ترامب أكبر مصدر لتقلبات أسواق النفط في عام 2025

نجاح «أوبك بلس» في تحقيق أهدافها عام 2024 كان من أهم التطورات التي شهدتها أسواق النفط وقتها، وهذه الأهداف تمثلت في استقرار الأسواق وخفض الذبذبات ومنع أسعار النفط من الانهيار وكلها تحققت، ونظرياً يتوقع أن يستمر ذلك في عام 2025. إلا أن ما سيفعله أو يقوله الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيكون أكبر مصدر لذبذبات أسواق النفط، وعدم استقرارها.

أنس بن فيصل الحجي

ومن أهم الأمثلة على ذلك ما حصل الأحد الماضي عندما قامت طائرات أميركية عسكرية بنقل مئات المهاجرين الكولومبيين غير الشرعيين من الولايات المتحدة إلى كولومبيا. فرفض الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو هبوطها في المطار وعادت من حيث أتت. وعندها هدد الرئيس ترامب بفرض ضرائب جمركية على الواردات من كولومبيا بـ 25 في المئة ترتفع إلى 50 في المئة بعد أسبوع إذا لم يجر السماح للطائرات بالهبوط وتفتيش كل السفن القادمة من كولومبيا. مما يؤدي إلى تأخير تفريغها لحمولتها ويؤدي إلى خسائر كبيرة، إضافة إلى منع المسؤولين الكولومبيين من زيارة الولايات المتحدة.

النفط والهجرة غير الشرعية

كولومبيا ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في أميركا الجنوبية. وبلغ متوسط صادرات النفط الخام الكولومبية إلى الولايات المتحدة 183 ألف برميل يومياً في العام الماضي. بينما بلغ متوسط واردات المنتجات النفطية من الولايات المتحدة 11 ألف برميل يومياً. وسبب استيراد الولايات المتحدة للنفط الكولومبي على رغم أن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم ومن أكبر المصدرين هو نوعيته. فمعظم ما تصدره الولايات المتحدة هو النفط الخفيف الحلو بينما تستورد النفط المتوسط والثقيل الحامض.

إقرأ: هل تنجح «حالة طوارئ الطاقة» بتصفية سياسات المناخ وتخفيض أسعار النفط ؟

والفكرة هنا أنه لو لم تحل الأزمة بسرعة لارتفعت أسعار النفط دولارين أو ثلاثة بسبب العقوبات التي كان سيفرضها ترامب ثم ستنخفض بعد الوصول إلى حل. وهذه الذبذبة لا علاقة لها بأساسات السوق ولا بـ «أوبك»، وكلها بسبب ترامب.

وهناك خمس دول نفطية لها علاقة بموضوع الهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة، المكسيك والإكوادور والبيرو والبرازيل وفنزويلا، ويجري حالياً ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إليها، وأي مشكلات قد تؤدي إلى ذبذبة في أسعار النفط، وإن كان ما حصل يوم الأحد أوحى لقادة هذه الدول أن يسكتوا عما حصل، حتى لو جرت معاملة مواطنيهم بصورة سيئة، علماً أن رؤساء كولومبيا والبرازيل وفنزويلا محسوبون على اليسار المتطرف.

النفط الكندي

وهناك أيضاً كندا التي تصدر أكثر من 4 ملايين برميل من النفط للولايات المتحدة يومياً، والفرق بين كندا ودول أميركا الجنوبية أن الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة من غير الكنديين، ومعظمهم هنود يأتون إلى كندا بتأشيرات دخول كطلاب في الجامعات. وجرى أخيراً ترحيل 18 ألف هندي من الولايات المتحدة للهند يعتقد أن معظمهم جاء عبر كندا. وكانت إدارة الهجرة هناك قالت في تصريح لها إن نحو 50 ألف شخص دخلوا كندا كطلاب ولكن لم يلتحقوا بجامعاتهم، وغالبيتهم من الهند.

ومشكلة ترامب مع كندا هي المشكلة مع كل الدول التي تفوق صادراتها للولايات المتحدة وارداتها منها بصورة كبيرة. وهذا يشمل دول الاتحاد الأوروبي والصين والمكسيك. ولهذا هدد بفرض ضرائب جمركية عالية على الواردات من هذه الدول. وهناك ضرائب جمركية عالية على كثير من البضائع المستوردة من الصين.

