أين العدالة في هدف صافي الانبعاثات الصفري؟
بقلم: Lara Williams، بلومبرغ
عندما يتعلق الأمر بسياسة المناخ؛ فإنَّ صافي الانبعاثات الصفري هو هدفنا المرجعي – هدف الدول والشركات على حد سواء – لكن مع بلوغ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذروتها، وتصاعد المشاعر المتشككة تجاه تغير المناخ؛ فإنَّه من الجدير بنا النظر فيما إذا كنا قد نسينا مجتمعاتنا في سعينا لتحقيق التوازن بين الأرقام.
لا شك أنَّ صافي الانبعاثات الصفري دقيق علمياً، ولحسن الحظ، يسهل فهمه – حيث يحوّل كتلة معقدة من الصناعات، والتقنيات، والأنظمة إلى معادلة واحدة سهلة الفهم – حيث يتوجب علينا موازنة الغازات الدفيئة التي نضخها في الغلاف الجوي مع ما نزيله منه، ويجري ذلك على الأرجح من خلال مزيج من النظم البيئية الطبيعية المستعادة، والأساليب الهندسية ذات التكنولوجيا المتطورة، من أجل مكافحة تغير المناخ. ولتحقيق هذا التوازن؛ من الواضح أنَّه يتعين علينا خفض الانبعاثات بشكل كبير.
لكن وبرغم أنَّ تحقيق صافي الانبعاثات الصفري ضروري للغاية، لكنَّنا نواجه حالياً خطر الانحراف عن الهدف الأصلي.
دعونا نستعرض “اتفاقية باريس” لعام 2015 مرة أخرى. الالتزام بصافي الانبعاثات الصفري يكمن في المادة (4.1):
“من أجل تحقيق هدف درجة الحرارة الطويل الأجل المحدد في المادة 2، تهدف الأطراف إلى تحقيق وقف عالمي لارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة في أقرب وقت ممكن، مُسلِّمة بأن وقف ارتفاع الانبعاثات سيتطلب وقتاً أطول من البلدان النامية الأطراف؛ وإلى الاضطلاع بتخفيضات سريعة بعد ذلك وفقاً لأفضل المعارف العلمية المتاحة، من أجل تحقيق توازن بين الانبعاثات البشرية المنشأة من المصادر وعمليات إزالتها بواسطة منافذ إزالة الكربون في النصف الثاني من القرن، على أساس الإنصاف وفي سياق التنمية المستدامة والجهود الرامية إلى القضاء على الفقر”.
غياب العدالة المناخية
تبع ذلك سلسلة من التعهدات الوطنية التي تهدف إلى تحقيق هذا التوازن بحلول 2050، التي تغطي حتى الآن 92% من إجمالي الإنتاج المحلي العالمي، و88% من الانبعاثات. لكنَّ راديكا خوسلا، الأستاذة المساعدة في “كلية سميث” بـ”جامعة أكسفورد”، أخبرتني أنَّ مسألة العدالة المناخية، على الرغم من وضوحها في الاتفاقية؛ فإنَّها كانت غائبة عن معظم خطط صافي الانبعاثات الصفري اللاحقة. على الرغم من أنَّ صافي الانبعاثات الصفري بحد ذاته ليس مسؤولاً عن خلق عدم المساواة حول تغير المناخ؛ فإنَّ السعي نحوه يمكن أن يجعل الأمور أسوأ.
ورقة بحثية لـ خوسلا مع زملائها في “جامعة أكسفورد” أربعة اتجاهات تفاقم عدم المساواة وهي:
- التركيز على تحديد الهدف العددي.
- تأجيل العمل إلى المواعيد النهائية لمنتصف القرن.
- تزايد الاعتماد على تطوير تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون (CDR)، التي لم يتم اختبارها على نطاق واسع.
- زيادة تهميش التكيف مع المناخ.
باختصار، بدلاً من أن تكون خطوة نحو خفض الانبعاثات بشكل سريع، زادت التعهدات بصافي الانبعاثات الصفري من اعتمادنا على تطوير تقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون، ورسّخت آثار التغير المناخي وسط استمرار ارتفاع درجات الحرارة.
