وكالة الطاقة الدولية بين تغيير المدير العام ووقف التمويل الأميركي

بأسرع كثيراً من المتوقع، وضعت الإدارة الأميركية الجديدة وكالة الطاقة الدولية على «شاشة الرادار». وليصبح الخيار بين استهداف الوكالة ذاتها ووضع مصيرها على بساط البحث. بعد أن تبنت المقاربة الأوروبية في حمل لواء التغير المناخي، ومناهضة النفط والغاز وتهديد «أمن الطاقة» كما اتهمها أعضاء بالكونغرس. وبين الاكتفاء باستهداف كبار التنفيذيين فيها وعلى رأسهم مديرها العام فاتح بيرول الذين «ركبوا موجة» المناخ.

روايات خيالية عن الصفر الصافي

نقل تقرير مهم أصدرته S&P Global Commodity Insights مؤخراً عن ثلاثة مسؤولين في الإدارة الجديدة، أنها بدأت دراسة الخيارات المتاحة لمواجهة مشكلة الوكالة الدولية للطاقة. ويلخصون الوضع بأن الوكالة « تجاوزت التفويض الممنوح لها»، وانتقلت إلى ضفة محاربة الوقود الأحفوري لصالح «نزعة خضراء ملتبسة».

وذكر التقرير أن كل الخيارات موضوعة على الطاولة. وهي تتراوح بين «كبح جماح» الوكالة وإحداث تغيير جذري في قيادتها بإقالة المدير العام فاتح بيرول وكبار التنفيذيين. وبين وقف التمويل الأميركي كمقدمة لوضع مصير الوكالة ذاتها على بساط البحث. وهو الأمر الذي يشكل رسالة حاسمة للدول الأوروبية وغيرها من الدول الأعضاء، بضرورة إعادة النظر بسياساتهم المناهضة للنفط والغاز .

وكانت مؤسسة هيريتيج ، التي تم تكليفها بوضع مسودة سياسات الإدارة الجمهورية الجديدة، قد اقترحت أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لإقالة فاتح بيرول. وفي خروج عن السياسة المتحفظة للمؤسسة، أعلن أحد المسؤولين فيها وهو ماريو لويولا: «ينبغي التركيز على استبدال القيادة الحالية التي تصر على تبني «روايات الصفر الصافي الخيالية»، بينما يستمر الطلب على الوقود الأحفوري في الارتفاع».

تخفيض التمويل لـ «كبح الجماح»

يعتبر التمويل من وسائل الضغط الرئيسية التي قد تعتمدها الإدارة الأميركية في مقاربة ملف الوكالة. وأي خطوة تتخذ لتخفيض أو وقف تمويل الوكالة، تعني بلوغ نقطة اللاعودة في خيار «كبح جماحها» وإعادة تصويب مسارها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ترامب كان على وشك اتخاذ قرار بخفض التمويل الأميركي للوكالة خلال ولايته الأولى. لكنه اختار في اللحظة الأخيرة تأجيل القرار لإعطاء فرصة لتصحيح الأمور. وهو ما أعلنه ديف بانكس، مسؤول شؤون الطاقة الدولية والبيئة في مجلس الأمن القومي في ذلك الحين.

ولا تتمثل أهمية وقف التمويل الأميركي في حجمه البالغ نحو 6 ملايين دولار سنوياً فقط. وهو مبلغ بسيط يمكن تأمينه من قبل بقية الدول الأعضاء. بل تتمثل في رمزية الخطوة ودلالالتها. فأميركا تساهم بحوالي 14 في المئة من الميزانية، وهي أكبر نسبة لدولة واحدة. ويشكل مجرد تخفيض التمويل رسالة حاسمة على استعداد أميركا للانسحاب من الوكالة، ما يؤدي عملياً إلى انتفاء مبرر وجودها.

