تمويل الطاقة المستدامة: الأدوات والاعتبارات الاقتصادية
بحسب العلماء، فإن مستوى الاحترار الذي بلغته الكرة الأرضية اليوم هو الأعلى منذ نحو 120 ألف سنة. وفي المدى القصير، فإن السنوات السبع الأخيرة شهدت أعلى مستوى من الاحترار منذ بدء السجلات في هذا المجال.
وتشير التقديرات أنه في العام 2022 فقط، أنفق العالم نحو 29 مليار دولار لمواجهة الكوارث الطبيعية التي نتجت عن الاحترار. يشمل ذلك العواصف والفيضانات في عدة دول آسيوية، والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة في الدول الأوروبية. والحرائق الكبيرة التي قضت على مساحات شاسعة من الغابات المعمرة.
باختصار، لا نبالغ بالقول أن العالم يواجه اليوم أزمة مصيرية ستتعاظم مع استمرار النمو السكاني، وبالتالي تعاظم استهلاك الطاقة الأحفورية. ويترافق ذلك مع تراجع المساحات الخضراء وتلوث البيئة والبحار والقضاء التدريجي على التنوع البيئي.
والحلول المطلوبة لمواجهة المخاطر البيئية الداهمة باتت واضحة وإن لم تكن سهلة. لعل أهمها الانتقال على النطاق العالمي لمصادر الطاقة المستدامة.
لكن أخذاً بالاعتبار أن الوقود الأحفوري لا يزال يشكل حوالي 80 في المئة من استهلاك الطاقة في العالم. والأهم أن الفحم الحجري لا يشكل نحو 37 في المئة من الوقود المستعمل في إنتاج الكهرباء عالمياً. وبالتالي فإن الطريق نحو تحول أساسي إلى مصادر الطاقة النظيفة على النطاق العالمي، لا تزال طويلة ومكلفة جداً.
قضية التمويل والاستثمارات
تطرح هذه المعطيات سؤالاً أساسياً حول كيفية تمويل الاستثمارات الضخمة المطلوبة لتطوير الطاقة المتجددة. خاصة وأن المصادر التي قد تشكل تغييراً جذرياً في مزيج الطاقة مثل الإندماج النووي، تتطلب استثمارات ضخمة لتطوير التكنولوجيا اللازمة. وذلك قبل الحديث عن الاستثمارات المطلوبة لبناء المحطات في مختلف أنحاء العالم.
ارتفاع الإنفاق على تطوير تكنولوجيا الطاقة المستدامة إلى 1 تريليون دولار في 2022
وفي محاولة الإجابة على ذلك فلا بد من أخذ ما يلي بالاعتبار:
- يذكر تقرير للبنك الدولي صدر مؤخراً، أن الإنفاق على تطوير تكنولوجيات الطاقة المستدامة تجاوز 1 تريليون دولار في العام 2022. وذلك بعد ارتفاع نسبته 19 في المئة خلال مقارنة بالعام السابق.
- حلت الصين في المرتبة الأولى عالمياً من حيث الاستثمار في تكنولوجيات الطاقة المستدامة كنسبة من الناتج المحلي. وبلغت هذه النسبة حوالي 1.5 في المئة. والملفت أن الدول التي حلت بعد الصين كانت فيتنام وأذربيجان والبوسنة.
- دول الخليج العربي تعتبر اليوم في طليعة الدول العاملة على تطوير الطاقة المستدامة حيث من المتوقع أن تضيف دول مجلس التعاون 40 جيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول العام 2030. وليس لدى هذه الدول مشكلة في تمويل المشاريع أخذاً بالاعتبار الموارد المالية الكبيرة المتاحة لها بشكل عام.
- بحسب منتدى الاقتصاد العالمي، فإن الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ستكون في الطليعة عالمياً في الاستثمار في تطوير الطاقة المستدامة خلال السنوات العشر المقبلة حيث ستنفذ مشاريع لإنتاج 577 جيغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية و 4.8 جيغاواط من طاقة الرياح.
ماذا عن الدول الصناعية
كل ذلك لا يشمل المشاريع القائمة والمخططة أو المطلوبة في الدول الصناعية، وهي المسؤول الأول عن الانبعاثات المضرة بالبيئة، وكذلك الدول الفقيرة في أفريقيا وأميركا الجنوبية. فكيف سيمكن تمويل كل ذلك؟
يذكر تقرير سابق لصندوق النقد الدولي ان العالم سيحتاج إلى إنفاق 4 تريليون دولار في السنة على الاستثمار في مصادر الطاقة المستدامة حتى العام 2030 لتحقيق هدف تخفيض الانبعاثات. ما يسهم في تخفيض مخاطر التلوث الداهم
تمويل الانتقال
يقول صندوق النقد أن الانتقال التدريجي نحو الطاقة المستدامة، يمكنه أن يوفر على العالم نحو 4.2 تريليون دولار في السنة، التي تنفق لمواجهة تداعيات التلوث والاحتباس الحراري. وهي تداعيات ستتقلص مع تراجع الاعتماد على الطاقة الأحفورية. ولعل تكلفة الفياضانات الهائلة التي حدثت في الصين مؤخراً كما في دول أخرى مثال بسيط عما سيتجنبه العالم من الانتقال إلى الطاقة المستدامة.
كذلك وبحسب تقديرات وتوقعات صندوق النقد، ان تكلفة دعم استهلاك الطاقة الأحفورية في مختلف أنحاء العالم المعتمدة حالياً ومستقبلاً ستفوق مبلغ الـ 4.2 تريليون دولار المطلوب لتحقيق تخفيض الاعتماد على الطاقة الأحفورية حتى العام 2030.
واستطراداً من ذلك يمكن الاستنتاج أن العديد من الدول، وخاصة دول الخليج العربي والدول الصناعية، بما في ذلك الصين وبعض دول شريق آسيا على الأقل، ستكون قادرة على تمويل وتحقيق أهداف الانتقال إلى الطاقة النظيفة حتى العام 2030 مدفوعة بذلك بالمخاطر البيئية المتزايدة التي تواجهها.
المؤسسات الدولية والسندات الخضراء، المصدر الأساسي لتمويل الطاقة المستدامة في الدول الفقيرة
مساعدات لأفريقيا وأميركا الجنوبية
أما الدول الفقيرة في أفريقيا وأميركا الجنوبية سيمكنها الإفادة من العديد من المبادرات لتمويل الطاقة النظيفة ومنها مثلاً من بنك الاستثمار الأوروبي (ETB) الذي قرر تخصيص 50 في المئة من تمويله أو 1 تريليون دولار تقريباً لتمويل مشاريع البيئة والطاقة النظيفة وكذلك ما يعرف بالسندات الخضراء التي أطلقها البنك الدولي في العام 2008. وهي تهدف إلى تمويل مشاريع الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم. وكذلك مبادرة ما يعرف بـ “سندات الطقس” وهو مشروع دولي أطلق في العام 2014 وهدفه استغلال القوة التمويلية في سوق السندات العالمي البالغة 100 تريليون دولار لتمويل مشاريع المحافظة على المناخ والطاقة النظيفة. علماً أن مجموع إصدارات السندات الخضراء من خلال هذه المؤسسة وغيرها بلغ 2.33 ترليون دولار مع بداية العام 2023.