أوبك: تبشير وكالة الطاقة الدولية بـ «عصر الكهرباء»، مغالطات وخيال علمي

تواصل وكالة الطاقة الدولية مسيرة التخبط في التوجهات والتوقعات، وكان آخرها تقرير «توقعات الطاقة العالمية 2024» الذي بشّرت فيه بدخول العالم «عصر الكهرباء» بعد عصر النفط. ولأنه يصعب إرجاع سبب هذا التخبط إلى نقص في المعرفة والخبرات لدى الوكالة. فيصبح بديهيا إرجاعه إلى محاولتها أن تركب موجة الطاقة المتجددة، لإحياء دورها المتآكل. ولتأتي تقاريرها بعيدة عن التحليل العلمي والموضوعي وأقرب إلى الخيال العلمي.

إقرأ أيضاً: وكالة الطاقة الدولية: أخطاء التقديرات.. وخطايا السياسات

يبدو واضحاً أن الوكالة اعتمدت في تلك المحاولة معادلة غير موضوعية. وجهها الأول الترويج لعصر الطاقة المتجددة. ووجهها الثاني تسعير حربها الشعواء على الوقود الأحفوري. ولذلك جاءت هذه المعادلة حافلة بالمغالطات والمبالغات والتوقعات الخاطئة التي تحفل بها تقارير الوكالة. بل أكثر من ذلك، جاءت متناقضة مع التطورات في سوق النفط. وحتى مع مصالح الدول المؤسسة للوكالة وتحديداً أميركا. التي باتت الدولة الأولى المنتجة للنفط والمصدرة للغاز . وذلك ما يفسر عقد الكونغرس الأميركي جلسة استماع أو «محاكمة» لمسؤولي وكالة الطاقة الدولية بتهمة السعي لتدمير صناعة النفط وتعريض أمن الطاقة للخطر.

«أوبك» تفنّد المغالطات

إذا كانت غالبية تقارير الوكالة الدولية للطاقة تتسم بمسار طويل من المغالطات، فإن تقرير «توقعات الطاقة العالمية 2024» كان علامة فارقة في هذا المسار. وخلاصة التقرير أن «مستقبل نظام الطاقة العالمي هو الكهرباء». وأن «الطلب على الفحم والنفط والغاز سيبلغ ذروته بحلول نهاية العقد الحالي». واستفاض المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول بالشرح قائلاً: « شهد تاريخ الطاقة، عصر الفحم وعصر النفط، ونحن نتحرك الآن بسرعة إلى عصر الكهرباء».

وقد ردت الأمانة العامة لمنظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» على التقرير في مقال نشرته على موقعها الإلكتروني أوضحت فيه خطأ المفهوم الرئيسي الذي استند إليه تقرير الوكالة. وهو أن نظام الطاقة العالمي يقوم على مصدر واحد. ما يؤدي بالتالي إلى إطلاق تسمية عصر الفحم وعصر النفط أو عصر الكهرباء.

واعتبر المقال أن ذلك لا يتوافق، أولاً، مع مفاهيم وتقارير وكالة الطاقة الدولية التي تستند إلى مفهوم مزيج الطاقة. هذا المزيج الذي سيشكل الفحم والنفط والغاز حوالي 80 في المئة منه في العام 2030 كما ذكرت الوكالة وليس أي مصدر آخر، في تقرير «الطاقة المتجددة 2024». وتجدر الإشارة هنا إلى مظهر آخر للتخبط، إذ خفّض تقرير الوكالة «آفاق الاقتصاد العالمي 2024»، هذه النسبة إلى 75 في المئة، وهي نسبة تغيير كبيرة جداً.