تاريخ من الأخطاء

سعى بيرول منذ تعيينه مديراً عاماً للوكالة في العام 2015، إلى تغيير سياستها وتوجهاتها لتتبنى سياسة «أوروبية الهوى»، مؤيدة لأمن المناخ. ما يعني ضمناً مناهضة النفط والغاز وأمن الطاقة. وهو ما عبر عنه بانكس بقوله «هناك قناعة لدينا بأن وكالة الطاقة الدولية يديرها الأوروبيون وتعطي الأولوية لأمن الطاقة الأوروبية بدون مراعاة الاعتبارات الأميركية. ويشار هنا إلى أن الدول الأعضاء في الوكالة هم في الغالب الأعم من أوروبا إضافة إلى اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية.

وقد تهيب فاتح بيرول والدول الداعمة له، الذهاب بعيداً في تغيير سياسة الوكالة، خلال ولاية ترامب الأولى. ولكنه سرعان ما اندفع في جهوده «التغييرية» مع إدارة بايدن. وكان التقرير الشهير الذي نشرته الوكالة في العام 2021  «خريطة الطريق إلى الصفر الصافي» في 2021، نقطة التحول في مسيرة الوكالة. كما كان نقطة التحول في مسار علاقتها بأميركا، وبالدول المنتجة للنفط عموماً. إذ خلص التقرير إلى أن تحقيق الحياد الكربوني في العام 2050، يتطلب وقف المشروعات الجديدة في قطاع النفط والغاز. وقد توالى بعد ذلك إصدار التقارير المتضمنة لتحليلات وتوقعات خاطئة تتعلق بالعرض والطلب وتبشر بنهاية عصر النفط.

إقرأ أيضاً: وكالة الطاقة الدولية: أخطاء التقديرات.. وخطايا السياسات

الكونغرس يتهم الوكالة

وقد تصدت منظمة «أوبك» لهذا التوجه من قبل الوكالة، بإصدار تقارير وتوقعات مضادة. كما تصدى له كبار المسؤولين في الدول المنتجة للنفط. وبلغ الأمر حداً فاصلاً في شهر إبريل الماضي حين دخل الكونغرس الأميركي بقوة ميدان المواجهة مع الوكالة. حيث عقدت لجنة الطاقة جلسة استماع مع مدير عام الوكالة، تضمنت اتهامات خطيرة. ومن أهمها الخروج عن «غرض إنشائها وهو أمن الطاقة وتحويل الاهتمام والموارد إلى سياسة  المناخ». إضافة إلى تهمة إطلاق «توقعات معيبة وسيناريوهات خيالية». وصولاً إلى التهمة الأخطر، وهي تضليل صناع السياسات بمعلومات خاطئة. ما يؤدي إلى تبني سياسات وقرارات «تقوض أمن الطاقة لدى الولايات المتحدة وحلفائها».

إقرأ أيضاً: الكونغرس الأميركي يتهم ويحاكم وكالة الطاقة الدولية

مزيج من الجهل والشر

من أبرز المؤشرات على توجه إدارة ترامب في مجال الطاقة والموقف من الوكالة، هو ترشيح كريس رايت، لمنصب وزير الطاقة. وهو رجل أعمال لا يؤمن بمواجهة التغيرات المناخية. وقد وصف الأهداف المتعلقة بالصافي الصفري بأنها «شريرة». والأهم من ذلك اعتبر تقارير وتحليلات وكالة الطاقة الدولية بأنها تعبر عن «مزيج من الجهل التام والأهداف الشريرة».

ويجدر التوقف أخيراً عند رد فاتح بيرول على المشرعين الجمهوريين بقوله: إن أمن الطاقة «لا يزال في صميم عملنا». لكنه أضاف أن مهمة الوكالة قد توسعت. وقال: تشمل مهمتنا الآن قضايا أمن الطاقة الجديدة والناشئة، بما فيها تلك المتعلقة بالمعادن النادرة والحرجة وسلاسل إمدادات الطاقة النظيفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى