هل تعرقل إسرائيل تفعيل اتفاقية تصدير الغاز إلى أوروبا عبر مصر
تسير مصر بخطى ثابتة لترسيخ موقعها كمركز إقليمي للغاز في شرق المتوسط، وآخر الخطوات كانت الاجتماع الذي حصل في 13 فبراير الماضي على هامش مؤتمر “إيجيبس 2023”. وخصص لبحث تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة في يونيو 2022 بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي. لتصدير الغاز الإسرائيلي عبر مصر، ومدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد تلقائيا لمدة عامين.
مع أن أوروبا تستأثر حالياً باستيراد الجزء الأكبر من صادرات الغاز المصرية (حوالي 70 في المئة). لكن يبدو ان تنفيذ المذكرة يحتاج إلى تذليل بعض العقبات المتعلقة بالموقفين الأوروبي والإسرائيلي. وأهمها تحديد الكميات التي سيتم تصديرها من إسرائيل إلى محطات التسييل المصرية. وكذلك تحديد الكميات التي سيلتزم الاتحاد الأوروبي باستيرادها. ويلاحظ وجود نوع من تضارب المصالح والتوجهات بين الأطراف الثلاثة.
مصر تريد صيغة العقود طويلة الأجل
بالنسبة لمصر، فلديها مصلحة مؤكدة باتفاقيات ملزمة لتحديد الكميات المستوردة من إسرائيل والمصدرة إلى أوروبا. على أن تترجم إلى عقود متوسط أو طويلة الأجل تتضمن الكميات والأسعار. وذلك بغرض ضمان استقرار سوق الغاز استيراداً وتصديراً، وثبات معدلات تشغيل محطات التسييل، دون الاضطرار إلى استخدام الإنتاج المصري من الغاز الذي يخصص الجزء الأكبر منه للسوق المحلية. يضاف إلى ذلك أن هذا النوع من العقود وبالتالي استقرار السوق، يصب في خدمة هدف مركزي وهو ترسيخ موقع مصر كمركز إقليمي للغاز.
الوزير طارق الملا، “مهندس” تحويل مصر إلى مركز إقليمي للغاز
وكان وزير البترول المصري طارق الملا، قد أشار في مؤتمر صحافي في خليج السويس إلى أن “مصر تسعى لضمان تشغيل محطات التسييل على مدار العام بكامل طاقتها التي تبلغ حوالي 2.1 مليار قدم مكعب يومياً” وأكد على إمكانية إضافة “خط أو خطَّين جديدين للتسيل في حال الوصول إلى الطاقة الكاملة”.
… ومعارضة إسرائيل وأوروبا
وبالنسبة لإسرائييل، فالمؤكد أيضاً أنها ستسعى جاهدة لتجنب الالتزام بعقود طويلة أو متوسطة الأجل وبكميات محددة، لاعتبارات تتعلق باحتمالات عدم قدرتها على الالتزام بها. ويرجع ذلك إما لحرصها على تلبية أي زيادة في احتياجات السوق المحلية، وإما لتخوفها من تعثر عمليات الاستخراج لأسباب سياسية وأمنية خاصة في حقولها الشمالية.
إما أوروبا ورغم تعطشها لأي كميات متوافرة من الغاز، فتميل إلى الاعتماد على السوق الفورية لتوفير احتياجاتها. ويرجع ذلك إلى سياسة ثابتة اعتمدها الاتحاد الأوروبي منذ سنوات برفض اعتماد صيغة العقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز. وهي السياسية التي اشعلت خلافاً حاداً مع دولة قطر وصل إلى القضاء بدعوى الاحتكار وضرب المنافسة الحرة. قبل أن يتراجع الاتحاد جزئيا عن هذه السياسة ويبرم عقوداً طويلة الأجل مع قطر، تحت ضغط الحاجة الماسة لتعويض جزء من الغاز الروسي.
ترجيح حل العقود متوسطة الأجل
يشار هنا إلى مشكلة محدودية كميات الغاز الفائضة عن حاجة الأسواق المحلية في شرق المتوسط، في ظل عدم تحقيق أي اكتشافات كبيرة منذ الإعلان عن حقل ظهر. وذلك باستثناء حقل “نرجس” المصري الذي تم الإعلان عنه مؤخراً. وكان الوزير الملا قد أعلن أن “مصر تتوقع استقرار إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال عند حوالي 7.5 ملايين طن هذا العام”. مع تحقيق رقم قياسي في الصادرات بلغ 8 ملايين طن في 2022 مقارنة بنحو 7 ملايين طن العام السابق. وبلغت قيمة هذه الصادرات حوالي 8.4 مليار دولار مقابل 3.5 مليار دولار في 2021.
يرجح أن تنجح مصر بالتوصل إلى حلول وسط لتجاوز هذه الإشكالية، وذلك ما عبر عنه وزير البترول بقوله ان الاجتماع استهدف مراجعة المباحثات التي جرت في إطار مجموعات العمل التي تم تشكيلها لتنفيذ مذكرة التفاهم، تمهيدا لعرضها على الوزراء المعنيين. معرباً عن “تطلعه إلى مناقشة تطورات التنفيذ في الاجتماع الوزاري المقبل لمنتدى غاز شرق المتوسط”.
