هل يفعلها جو صدّي ؟

إذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه… فالجواب نعم.

وإذا كان المكتوب يقرأ من سيرة كاتبه و «مسيرة» من رشحه للكتابة… فالجواب أيضاً نعم.

أما إذا كان المكتوب قد كتب بحبر خطاب القسم… فالجواب قطعاً نعم.

وعليه، فإن الكلمة الأولى التي نطقها وزير الطاقة والمياه، بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، وهي إنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء، يفترض أن تكون فعل إيمان وليس زلة لسان. ولأن الإيمان يكون بالجملة وليس بالمفرق، يصبح بديهياً أن تكون كلمته الثانية هي إعادة هيكلة أو الأصح إنشاء هيئة ناظمة فعلية لقطاع البترول.

وإذا استطاع الوزير جو صدّي تحقيق هذين الإنجازين خلال عمر الوزارة القصير، فذلك يكفي. ولأنه يفترض أن يكون متحرراً من «هم» الانجاز الشخصي والحزبي، فالأفضل أن لا يسعى لتحقيق أي إنجاز في قطاع النفط والغاز والطاقة المتجددة. لأن الأسس التشريعية والتنظيمية والإدارية التي سيعتمد عليها هي إما معدومة أو «ملغومة». ولن يكون هناك أي مجال لمجرد الحديث عن إنجازات على مستوى المشاريع والاستثمارات والقروض والمساعدات بدون إصلاحات جدية ومستدامة.

وفي مقاربة الإصلاحات الجدية، يواجه وزراء حكومة العهد الأولى، تحدياً مزدوجاً. وجهه الأول مواجهة الذات. فالإصلاح يحتاج إلى إصلاحيين محصنين ضد إغراءات السلطة والنفوذ والمصالح. ويبدو للوهلة الأولى أن غالبية الوزراء هم من هذا الصنف، ممن وصلوا إلى الوزارة بعد أن حققوا «أمجادهم» المهنية وربما المالية. ما يسمح بالافتراض أنهم ينظرون إلى العمل الحكومي كما يجب أن يكون، أي خدمة عامة.

إقرأ أيضا: حاصباني لـ «طاقة الشرق»: لإعطاء هيئة البترول صلاحيات هيئة ناظمة

ويسجل في هذا السياق للوزير جو صدّي وضع إنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء على رأس الأولويات. بما يحمله ذلك من دلالات على استعداده للتضحية بالمصالح الشخصية والحزبية على مذبح الخدمة العامة. لأن الهيئات الناظمة تقلص الصلاحيات شبه المطلقة للوزير، التي تجعل الوزارة في خدمته وخدمة مصالح حزبه وطائفته ومذهبه ومنطقته. ولذلك تعتبر هذه الصلاحيات من الثغرات واجبة التعديل في الدستور، كما ثبت بالتجربة.

لبنان: الطاقة المتجددة الموزعة تائهة بين صلاحيات الوزير والهيئة الناظمة

أما الوجه الثاني للتحدي فسيكون مواجهة المنظومة الحاكمة والمتحكمة. والتي قد تكون إنحنت قليلاً لتمر العاصفة. ولكن يخطئ من يظن أنها ضعفت أو تراجعت. فهي متجذرة وراسخة في السياسة والقطاع العام، كما في الاقتصاد والقطاع الخاص. ولن تستسلم أو حتى تهادن. وستمارس شتى أنواع الضغوط لعرقلة الإصلاح، وخاصة ما يتعلق منه بإنشاء الهيئات الناظمة. وستكون العبرة في صلابة المواجهة، مقرونة بحكمة المناورة. علماً أن تشكيل الهيئة الناظمة لا تتم بقرار من الوزير. ولكنه يستطيع أن يضعها على طاولة الحكومة المفترض أنها الحكومة الأولى منذ اتفاق الطائف، المؤهلة والقادرة على اتخاذ القرار ووضعه بعهدة النواب وأحزابهم وطوائفهم ليتحملوا مسؤولية رفضهم أمام الناخبين أولاً، وأمام المجتمع الدولي وعقوباته ثانياً.

 إدارة قطاع البترول

مع التسليم بأهمية الهيئة الناظمة في قطاع الكهرباء لارتباطه الوثيق بإعادة تحريك العجلة الاقتصادية، وبحياة الناس. لكن إصلاح قطاع النفط والغاز قد يكون أكثر أهمية في هذه المرحلة. والمدخل الرئيسي لإصلاح القطاع وإطلاق ورشة الاستثمار فيه، هو إنشاء هيئة ناظمة فعلية وليس هيئة ملحقة بالوزير كما هو الوضع حالياً. مع الاعتراف بالدور الكبير الذي لعبته الهيئة الحالية رغم انعدام صلاحياتها ورغم الإهمال المتعمد لها.

أما المدخل الثاني فهو إعادة النظر بالإطار التشريعي والتنظيمي. وبخاصة الجوانب المتعلقة بمشاركة الدولة في ملكية الموارد النفطية من خلال إنشاء شركة نفط وطنية. والتي تم استبعادها بموجب المراسيم التطبيقية للقانون واتفاقيات الاستكشاف والانتاج، التي أطلقوا عليها «تحبباً» إسم اتفاقيات مشاركة بالإنتاج.

أقرأ أيضا: لبنان: الأولوية لإنشاء شركة وطنية للنفط وهيئة وطنية للترسيم

إقرأ أيضاً: لبنان: ملابسات وتساؤلات حول دورة التراخيص الثالثة

ويدرك الوزير جو صدّي أكثر من غيره، أن إصلاح القطاع هو السبيل المضمون لدفع شركة توتال وقطر للطاقة وإيني وبقية الشركات الدولية، للعمل في لبنان، وليس ممارسة الضغوط السياسية عليها. فهذه الشركات يهمها قبل وجود النفط والغاز وجود مناخ استثماري ملائم، قوامه الاستقرار السياسي والتشريعي والتنظيمي والإداري. فشركة توتال اكتفت بتنفيذ الحد الأدنى من التزاماتها أو أقل من الحد الأدنى، ليس لأنها مشاركة في حملة «تركيع لبنان». بل لأنها رفضت «تركيعها» من قبل أركان المنظومة، بتدخلات وملابسات و «بهلوانيات» لا تخطر على بال. تبدأ من القاعدة اللوجستية، وتمر بمسرحية إقفال دورة التراخيص الثانية ومحاولة تغيير شروط العقد بعد تقديم المزايدة. ولا تنتهي بملابسات اتفاقية البلوك رقم 9 و «لغم» ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وسوريا واستكماله مع إسرائيل.

… فإفعلها يا معالي الوزير

ملاحظة هامشية:

قد يكون المؤشر الأول على أداء الوزراء الجدد، هو رفضهم للمظاهر «المستفزة» مثل المواكب الأمنية وكثرة الإطلالات الإعلامية، فالناس تنتظر عملاً وليس استعراضات في الشوارع وعلى الشاشات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: