طاقة الاندماج النووي نحو الإنتاج التجاري

كومنولث فيوجين سيستمز: مفاعل جديد بكفاءة أعلى وتكلفة أقل

نشر موقع Cipher مقالاً مهماً بقلم كبير المراسلين العالميين بيل سبيندل عن طاقة الاندماج النووي والمفاعل الجديد الذي باشرت بتركيبه شركة كومنولث فيوجين سيستمز Commonwealth Fusion Systems. الذي يسهم نقل الاندماج النووي نحو الإنتاج التجاري. ونعيد نشره بالعربية بقدر من التصرف نظراً لأهميته.

في منطقة مشجّرة في ديفينس ـ ماساتشوستس، وعلى بعد ساعة بالسيارة من بوسطن، يوجد مبنى كهفي يضم حفرة دائرية ضخمة في الأرضية الخرسانية المترامية الأطراف. وهي المكان الذي سيوضع فيه مفاعل متطور سييهم في مسيرة انتقال طاقة الاندماج النووي نحو الإنتاج التجاري

داخل الحرم الجامعي لمعهد MIT الذي تبلغ مساحته 47 فدانًا، يشرف عمال يرتدون خوذات صلبة على آلات ضخمة تقوم بلف آلاف الأمتار من الأشرطة المعدنية فائقة التوصيل. ويتم ترتيب هذه الأشرطة بعناية لتشكل قلب المفاعل. حيث سيتم تسخين كرة من المادة إلى حوالي 150 مليون درجة مئوية أي أكثر بحوالي 10 مرات من حرارة الشمس. وإذا عملت الآلة كما يجب، فسوف تنتج طاقة أكثر مما يلزم للحفاظ على استمرار التفاعل. وسيتم توليد هذه الطاقة دون إنتاج انبعاثات غازات الدفيئة.

مباني شركة كومنولث فيوجين سيستمر

منشأة لا مثيل لها

لقد قمت بزيارة العشرات من المصانع ومواقع البناء خلال ثلاثة عقود من العمل كمراسل. من بينها مصنع لرقائق البطاطس في العراق، ومنشأة لإنتاج الحليب في الهند، ومصنع للسيارات في اليابان، وشركة لتصنيع الألواح الشمسية في تكساس. ولكن هذه المنشأة في ماساتشوستس شيء آخر تماماً.

تريد شركة كومنولث فيوجن سيستمز، وضع نظام الطاقة العالمي على مسار جديد، نحو مستقبل من الطاقة النظيفة التي لا حدود لها. هنا في ديفينس، تواجه تلك التطلعات النبيلة تحديات العالم الحقيقي المتمثلة في نقل الإندماج النووي من مرحلة المحطات البحثية والإيضاحية إلى مرحلة المحطات التجارية.

للمزيد إقرأ: طاقة الاندماج النووي: سباق أميركي ـ صيني على «صناعة الشمس»

وكومنولث فيوجين سيستمز، هي شركة ناشئة تحظى بتمويل جيد. ومن بين الجهات الممولة بيل غيتس من خلال Breakthrough Energy Ventures (وهو برنامج لدعم مشاريع الطاقة والذي يدعم أيضًا Cipher). والشركة من بين عدد قليل من الشركات التي تحظى بدعم في جميع دول العالم. لأنها تعمل ليس لتحقيق حلم طاقة الاندماج النووي وحسب، بل لتحويلها إلى نشاط مجد من الناحية التجارية. ومن هذه الشركات نذكر: Helion EnergyTAE TechnologiesGeneral FusionAvalanche FusionZap EnergynT-Tao, UK Industrial Fusion Solutions.

بوب مومغارد

ما هو الإندماج النووي؟

الاندماج النووي يحدث بشكل طبيعي ومستمر في النجوم مثل الشمس. حيث تسهم درجات الحرارة المرتفعة بشكل مذهل والضغط الشديد في الحفاظ على تقارب الجزيئات الذرية، وبالتالي اندماجها. ما يولد كميات خيالية من الطاقة. إن تحقيق ذلك على الأرض أمر صعب. والأصعب من ذلك هو الحفاظ على عملية الاندماج بشكل متواصل وبتكلفة معقولة. وذلك هو المفتاح لانتشار وتسويق هذه التكنولوجيا.

تعتمد محطات الطاقة النووية الحالية على تفاعل مختلف يُعرف بالانشطار النووي القائم على انقسام الذرات بدل اندماجها. وتنتج هذه العملية نفايات مشعة خطيرة. وبدون مراقبة دقيقة يمكن أن تؤدي إلى تفاعل مدمر. في المقابل، لا ينجم عن تفاعلات الاندماج أية مخاطر، لأن حدوث خلل ما، يؤدي تلقائياً إلى فشل العملية. كما لا ينتج عن هذه التفاعلات نفايات مشعة.

بين الليزر والمغناطيس

تمكن الباحثون في أحد المختبرات التجريبية مؤخراً من توليد طاقة من تفاعل الاندماج النووي أكبر من الطاقة المستخدمة لحدوث التفاعل. وتم ذلك باستخدام تقنية الليزر. ومع ان ذلك اعتبر انجازاً علمياً كبيراً، لكن لا يمكن حتى الآن تسويق هذه الطريقة بشكل عملي ومجد تجارياً.

للمزيد إقرأ: طاقة الاندماج النووي: أنواع المفاعلات وطرق الاندماج

تعتمد بعض تجارب الاندماج التجاري على استخدام طريقة بديلة لأشعة الليزر عالية الطاقة. إذ ستقوم كومنولث فيوجن سيستمز مثلاً باعتماد مغناطيسات كهربائية ضخمة لحبس المادة الناجمة عن الحرارة الهائلة والتي تطلق عليها الشركة إسم “الصلصة الخاصة”. وتراهن الشركة على أن المفاعل الذي تقوم ببنائه سيكون أقل تكلفة في البناء والتشغيل.

