محمية بنتاعل.. لؤلؤة المحميات في لبنان
محمية بنتاعل، تعتبر لؤلؤة المحميات الطبيعية في لبنان. فهي أشبه بفردوس بيئي يمتد على مساحة 1.1 مليون م2 من التلال الخضراء قرب مدينة جبيل. وأبرز ما يميزها هو التناغم والتكامل بين الطبيعة التي تعطي والمجتمع المحلي الذي يحمي.
يقول ريمون خوري رئيس لجنة إدارة المحمية: أراضي المحمية كانت ملكاً لأهالي قرية بنتاعل وتم وهبها للدولة لتحويلها إلى محمية طبيعية. وتقوم لجنة الإدارة بالعديد من المبادرات لتعميق التكامل بين المحمية والمجتمع المحلي في المنطقة. ويتمثل ذلك في إطلاق مشاريع إنتاجية لصالح هذا المجتمع وبدعم من مؤسسات وجمعيات دولية. يشمل ذلك على سبيل المثال بإقامة دورات تدريبية لمزارعي النحل واستخراج الزيوت العطرية إضافة إلى الأنشطة السياحية. وفي المقابل يشارك أفراد المجتمع بشكل مباشر في حماية ورعاية المحمية خاصة في تجنب الحرائق ومواجهتها حين اندلاعها.
غطاء نباتي متنوع
تقع محمية بنتاعل على ارتفاع يتراوح بين 250 و 700 متر عن سطح البحر، وعلى بعد 38 كلم من بيروت. ورغم اعتبارها أصغر المحميات في لبنان، فهي أول منطقة طبيعية محمية فيه. إذ أنشئت عام 1981 وافتتحت رسميا أوائل العام 1987 وتديرها. لجنة محمية بنتاعل المؤلفة من 12 عضوا يعملون دون مقابل.
المحمية عبارة عن لوحات من التنوع البيولوجي المذهل. وأثناء التجوال في ربوعها تستوقف الزائر المساحات الشاسعة من غابات الصنوبر المثمر التي زرعت في خمسينيات القرن الماضي. ولها فائدة مزدوجة بيئية ومادية. وتعتبر المحمية من الأغنى والأكثر تنوعا من الناحية النباتية والحيوانية. إذ تحتوي على أكثر من 365 نوعا من النباتات، من بينها 67 نبتة ذات مردود اقتصادي واستخدامات طبية. وهناك أنواع لا توجد إلا في لبنان. كما أنها تضم أنواعا نادرة من الأشجار. وأظهرت دراسة في المحمية أنّها تضم 630 نوعاً من الحشرات وهذا أمر ضروري للتنوع البيولوجي. فانخفاض عدد تلك الحشرات يعني أن هناك اختلالاً في التوازن البيئي.
محطة على طريق هجرة الطيور
هذه الرئة النظيفة التي يتنفس منها اللبنانيون والوجهة الخضراء النادرة، تم تصنيفها في العام 2008 من قبل المجلس العالمي للطيور من بين أهم محطات الطيور المهاجرة. وباتت موضع اهتمام من قبل عشاق مراقبة ودراسة الطيور. ومن بين الطيور في المحمية النسور والصقور وباز العسل وهو من أكثر الجوارح شيوعاً في لبنان. ومن الحيوانات هناك الثعلب، النيص، إبن آوى والضبع.
وأثناء ممارسة نشاطي رياضة المشي ومراقبة الطيور، يمكن للزائر مشاهدة آثاراً قديمة كالمنسك المحفور في الصخر للناسك مار يوحنا. وهو مؤلف من ثلاث غرف ويعود للعام 1150 ميلادي. وتوجد في المكان آثار لكنيسة قديمة ومغاور عدة محفورة بالصخور على شكل منحوتات طبيعية.
تجنب ومكافحة الحرائق
غنى الغطاء الأخضر سيف ذو حدين. فهو من ناحية يعتبر عاملاً رئيسياً في إعادة تكوين نظام بيئي مستدام. ويسهم في التنمية الريفية. ولكنه من ناحية أخرى يجعل المحمية بين أكثر المواقع تعرضاً للحرائق في لبنان. إذ شهدت اندلاع 3 حرائق خلال 20 عاماً.
ويقول ريمون خوري ان اللجنة ترعى شؤون المحمية من خلال خطة ورؤية تهدفان إلى التوعية بأهمية المواقع الطبيعية في لبنان. فالهدف الأساسي من إنشاء المحمية الحفاظ على البيئة الطبيعية والنباتية والحيوانية الموجودة فيها. بما يضمن حمايتها من التلوث وتخريب الإنسان والضرر الناتج عن العوامل الطبيعية.
ويؤكد أن المحمية شهدت تنفيذ بعض البرامج الممولة من وكالات التنمية الدولية لحمايتها من الحرائق. ويضيف إن خطة مكافحة الحرائق تقضي إجراء عملية تنظيف سنوية للأعشاب داخل المحمية وعلى أطرافها. وهناك مشروع لبناء جسرين الأول لمراقبة الحرائق والثاني لمراقبة الطيور. كما تقوم فرق الكشافة في قرية بنتعال والقرى المجاورة بالمشاركة الفعالة في تجنب الحرائق وفي إخمادها. وتم تجهيزها بالمعدات اللازمة فضلا عن إجراء دورات تدريبية للعناصر. كما تم تركيب خزان إضافي للمياه متصل بشبكة أنابيب تحت الأرض مزوّدة بمخارج كل 100 متر لتفعيل جهود مكافحة الحرائق.
السياحة البيئية
تستقبل المحمية سنوياً نحو 5 الآف زائر معظمهم من طلاب المدارس والجامعات. ويجهد القيمون على محمية بنتاعل لتحويلها إلى وجهة للسياحة البيئية المستدامة. ويقول خوري إن لجنة المحمية لحظت إعادة دراسة الخطة الإدارية بتمويل فرنسي. ويأتي ذلك في إطار مشروع شامل لدعم كل المحميات في لبنان ممول من الأمم المتحدة تحت اسم “خطوة للطبيعة”. وتشمل الدراسة التي تجري كل أربع سنوات، معاينة وتقييم التنوع البيولوجي في المحمية. ويتم على أساس نتائجها تحليل لاستمرارية وجود النباتات. كما تعمل اللجنة على دراسات أخرى للغابات والطيور والثدييات والبرمائيات والحشرات وعلى أساس النتائج تؤخذ الإجراءات المناسبة للمشاكل المطروحة.