“هندسات” تصدير الغاز الإسرائيلي عبر مصر
لا يمكن فهم أبعاد اجتماع اجتماع 13 فبراير 2023، إلا إذا وضع في سياقه الصحيح باعتباره حلقة في سلسلة متشابكة ومتدرجة من “الهندسات” البترولية والقانونية والمالية وحتى السياسية، التي يقودها المهندس طارق الملا، بدعم واحتضان من القيادة السياسية. فهو جاء تنفيذاً لمندرجات زيارة تاريخية قام بها الملا لإسرائيل في فبراير 2021، تم خلالها توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم هي:
أولاً: اتفاقية لاستجرار حوالي 64 مليار متر مكعب من حقلي تمار ولفياثان إلى محطة دمياط للتسييل، مدتها عشر سنوات، وقيمتها نحو 15 مليار دولار. وتم توقيع الاتفاقية بين شركة نوبل إنيرجي الأميركية وشركة دولفينوس المصرية. أي انها بين شركات خاصة، كما إن نقل الغاز سيتم أيضاً عبر خطوط أنابيب تملكها شركات خاصة.
ستبقى مصر حتى إشعار آخر الخيار الوحيد لتصدير غاز شرق المتوسط
ثانياً: مذكرة تفاهم بين الكونسورتيوم المالك لامتياز حقل غزة مارين. ويضم صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين CCC، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”. وتهدف إلى تطوير وإعادة تشغيل الحقل لتوفير احتياجات فلسطين من الغاز. مع إمكانية تصدير جزء من الإنتاج إلى مصر لتسييله وإعادة تصديره إلى الخارج. وتحويل العوائد المالية مباشرة إلى الفلسطينيين. ومعروف أن هذا الحقل اكتشف في العام 2000. ويقدر مخزونه بحوالي 30 مليار متر مكعب. أي ما يكفي لسد حاجة دولة فلسطين بقطاعها وضفتها لمدة 25 عاماً. ولكن إسرائيل نجحت بتعطيل تطويره منذ ذلك الحين. وذلك على الرغم من قوة الكونسورتيوم الذي فاز به في تلك المرحلة وضم “بريتش غاز” البريطانية. وقد باعت الشركة حصتها في العام 2016، إلى شركة “شل”. والتي خرجت بدورها من المشروع في العام 2018.
تشغيل محطة دمياط
ثالثاً: سبق ذلك اتفاقية بالغة الأهمية لإعادة تشغيل محطة دمياط بعد توقفها في العام 2013 بسبب تراجع إنتاج الغاز المصري. ونشب نزاع قضائي مع مع شركة ناتورجي الإسبانية التي تمتلك 40 في المئة في المحطة. حصلت بموجبه على حكم بتحميل مصر غرامة قدرها 2.13 مليار دولار كتعويض. وقاد الوزير الملا ورئيس شركة إيني التي تمتلك 40 في المئة أيضاً، مفاوضات شاقة مع الشركة الإسبانية. أدت إلى إبرام تسوية تقضي بحصول شركة “ناتورجي” على 600 مليون دولار والتخلي نهائياً عن حصتها.
ويبدو واضحاً أن مصر حققت إنجازاً مثلث الأضلاع. فقد أنهت النزاع على محطة دمياط وأمنت لها مصدراً إضافياً وثابتاً للغاز لتشغيلها. كما انتزعت موافقة إسرائيل على وقف تعطيل استغلال حقل “غزة مارين”. واستغلت في سبيل ذلك الحاجة الملحة لتصدير الغاز الإسرائيلي عبر مصر. نظراً لعدم وجود أي بديل لمحطتي إدكو ودمياط.
الخيار الوحيد لتصدير غاز شرق المتوسط
وبالعودة إلى اجتماع 13 فبراير. يتضح أنه يأتي في سياق هذه الاتفاقيات الثلاث. إضافة بالطبع إلى الاتفاقية الموقعة مع قبرص في العام 2018 لاستجرار الغاز من حقل أفروديت إلى محطات التسييل المصرية. وليتضح المسار المتدرج لخدمة المشروع المركزي وهو تحويل مصر إلى مركز إقليمي للغاز. وهو ما لخصه الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوله: “إن مصر هي الدولة الوحيدة في منطقة شرق المتوسط التي تمتلك منشآت لتقديم خدمات بترولية. مضيفاً أنه كان لا بدّ من استثمار ذلك لاستقطاب الغاز القبرصي واللبناني والإسرائيلي”.
ويمكن القول أن مصر وحتى إشعار آخر هي الخيار الوحيد المتاح لتصدير الغاز من إسرائيل وكذلك قبرص ولبنان لاحقاً. إذ لا يمكن لإسرائيل أو غيرها من دول شرق المتوسط إقامة محطات جديدة للتسييل بسبب ضخامة التكاليف. وعدم وجود كميات كافية من الغاز فائضة عن حاجة الأسواق المحلية. أو إنشاء خطوط أنابيب بحرية سواء إلى تركيا أو إلى أوروبا كخط “إيست ميد” الذي سيبقى مشروعاً على الورق.