أوضحت خوسلا أنَّ كل طن من الكربون المنبعث أو غير المنبعث له آثار مختلفة على الإنصاف، الذي لا يأخذه مجرد التوازن العددي للانبعاثات وعمليات إزالته في عين الاعتبار.
التخلص من الوقود الأحفوري
دعنا نتخيل ذلك السيناريو المبسط والافتراضي الذي نختار به الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري، لكنَّنا قادرون على تعويض كل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة بواسطة عمليات الإزالة. ضمن هذا السيناريو، سنكون قد حققنا صافي الانبعاثات الصفري تقنياً، لكنَّنا فشلنا في حل المخاطر البيئية والاجتماعية المرتبطة باستخراج الوقود الأحفوري، مثل تلوث الهواء الخطير، المسؤول عن حوالي 7 ملايين حالة وفاة سنوياً، الذي عادةً ما يكون أسوأ في المناطق الفقيرة.
من ناحية أخرى، تخيل أنَّنا نستثمر في التخلص من الوقود الأحفوري قبل عام 2050 بكثير. سيكون لهذا الأمر فوائد مشتركة وفيرة، مثل الهواء النظيف وأنظمة الطاقة اللامركزية. يمكن أن تركز إزالة ثاني أكسيد الكربون، التي من المحتمل أن نظل بحاجة إليها، على تنظيف الانبعاثات المتبقية من القطاعات التي يصعب تخفيفها، وما تم انبعاثه في الماضي.
تلك الانبعاثات التاريخية هي واحدة من أوضح الطرق التي تفشل فيها الالتزامات بصافي الانبعاثات الصفري فيما يتعلق بالعدالة المناخية. وبحسب الوضع الراهن؛ فإنَّ القليل جداً من التعهدات تحتسب ثاني أكسيد الكربون المتراكم بالفعل في الغلاف الجوي. يدور جزء كبير من الحوار اليوم حول إقناع الجميع على الالتزام بصافي الانبعاثات الصفري، ولكن يمكن القول إنَّ ذلك لا يأخذ في الاعتبار حقيقة أنَّ البلدان ذات الدخل المرتفع هي المسؤولة عن غالبية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حتى الآن.
الانبعاثات التاريخية
يتطلب الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بطريقة أكثر عدلاً، الحفاظ على التركيز العالمي للهدف الأصلي، بدلاً من مجموعة من التعهدات الوطنية المشوشة. يجب أن يقع العبء على عاتق الدول المتقدمة لتقليل الانبعاثات بسرعة، واستهداف صافي الانبعاثات السلبية (إزالة أكثر مما نبعث)، في حين ربما ينبغي السماح للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بإطلاق الانبعاثات لفترة أطول قليلاً خلال رفعها لمستوياتها المعيشية.
يمكن أن يتم احتساب الانبعاثات التاريخية في التزامات استرداد الكربون، وهي سياسة مقترحة تقوم على فرض رسوم على منتجي الوقود الأحفوري لدفع تكاليف تنظيف الكربون من منتجاتهم، وقد حظيت بدعم من العلماء والمديرين التنفيذيين السابقين في صناعتي النفط والغاز.
مراعاة الفئات الأضعف
يُذكر أنَّه في أوروبا والولايات المتحدة، يتزايد وجود حركة متشككة في تغير المناخ، وتتعالى ادّعاءات تأثير صافي الانبعاثات الصفري السلبي على جيوب الطبقة العاملة. في الدنمارك، على سبيل المثال، نزل سائقو الشاحنات إلى الطرق مؤخراً للاحتجاج على ضريبة الطرق الخضراء الجديدة التي من شأنها أن تفرض رسوماً على مركبات البضائع الثقيلة التي تعمل بالديزل أو البنزين على أساس كل كيلومتر. في حين أنَّ الحكومة الدنماركية محقة في دفع التحول نحو المركبات الكهربائية إذ يجب تقديم تنازلات؛ فإنَّ عدم الرضا ربما يكون علامة على أنَّهم يجعلون الأشخاص الخطأ يدفعون الثمن.
احتراماً لمعايير الملكية الفكرية وحقوق الناشر،
لقراءة بقية المقال يرجي الضغط على الرابط: