ما هي السيناريوهات المحتملة لاستهداف النفط الإيراني؟

ضربات محدودة يمكن ابتلاعها.. فلا تشعل الحرب، ولا تهز أسواق النفط

دخل قطاع النفط الإيراني والإسرائيلي قوائم «بنك الأهداف» في الحرب المتدحرجة نحو الحرب الشاملة. وما لم تحدث «معجزة جيوسياسية» تتمثل إما باستسلام إيران وأذرعها، وإما بانتصارهم. فإن استهداف منشآت النفط قد يتم الآن كجزء من الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني. أو في الجولة الثانية من الرد على الرد. وذلك بانتظار نضوج التسوية العتيدة التي قد تحتاج إلى «نار النفط» لإنضاجها.

استهداف منشآت النفط الإيراني بضربات مدمرة، أمر مستبعد في هذه المرحلة من المواجهات. والمرجح أن يأخذ الاستهداف شكل الضربات المدروسة أو «الغارات الدقيقة» التي تستهدف مزيجاً من المرافق الثلاثة الرئيسية أي الإنتاج، والتكرير، والتصدير.

ويجدر التمييز بين الأنواع الثلاثة من المرافق لتحديد الهدف السياسي من أي ضربة عسكرية. والأهم لتحديد حجم الضربة والأضرار المترتبة عليها، وبالتالي إمكانية حدوثها.

مرافق التصدير

تشكل الصادرات النفطية الإيرانية نحو 85 في المئة من الإيرادات الحكومية. وتقدر شركة «كبلر» المتخصصة في تحليل أسواق النفط، أن المتوسط اليومي للصادرات بلغ حوالي 1.6 مليون برميل خلال العام الحالي. وحقق رقماً قياسياً خلال سبتمبر الماضي بلغ 1.88 مليون برميل يومياً. وهو رقم مستغرب في ظل التوتر المتصاعد. وهناك من يربطه بـ «قبة باط» أميركية مقابل التروي في الرد على اغتيال اسماعيل هنية، والموقف المهادن نسبياً من الحرب على فلسطين ولبنان.

إقرأ أيضاً: هل يكون قطاع الطاقة في إسرائيل بمثابة «كعب أخيل» إذا توسعت الحرب؟

ويسهل من الناحية العسكرية، ضرب مرافق التصدير لأنها موجودة بشكل أساسي في جزيرة خرج قبالة السواحل الكويتية ـ السعودية. إضافة إلى محطات ثانوية مثل محطة بندر جاسك التي ينقل إليها النفط عبر خط أنابيب مستحدث من شمال الخليج العربي إلى بحر عمان.

وعليه، فإن خيار استهداف وتدمير مرافق التصدير بالكامل، يعني قطع الأوكسجين ومصدر الدخل الرئيسي من العملات الصعبة عن النظام وعن الحرس الثوري تحديداً. كما يعتبر «رسالة ملغومة» للصين بحرمانها من مصدر رئيسي للنفط الرخيص. ولذلك فقد يكون مستبعداً في هذه المرحلة

مرافق الإنتاج

تتوزع الثروة النفطية المقدرة بحوالي 210 مليارات برميل، على نحو 100 حقل. من بينها 10 حقول تتجاوز احتياطيات كل منها 30 مليار برميل. وتقع غالبية الحقول في محافظة خوزستان جنوب غربي إيران. وأكبر هذه الحقول هو «الأهواز» الذي يعتبر ثالث أكبر حقل في العالم، إذ يحتوي على 65 مليار برميل وينتج نحو 800 ألف برميل يومياً. يليه حقل «غجساران» باحتياطيات قدرها 52 مليار برميل، وينتج نحو 500 ألف برميل يومياً.

المصدر: إقتصاد الشرق مع بلومبيرغ

كما تمتلك إيران احتياطيات من الغاز الطبيعي تقدر بحوالي 33.7 تريليون متر مكعب. ما يجعلها في المرتبة الثانية عالمياً بعد روسيا، والثالثة من حيث الإنتاج بعد روسيا وقطر. وتتوزع هذه الاحتياطيات على 43 حقلا. أهمها (بارس الجنوبي) في الخليج العربي الذي تتقاسمه مع دولة قطر بحصة قدرها حوالي 40 في المئة.

وعليه فإن استهداف وتدمير مرافق الإنتاج بالكامل، هو عملية صعبة ومعقدة من الناحية العسكرية. وقد يكون مستبعداً أيضاً في هذه المرحلة لأنه يعني ضرراً لا يمكن إصلاحه، حتى لو اقتصر الاستهداف على الحقول العشرة الكبيرة. 