وبالنسبة إلى كندا فمن غير المعروف إذا ما كانت الضرائب، سواء كانت فورية بمقدار 25 في المئة أو تدرجية حتى تصل إلى 25 في المئة، ستشمل النفط. وحتى لو لم تشمله فقد هددت الحكومة الكندية بوقف أو خفض صادرات النفط إلى الولايات المتحدة كرد فعل على العوائق التجارية التي تضعها الولايات المتحدة والتي يفسرها كثيرون على أنها عقوبات. وسواء كانت الضرائب الجمركية تشمل النفط أو قامت الحكومة الكندية بخفض صادرات النفط، فإن هذا يسهم في تغيير اتجاهات التجارة الدولية فيه وعدم استقرار الأسواق وزيادة الذبذبة في أسعاره، بخاصة أن ترامب يقول إنه سيفرض الضرائب الجمركية حتى الوصول إلى حل، وهذا يعني أن أي خبر أو حتى إشاعة عن الوصول إلى حل سيخفض الأسعار ويزيد من ذبذبتها.

ما سيفعله أو يقوله الرئيس دونالد ترامب سيكون أكبر مصدر لذبذبات أسواق النفط، وعدم استقرارها

وهنا لا بد من ذكر أن حاكمة ألبرتا دانيلي سميث أعلنت معارضتها الحكومة الفدرالية وحكام الولايات الأخرى الذين هددوا ترامب بوقف صادرات النفط إلى الولايات المتحدة. وذلك لأن معظم النفط الكندي يأتي عبرها ولا تريد أن تصبح ولايتها كبش فداء. بخاصة بسبب معاداة الحكومة الفدرالية وبعض الولايات لصناعة النفط بحجة التغير المناخي. ولهذا ذهبت لمقابلة ترامب مرتين في مقر إقامته في مارا لوغو في فلوريدا. كما دعاها إلى حضور حفل تنصيبه، وهدفها هو إقناع ترامب باستثناء واردات النفط والغاز من ألبرتا من أي ضرائب جمركية يمكن أن يفرضها على البضائع الكندية.

… والنفط المكسيكي

الأمر نفسه ينطبق على المكسيك، إلا أن وضعها يختلف عن كندا، فهي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة ولكن اعتماد الأخيرة على النفط المكسيكي أقل بكثير من اعتمادها على كندا، ولكن له ميزة تنافسية كونه قريباً من المصافي الأميركية في خليج المكسيك والذي أعاد ترامب تسميته «الخليج الأميركي». كما أن المكسيك تعتمد بصورة كبيرة على استيراد المنتجات النفطية من الولايات المتحدة وبخاصة البنزين. وأي مشكلات مع المكسيك تهدد تجارة النفط بين البلدين وتؤدي إلى زيادة الذبذبة في الأسعار بصورة كبيرة.

وترامب سيتشدد بصورة كبيرة مع المكسيك لأنها أصبحت أكبر شريك تجاري مع الولايات المتحدة بعد أن كانت الصين أكبر شريك تجاري لفترة طويلة من الزمن، فكيف أخذت المكسيك محل الصين؟

عندما بدأ ترامب الحرب التجارية مع بكين خلال فترة حكمه الأولى بدأت بتحويل مصانعها للمكسيك. ومع الزمن أصبحت المكسيك أكبر شريك تجاري، ولو اعتبرنا المصانع الصينية لوجدنا أن الصين لا تزال أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. ولهذا فإن الحرب التجارية مع المكسيك هي امتداد للحرب التجارية مع الصين، وقد يكون النفط المكسيكي ضحيتها.

الاتحاد الأوروبي

هدد ترامب دول الاتحاد الأوروبي التي تحقق فائضاً كبيراً في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة بأن عليها شراء مزيد من النفط والغاز الأميركيين لخفض الفائض وإلا فإنه سيفرض رسوماً جمركية عالية على الواردات منها. وإذا قامت هذه الدول بالشراء من الولايات المتحدة فغالباً سيكون على حساب دول أخرى. وهذا يؤثر في تجارة النفط العالمية ويخفض كفاءة الشحن مما يزيد الذبذبة في أسواق النفط. بخاصة أن صادرات النفط الأميركية تأتي من خليج المكسيك المشهور بأعاصيره المدمرة خلال فترة خمسة أشهر من كل عام. وزيادة حدة الحرب التجارية مع الاتحاد الأوروبي تعني انخفاض معدلات النمو الاقتصادي عما ستكون عليه من دون العقوبات التجارية، مما يخفض الطلب على النفط ويزيد ذبذبة الأسعار.

