية

سواء نزلت الحكومة عن الشجرة أم لا، فإن مصير دورة التراخيص الثالثة قد لا يكون أفضل من مصير الثانية. ويرجع ذلك إلى أسباب يعرفها جيداً جميع المسؤولين ومنها:

توضح الصورة ان البلوكات القابلة للتلزيم هما السادس والسابع فقط
  1. الشركات النفطية الدولية لا تعمل وتستثمر في مناطق نزاعات حدودية. وهي تقوم ـ بأحسن الاحتمالات ـ بتوقيع اتفاقيات لا تنفذها. وذلك ما حدث في قبرص حيث لم يبدأ الإنتاج في أي من الحقول الكبيرة نسبياً التي تم اكتشافها. وهو ما يحدث في لبنان. ولذلك الأجدى قبل البحث بإطلاق دورات التراخيص وإقرار قانون الصندوق السيادي العتيد، التركيز على ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وسوريا واستكمالها مع إسرائيل. وبالنظر إلى الخريطة المرفقة يتبين أن هناك أربع بلوكات موضع نزاع مع قبرص وسوريا، و 3 بلوكات تم أو سيتم تلزيمها، والبلوك (رقم 4) ثبت «أن لا غاز فيه». ما يعني أن البلوكات القابلة للتلزيم هما السادس والسابع فقط.
  2. الشركات النفطية او غيرها من الشركات لا تعمل وتستثمر في «دولة فاشلة» بكل المقاييس. وللدلالة على ذلك نشير إلى أن ما تم حفره في لبنان «أقل» من بئرين. في حين قامت شركات النفط بحفر عشرات الآبار في إسرائيل ومصر مثلاً. ومعروف أنه يستحيل تقريباً إكتشاف كميات تجارية من حفر بئر واحدة.

الخلاصة: من يدير قطاع النفط؟

ولنختصر الشرح نكتفي بالتساؤل: هل يعرف أي لبناني من يدير فعلياً ملف النفط وترسيم الحدود البحرية. هل هي المؤسسات الدستورية أم  الأحزاب والطوائف والمذاهب وفقاً لمصالحها وعبر صفقات جانبية، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل خير دليل.

Related Articles

Back to top button