مرافق التكرير

تمتلك إيران 10 مصاف ضخمة تتوزع في مختلف مناطق البلاد. ويقدر إنتاجها حالياً بحوالي 115 مليون لتر من الوقود تحقق الاكتفاء الذاتي، مع إمكانية زيادة الإنتاج للتصدير. كما تمتلك إيران مخزونات احتياطية تكفي لتسيير المرافق الأساسية. ويمكنها استيراد المحروقات من الصين وبعض الدول المستعدة للمخاطرة بخرق العقوبات، وذلك عبر استخدام بعض سفن «أسطول الظل أو الأشباح».

وعليه، فإن استهداف المصافي وتدميرها بالكامل، يشكل ضربة قاصمة للحركة الاقتصادية وشلل في كافة المرافق. وتعتبره إيران بمثابة قرار أميركي بإشعال التوترات والاضطرابات الداخلية بهدف الإطاحة بالنظام، خاصة إذا ترافق مع تحركات شعبية في مناطق القوميات الأذرية والعربية الخ… وهو أيضاً خيار مستبعد. 

الخلاصة

استبعاد خيار التركيز على أحد المرافق الثلاثة فقط بتوجيه ضربة كبيرة مدمرة، يستند إلى ما يلي:

  • يشكل ضرراً لا يمكن إصلاحه إلا على مدى زمني طويل. ويعني عملية «كسر عظم» وبلوغ نقطة اللاعودة بالعلاقة مع إيران.
  • يستدعي رداً إيرانياً باستهداف منصات الغاز في إسرائيل (كاريش، ليفياثان، تمار)، ما يؤدي إلى إرجاع إسرائيل الى الفحم الحجري لتوليد الكهرباء.
  • قد يستدعي قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز وزيادة وتيرة استهداف الناقلات في البحر الأحمر وخليج عدن. ما يخلق اضطراباً في أسواق النفط. ينجم عنه أرتفاعاً كبيراً في الأسعار وهو أمر تحرص الإدارة الأميركية على تجنبه قبيل الانتخابات.
  • يتطلب غارات عنيفة وواسعة خاصة بالنسبة لمرافق الإنتاج، ما يستوجب تورط أميركا بشكل مباشر على الأقل لتوفير التزود بالوقود في الجو.

إقرأ أيضاً: هلال للقاهرة الإخبارية: إيران لن تقدم على إغلاق مضيق هرمز

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى مذكرة مهمة أصدرها «سيتي غروب» استبعد فيها خيار الضربة الكبرى لمنشآت النفط. ورجح حدوث ضربة جزئية . تستهدف تخفيض إنتاج النفط الإيراني ما بين 300 و 500 ألف برميل يومياً. وهي كمية لن تؤثر كثيراً على حجم الصادرات الفعلية. لأن إيران تحسبت لهذا الاحتمال. وقامت بتعزيز «مخزوناتها العائمة». حيث تمتلك حالياً عشرات الناقلات المحملة بالنفط في عرض البحر والتي غادرت موانئ البلاد الأربعاء الماضي، كما ذكر تقرير لشركة «تانكرز تراكرز» TankerTrackers.

وقد يشمل الرد الإيراني كما ورد في مذكرة «سيتي غروب» إغلاق جزئي لمضيق هرمز باستهداف «مدروس ومحسوب» لبعض الناقلات. كما حدث خلال السنوات الماضية. وهو ما يؤدي إلى تخفيض «يمكن احتماله» لإمدادات النفط يتراوح بين 700 ألف و 1.9 مليون برميل يومياً. علماً إن إغلاق مضيق هرمز لن يؤدي إلى قطع إمدادات النفط من دول الخليج كما يشاع. لأن جزءاً كبيراً من النفط السعودي والإماراتي والعراقي يمكن تصديره عن طريق خطوط الأنابيب إلى البحر الأحمر وخليج عمان وتركيا.

ضربات متبادلة يمكن «ابتلاعها»

وعليه، المرجح ان يتم الآن أو في قادم الأيام استهداف مزيج مدروس بعناية من المرافق الثلاثة، وعبر «غارات دقيقة» محسوبة النتائج والأضرار. كأن يتم استهداف محطة تصدير ثانوية أو جانب من مرافق جزيرة خرج بحيث لا يتم إخراجها من الخدمة. إضافة إلى استهداف إحدى مصافي النفط وبعض حقول النفط والغاز. لأن ذلك يتسبب بأضرار يمكن لإيران تحملها. كما يمكنها «ابتلاع» الضربة تجنباً لحرب شاملة تحرص على عدم نشوبها. ولأن الرد الإيراني في حال حدوثه، يكون محدوداً بشكل يمكن لإسرائيل ومن ورائها أميركا «ابتلاعه» أيضاً.

Related Articles

Back to top button