كما لا يتوافق المفهوم المعتمد في التقرير مع واقع أسواق الطاقة. وانتقد مقال «أوبك» محاولة اختصار تاريخ الطاقة بسلسلة من الأحداث المختلفة لرسم صورة من التنافس والاستبدال بين مصادر الطاقة. معتبراً أن المحاولة تتجاهل حقيقة التعايش بين مختلف هذه المصادر، بل الاعتماد المتبادل بينها. كما تشوّه حقائق التاريخ والحاضر. فرغم سيطرة النفط على أسواق الطاقة خلال العقود الماضية، لا يزال الفحم يشكل مصدراً رئيسياً. ويوضح المقال حالة التناقض والتخبط في تقارير الوكالة الدولية للطاقة، بالإشارة إلى تقرير عن الفحم صدر في يوليو 2024. يذكر أن الطلب العالمي على الفحم نما بنسبة 2.6 في المئة في عام 2023، ليصل إلى 8.7 مليار طن، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. كما ذكر تقرير “تحليل الفحم 2023 والتوقعات حتى 2026″، أن «الفحم يظل أكبر مصدر لتوليد الكهرباء وصناعة الصلب وإنتاج الأسمنت».

وفي حين يشير هذا التقرير إلى أن «عصر النفط أصبح شيئاً من الماضي». يذكر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي 2024، ان الطلب النفط في عام 2023 تجاوز الذروة المسجلة في عام 2019.

تحدي المعادن الحرجة

يبدو واضحاً أن عصر الكهرباء الذي تبشر به وكالة الطاقة الدولية والذي تقول أن العالم يتحرك بسرعة نحوه، يواجه تحديات كبيرة ومتنوعة، كما يذكر مقال الأمانة العامة لمنظمة «أوبك». ومن هذه التحديات أن التوسع في إنتاج الكهرباء وفي استخداماتها يخلق زيادة هائلة في الطلب على المعادن الحيوية أو الحرجة. ومع ذلك، ترى الوكالة أن «النمو في توفير هذه المعادن سيكون أبطأ من النمو المتوقع في القدرة على تصنيعها”. ما يعني وجود فجوة كبيرة تعيق وتعطل الوصول إلى «عصر الكهرباء» .

حان الوقت لكي تقوم وكالة الطاقة الدولية بمراجعة سياستها وتوجهاتها، قبل أن تقوم الدول الأعضاء بمراجعة جدوى وجودها

كما يتطلب هذا النمو في الطلب على الكهرباء توسعًا غير مسبوق في سعة الشبكة. إذ يذكر تقرير الوكالة «الكهرباء 2024»، أن تحقيق أهداف الطاقة والمناخ الوطنية، يتطلب إضافة 80 مليون كيلومتر من خطوط الطاقة العلوية والكابلات تحت الأرض بحلول العام 2040. ولكن التقرير يتناسى ان توفير هذا القدر من طاقة النقل تطلب 100 عام لإنجازه . يضاف إلى ذلك استحالة إنجاز هذه التوسعة بدون توفر المنتجات المشتقة من البترول لتأمين متطلبات التعدين والمعدات ومواد العزل والكابلات ومختلف مدخلات الإنتاج التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

عواقب نقص الاستثمار

حذر مقال «أوبك»، من خطورة تأثير نقص الاستثمار في صناعات النفط والغاز على أمن الطاقة. وشدد على ضرورة التمييز بين أولويات الطاقة، مشيراً إلى الفرق الشاسع بين أولويات حوالي 685 مليون شخص لا يزالون محرومين من الكهرباء. إضافة إلى حوالي 2.1 مليار شخص ما زالوا يعتمدون على الوقود غير الآمن للطهي. وبين أولويات الأشخاص الذين لديهم ترف الاختيار بين بين أنواع مختلفة من الطاقة.

خلص مقال «أوبك» إلى أن العالم يستهلك كميات أكبر من النفط والفحم والغاز والكهرباء، مقارنة بأي وقت مضى. واعتبر أن الوصول إلى مستقبل الطاقة العادل والمستدام الذي نطمح إليه جميعاً، يتطلب تبني نهج أكثر شمولية لكل الطاقات والتقنيات.

يبدو أنه حان الوقت لكي تقوم وكالة الطاقة الدولية بمراجعة جدية للنهج الذي تعتمده، قبل ان يأتي اليوم الذي تبادر الدول الأعضاء إلى إعادة النظر بجدوى وجود هذه الوكالة.

Related Articles

Back to top button