تهدف الشركة إلى تشغيل هذا المفاعل الذي يطلق عليه إسم SPARC، في العام 2026. وتسعى من خلاله إلى إثبات إمكانية استمرار التفاعل الاندماجي بطريقة مجدية تجارياً. وتقول إنه سيتم بعد ذلك بناء مفاعل أكبر للبدء في توليد الطاقة التجارية خلال عقد من الزمن تقريباً.

بين المفاعلات البحثية والإندماج النووي التجاري

يقول بوب مومغارد، الرئيس التنفيذي ومؤسس الشركة: “لا يمكن القفز مباشرة من المفاعلات البحثية إلى المفاعلات التجارية”. وبالمقارنة مع المفاعلات البحثية، فإن مفاعل SPARC يتميز بطريقة بناء مبتكرة وفعالة ومجدية تجارياً.إذ يتم استخدام العديد من المكونات الجاهزة لدى موردين كبار. في حين تعتمد المفاعلات المماثلة على تصنيع كافة المكونات بطريقة متطورة ومكلفة.

مفاعل سبارك

وباتت شركة “كومنولث” جزءاً من صناعة عالمية مزدهرة. وفي قمة الأمم المتحدة للمناخ التي استضافتها دبي في ديسمبر الماضي، كان الاندماج النووي مطروحاً على جدول الأعمال للمرة الأولى. وتتشارك العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والهند، لبناء أكبر مفاعل اندماجي في العالم في فرنسا. كما تسعى 43 شركة في العديد من البلدان إلى تحقيق الاندماج النووي بطرق مختلفة. وتسعى العديد من الشركات أيضاً إلى توفير قطع الغيار والخدمات لشركات الاندماج النووي.

استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار

حتى الآن، استطاعت الشركات العاملة في الاندماج من تعبئة استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار. كما ذكرت جمعية صناعة الاندماج النووي ومقرها واشنطن. وقد أنفق المطورون 500 مليون دولار على سلاسل توريد الاندماج في العام 2022. ويتوقع ان أن يرتفع هذه الرقم إلى أكثر من 7 مليارات دولار في السنوات القليلة المقبلة. وربما إلى تريليونات الدولارات مع نضوج الصناعة بعد عقد من الآن، كما تتوقع الجمعية.

قال لي دايسوكي ناكاهارا، رئيس التصميم المؤسسي في شركة  Kyoto Fusioneering في يونيو الماضي في اليابان، حيث تم تأسيس مجموعة من شركات الاندماج: «هدفنا هو تسويق الاندماج تجارياً». كما تم تأسيس مجموعات أخرى من الشركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

إقرأ: الاندماج النووي: فورة استثمارات تعجل «موسم الحصاد»

وتقوم شركة Kyoto Fusioneering بتصنيع المكونات التي يمكنها تحمل الحرارة الشديدة في مفاعلات الاندماج. في حين يقوم موردون آخرون بتصنيع مغناطيسات عالية الطاقة، وأشعة الليزر والأنظمة التي تتحكم فيها، وأشباه الموصلات، والوقود اللازم للتفاعلات. كما تقوم شركات أخرى بتقديم الخدمات الاستشارية بشأن التنظيم والتأثير على السياسة الحكومية.

إطار تنظيمي لنقل الاندماج النووي نحو الإنتاج التجاري

وتحرص وزارة الطاقة الأميركية من جانبها على إثبات جدوى طاقة الاندماج التي يطلق عليها “الكأس المقدسة” لتكنولوجيا الطاقة. وقد حصلت صناعة الاندماج النووي على دفعة قوية العام الماضي، عندما قررت حكومة الولايات المتحدة وضعها ضمن الإطار التنظيمي للأبحاث النووية والأجهزة الطبية. وليس في إطار صناعة الانشطار النووي التي تخضع لمعايير صارمة.

يشكك بعض العلماء في إمكانية نقل الاندماج النووي نحو الإنتاج التجاري بسرعة كافية ليلعب دوراً مهماً في تحول الطاقة. كما يحذرون من إمكانية ظهور مشكلات تتعلق بالسلامة والأمن مع توجه التكنولوجيا نحو التسويق التجاري

إقرا: شركة عبد اللطيف جميل السعودية تدخل نادي الاندماج النووي

ولكن يقول مومغارد وغيره من قادة صناعة الاندماج، إن إنشاء أية صناعة جديدة، خاصة صناعة معقدة مثل الاندماج النووي، سيواجه صعوبات وتحديات بدون شك. ولكنهم يتفقون على إمكانية التغلب على التحديات والتخفيف من المخاطر وإدارتها بأمان، كما هو الحال مع مصادر الطاقة الأخرى.

ويقارن بوب مومغارد مهمة مواجهة هذه الصعوبات، بما أنجزته شركة SpaceX، التي يقودها Elon Musk. فقد عرفت وكالة “ناسا” منذ زمن طويل كيفية صنع الصواريخ واستكشاف الفضاء. ولكن شركة SpaceX عرفت كيفية القيام بذلك بشكل مربح. وذلك من خلال توحيد سلاسل التوريد لصناعة الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام.

وختم مومغارد حديثه معي بعد انتهاء جولتي بقوله: “لقد قمنا بتعيين مجموعة من الأشخاص الذي كانوا يعملون في شركة SpaceX” . ونحن واثقون من قدرتهم على نقل الاندماج النووي نحو الانتاج التجاري.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى