غاز لبنان: بين الوعود والحقائق
بعد طول انتظار، وبعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وصلت منصة الحفر إلى البلوك رقم 9 في المياه البحرية اللبنانية. لتبدأ رحلة ما يؤمل أن يكون عصر جديد للاقتصاد اللبناني الذي يعاني من ركود مميت وتفكك في هيكلية النظام السياسي والاجتماعي غير المسبوق. واستغلت المنظومة السياسية هذه التطورات لإطلاق الوعود بأن الثروة البترولية الموعودة، ستغير المعادلة الاقتصادية. وذلك بهدف تفادي الإصلاحات الاقتصادية الجذرية المطلوبة بأسرع وقت ممكن.
والأمل معقود بالطبع على أن يصبح لبنان خلال ثلاث إلى خمس سنوات دولة منتجة للغاز وربما النفط. وأن تتسارع عمليات الاستكشافات في البلوكات البحرية الأخرى بما قد يزيد من الاحتياطيات القابلة للاستخراج. لكن كل ذلك سيستغرق عدة سنوات، وهو يبقى بعيدا عن الحلول الآنية المطلوبة لمعالجة التردي المستمر في الهيكلية السياسية والاقتصادية في لبنان.
المبالغة في التوقعات
ومع ترجيح وجود كميات تجارية في المياه البحرية اللبنانية استناداً إلى المسوحات الزلزالية، فلا بد التنبه إلى ما يلي:
أولا: لا يمكن تكوين فكرة واضحة عن الاحتياطيات القابلة للاستخراج بناء على التقديرات والتحاليل المتوفرة حتى الآن. علما أن التقديرات الحالية لاحتياطي الغاز اللبناني لم يزل أولياً بانتظار استكمال عمليات حفر أكثر من بئر وفي مختلف البلوكات. بانتظار استكمال عمليات الاستكشاف في البلوكات البحرية الأخرى، يمكن القول أن الاحتياطي المقدر الحالي ليس بالحجم الذي يجعل لبنان في مصاف الدول المصدرة للغاز. ولعله بالكاد يكون كافيا للتعويض عن الخسائر الضخمة الناتجة عن الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ سنوات. وعلى أي حال ومع ضرورة الحذر من التوقعات الإيجابية المفرطة، فإنه لا شك بأن أي اكتشاف تجاري للغاز سيشكل صدمة إيجابية، ويسهم في توفير ظروف أفضل لنهضة الاقتصاد اللبناني إذا ما أحسن استغلاله.
الغاز والاقتصاد الانتاجي
ثانيا: بالعلاقة مع ما سبق، فقد كان النظام الاقتصادي والمالي، ولم يزل، يعتمد على الإنفاق الاستهلاكي كمحرك أساسي للحركة الاقتصادية. وتستند هذه الحركة بشكل رئيسي على القطاع العقاري والتحويلات من الخارج والفوائد المصرفية والسياحة بدلا من الإنتاج. وهو ما عمق من حدة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان حاليا. إضافة بالطبع إلى الفساد المستشري على جميع المستويات والذي تعاظم في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. ولعل في الدعوات المتزايدة هذه الأيام لإنشاء ما يعرف بـ “الصندوق السيادي” نوايا مبطنة للسيطرة على ايرادات الغاز وربما النفط.
ثالثا: توقعت وزارة الطاقة والمياه في دراسة وضعت في العام 2019، أنه مع اكتشاف الغاز وبدء الإنتاج سيتم تحويل أكثرية محطات الكهرباء العاملة على الديزل وزيت النفط إلى الغاز. وأنه سيتم الاتفاق مع شركات خاصة لبناء ثلاث محطات كهربائية جديدة عاملة على الغاز. بما يحقق الاكتفاء الذاتي للكهرباء في لبنان. والسؤال هو: ماذا ستكون نسبة الاستهلاك المحلي من الغاز في هذه الحالة، وكم سيبقى للتصدير؟ وهو أمر سيعتمد على حجم الغاز المكتشف والمتوفر، إضافة إلى كيفية تمويل الأنابيب الضرورية لاستجلاب الغاز من المناطق البحرية وتوزيعها داخليا.
الحذر من التوقعات المفرطة
رابعا: صدرت في السنوات الأخيرة توقعات مبالغ فيها حول إيرادات لبنان المتوقعة من الغاز، منها مثلا بأنه قد يحقق 8 مليار دولار من النفط والغاز في السنة الأولى من الإنتاج وأن الاحتياطيات ستصل إلى 250 مليار دولار خلال 20 سنة. ويبدو أن هذه الأرقام مبالغ فيها جدا. ويستند ذلك إلى أرقام الإنتاج والتصدير في إسرائيل التي حققت اكتشافات كبيرة مثل حقلي ليفياتان وتمار والعديد من الحقول الأصغر. وكذلك في مصر التي تمتلك تاريخاً طويلاً في الصناعة النفطية.
لكل هذه الأسباب يجدر الحذر من التوقعات الإيجابية المفرطة.