ترامب المعجب بسلاح الضرائب الجمركية، هل يستخدمه ضد بعض الدول النفطية إذا لم تخفض أسعار النفط ؟

وتلقي الحرب في أوكرانيا بظلالها على اقتصادات الاتحاد الأوروبي من نواح عدة بما في ذلك النفط والغاز. ومن المتوقع حدوث مفاوضات بين بوتين وترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وأي أخبار عن هذه المفاوضات ستزيد ذبذبة أسعار النفط والغاز. والحقيقة أن الأمور ليست بهذه البساطة. وكمثال على ذلك فهناك أزمة طاقة حالياً في أوروبا بسبب الشتاء القارس نتج منها ارتفاع أسعار الغاز مما أدى إلى رفع أسعار الغاز المسال عالمياً. الأمر الذي نتج منه تحويل مسار ناقلات الغاز المسال من آسيا إلى أوروبا. فارتفاع أسعار الغاز المسال يعني ارتفاع فاتورة واردات الغاز المسال في الولايات الشمالية الشرقية في الولايات المتحدة. وهذا بدوره يؤدي إلى تحول محطات الكهرباء من استخدام الغاز إلى استخدام النفط. ما يؤدي بالتالي، إلى زيادة مفاجئة في الطلب عليه ويرفع أسعاره ويزيد الذبذبة في الأسعار. وهذا ما سيحصل تماماً لو أجبر ترامب دول الاتحاد الأوروبي على استخدام مزيد من الغاز واستيراد مزيد منه من الولايات المتحدة.

ترامب و«أوبك بلس»

وهنا قد يسأل قارئ كيف تستورد الولايات المتحدة الغاز المسال وهي أكبر مصدر له في العالم؟ والجواب هو أن الولايات المتحدة مترامية الأطراف ويوجد الغاز في الجنوب والجنوب الشرقي. بينما تفتقر إليه الولايات الشمالية الشرقية التي ترفض تمديد أنابيب الغاز لها بحجة أن هذا يتنافى مع سياسات التغير المناخي التي تتبناها. ونظراً إلى أن الولايات المتحدة لا تملك أية ناقلات غاز مسال فهي مضطرة إلى استخدام ناقلات غاز أجنبية. والقانون المعروف بـ “قانون جونز” يمنع السفن الأجنبية من نقل البضائع بين الموانئ الأميركية إلا بتصريح من الكونغرس. والكونغرس متشدد جداً في هذا الموضوع بسبب لوبي الشحن الأميركي. ولهذا تقوم الولايات في شمال شرقي الولايات المتحدة باستيراد الغاز من دول أخرى.

ترامب يريد تشديد العقوبات على دولتين من أعضاء «أوبك بلس» وهما إيران وفنزويلا، ولا نعرف بالضبط ما يريد أن يفعله مع روسيا وبخاصة أن العقوبات المفاجئة والمشددة التي فرضها الرئيس بايدن ستبدأ بعد شهر من الآن. وروسيا عضو في «أوبك بلس»، وأي قرار من ترامب سيؤدي إلى زيادة الذبذبة في أسواق النفط. بخاصة وأنه سيستمر في مطالبة دول الخليج بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار. وهذا الحديث المستمر من ترامب في منشوراته أو خطبه يؤدي، كما أدى سابقاً، إلى زيادة الذبذبة في الأسعار. وإذا قررت مجموعة الثمانية في «أوبك بلس» تمديد الخفوض الطوعية في نهاية الربع الأول لتحقيق الاستقرار في السوق، فإن ترامب سينتقدها بشدة مما سيزيد من الذبذبة في الأسعار. وأعتقد أنه حتى لو قامت مجموعة الثمانية بإنهاء الخفوض الطوعية لـ 2.2 مليون برميل يومياً وبدأت بالزيادة التدرجية كما هو مخطط حالياً، فإن ترامب سينتقدها بحجة أن الزيادة غير كافية، وهذا بدوره سيزيد ذبذبة الأسعار.

ماذا عن دول «أوبك»؟

خلاصة القول إن حروب ترامب التجارية وتهديده للدول النفطية التي لديها مهاجرون غير شرعيين في الولايات المتحدة، وتهديده بتشديد العقوبات على إيران وفنزويلا، وربما تشديد العقوبات على روسيا، ومطالبته الدائمة لدول «أوبك» بخفض أسعار النفط، ستكون المصدر الأساس لعدم استقرار الأسواق وزيادة ذبذبة أسعار النفط في عام 2025. ولا تستطيع «أوبك بلس» أن تمنع هذه التقلبات لأسباب عدة. أولاً لأنها خارجة عن سيطرتها. وثانياً لأنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يفعله ترامب. وثالثاً لأنه لا يمكن معرفة رد فعل السوق على تصرفاته أو تصريحاته. والمشكلة أنه وجد سلاحاً أعجبه وبدأ يهدد به الجميع وهو الضرائب الجمركية، والتي قد يستخدمها ضد بعض الدول النفطية إذا لم تخفض أسعار النفط أو لأي سبب آخر.

عن صحيفة إندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى