إنقلاب النيجر: النفط للصين واليورانيوم لإيران.. ولا عزاء لأميركا (1 من 2)
- النيجر تطرد القوات الأميركية والفرنسية، وروسيا «تحتل» القواعد العسكرية الأميركية بأقل من 100 جندي من «الفيلق الأفريقي» (فاغنر سابقاً). وقادة إنقلاب النيجر يفاوضون إيران لتزويدها باليورانيوم.
- بنين تمنع الناقلات الصينية من تصدير أول شحنة من نفط النيجر. وتعلن استعدادها لاستضافة القوات الأميركية.
هذه الصورة السوريالية التي تضخم دور القوى المحلية و «شبه الدولية» (روسيا وفرنسا)، تخفي حقيقة الصراع الدائر في الساحل الأفريقي وهو بين أميركا والصين. وليصبح السؤال هل يتطور الوضع إلى مواجهة بين الصين ووكليها الروسي وحلفائها الأفارقة من جهة. وبين أميركا ووكليها الفرنسي وحلفائها الأفارقة من جهة أخرى. أم يتطور نحو التفاهم وتقاسم النفوذ والمصالح بين أميركا والصين على حساب فرنسا وروسيا. وليصح تعميم أي من الاحتمالين على بقية بؤر الصراع في المنطقة من السودان إلى العراق مروراً بالقرن الأفريقي؟
تواجد راسخ للصين اقتصادي وعسكري
القول أن الصراع الفعلي في النيجر وأفريقيا عموماً، هو بين أميركا والصين ولتكون روسيا مجرد واجهة أو متراس. يستند إلى حقيقة أن الصين وليس روسيا من يمتلك وجوداً رئيسياً في النيجر. فالصين هي الدولة الأولى من حيث حجم الاستثمارات والمبادلات التجارية. وهي الدولة الأولى حالياً (بعد انسحاب فرنسا) من حيث حجم القوات العسكرية وإن كانت غير معلنة. وظهرت هذه القوات عند نشر 700 جندي نظامي خلال 24 ساعة، لحماية إنشاء خط لأنابيب النفط وحماية مشاريع التعدين. والصين هي الدولة الأولى من حيث الدعم الكبير والهادئ لإنقلاب النيجر. بعد أن عانت الأمرين على مدى سنوات من تعطيل مشاريع النفط واليورانيوم التي تمتلكها. وينطبق هذا الوجود القوي على أميركا في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
إقرأ أيضاًَ: إنقلاب النيجر: روسيا جندي في الجيش الصيني
وتمترس الصين وراء «سور عظيم» من إنكار التورط المباشر في الصراعات ودفع قوى «شبه دولية» ومحلية إلى الواجهة، هو تقليد راسخ في السياسة الصينية. ويبدو أنه لم يحن الوقت بعد لتغييره.
… وتواجد هامشي لروسيا
أما روسيا، فهي بعكس الصين وأميركا، كانت ولا تزال لاعباً ثانوياً في النيجر وفي أفريقيا عموماً. ويجدر التدقيق بحقيقة «الانتصارات التي سجلت بإسم روسيا» في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والسودان وصولاً إلى إنقلاب النيجر. فروسيا تتعامل مع الدول الأفريقية باعتبارها بيئة خصبة لنشاط الشركات العسكرية الخاصة. وتجد في مناخ عدم الاستقرار فرصة لتحقيق مكاسب سريعة بالشراكة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة. ويشمل ذلك استغلال مناجم الذهب وغيره من المعادن النادرة. وتصدير جزء كبير بطرق غير شرعية وتقاسم العوائد. وكذلك تهريب اللاجئين عبر الصحراء إلى ليبيا وتونس، لنقلهم إلى أوروبا والضغط عليها. ويستدل على ذلك من أن إجمالي حجم تجارة روسيا مع كل دول أفريقيا لا يتجاوز 18 مليار دولار. وإذا تم استثناء الدول العربية الأفريقية، ينخفض الرقم إلى حوالي 5 مليارات دولار. في حين يتجاوز حجم تجارة الصين 282 مليار دولار. وروسيا بهذا المعنى تشكل منافساً ومعطلاً لدور الصين. بقدر ما تشكل خصماً لأميركا.
إنقلاب النيجر
ولندع المعطيات وتسلسل الأحداث تثبت صحة هذا الاستنتاج. والتي جاءت كالتالي:
- إنقلاب النيجر في يوليو الماضي، بقيادة ضباط تلقوا تدريباتهم العسكرية في أميركا والصين وليس في روسيا. ولكن وسائل الإعلام ضجت بأخبار تورط مجموعة فاغنر مدعمة بصور لمتظاهرين مؤيدين للإنقلاب يرفعون الأعلام الروسية. وتم حصر المواجهة مع فرنسا في البداية. فكان القرار الأول لقادة الإنقلاب إخراج القوات الفرنسية. وفتح ملف اتفاقيات استغلال اليورانيوم والموارد المعدنية الموقعة مع شركات فرنسية.
- ترافق ذلك، مع المسارعة إلى تسهيل عمل الشركات الصينية في قطاعي النفط واليورانيوم، بعد سنوات من التعطيل والعرقلة بإشراف ودفع من الشركات والسلطات الفرنسية. فتم استكمال خط أنابيب النفط. كما تم تفعيل العمل في منجم ضخم للذهب. إضافة إلى المباشرة باستغلال منجم لليوارنيوم ظل معطلاً لعدة سنوات. وبالمقابل، قامت الصين بتوفير دعم مالي مباشر للحكم الجديد لمواجهة تداعيات العقوبات وحرمانه من مصادر التمويل والدين الدولية. فقدمت قرضاً بفائدة متدنية بقيمة 400 مليون دولار، يسدد بشحنات من النفط لمدة عام.
- حرص قادة الانقلاب على تحييد أميركا، والحفاظ على علاقات جيدة معها. ولكن الوضع تغير مع إقدام الإدارة الأميركية وتحت ضغط الكونغرس، على تصنيف الوضع في النيجر كإنقلاب عسكري. ما يعني تبعاً للقانون الأميركي وقف التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري معها. ووقف كل أنواع المساعدات وبينها 200 مليون دولار مساعدات ثنائية وتمويل بقيمة 302 مليون دولار من حساب تحدي الألفية.
أميركا ترتكب الخطأ القاتل
- ارتكبت أميركا الخطأ القاتل في منتصف شهر مارس 2024. حين سعى وفد كبير ضم مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي ورئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا الجنرال مايكل لانجلي إلى الضغط على قادة الإنقلاب بهدف الإسراع بالعودة إلى الحكم المدني. وبهدف الإعلان عن عدم الارتباط بعلاقات مع «خصوم أميركا». وتحذيرهم من مغبة مواصلة البحث مع إيران لتزويدها بكميات من اليورانيوم. وقد سارع المجلس العسكري فور انتهاء الزيارة إلى إعلان وقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وطلب مغادرة القوات الأميركية. وأنتقد «تعجرف المسؤولين الأميركيين. وسعيهم لمصادرة شعب النيجر وحقه باختيار شركائه وأنواع الشراكات المفيدة له» كما ذكر بيان أصدره المجلس.
- يشار هنا إلى أن المجلس العسكري النيجري دخل أواخر العام 2023 بمفاوضات مع إيران بشأن صفقة لتوريد اليورانيوم مقابل أسلحة وطائرات بدون طيار. كما وقع بالفعل اتفاقية مع شركة صينية حكومية للحصول على اليورانيوم مقابل أسلحة ومبالغ نقدية.
مفاوضات مع إيران لتوريد اليورانيوم مقابل أسلحة وطائرات بدون طيار. واتفاقية مع الصين لتصدير اليورانيوم مقابل أسلحة ومبالغ نقدية
إنقلاب النيجر وطرد القوات الأميركية
- في 12 إبريل قام 100 جندي من الفيلق الأفريقي (فاغنر) بدخول القاعدة الجوية في مطار نيامي. حيث يتمركز جزء من القوات الأميركية. وفي نهاية إبريل سحبت «الدولة العظمى» قواتها من قاعدة أغاديز. وهي أهم قاعدة عسكرية أميركية في الساحل الأفريقي. إذ تضم حوالي 1000 جندي أي ما يعادل خمس القوات الأميركية في أفريقيا. وذلك بهدف «تجنب أي احتكاك مع القوات الروسية يشيه ما حدث في سوريا»، كما أعلن وزير الدفاع لويد أوستن. وهو سبب غير مقنع ومثير للتساؤلات. إلا إذا كان الفيلق الأفريقي تحول بين ليلة وضحاها إلى الجيش الأحمر. في حين أن السبب الحقيقي، هو تجنب المواجهة مع جيش النيجر المدعوم بقوة من الصين. وذلك ما عبرت عنه رسالة نشرتها صحيفة واشنطن بوست موجهة من قائد كبير في القوات الجوية الأميركية إلى الكونغرس يتهم فيها كبار المسؤولين بالسعي اليائس للحفاظ على صورة الدولة العظمى. والقبول ببقاء 1100 عسكري أميركي «محتجزين كرهائن» من قبل الجيش النيجري.
إقرأ أيضاً: الصين ـ أميركا: من زواج المصلحة إلى المساكنة بالإكراه (1 من 3)
وكان لافتاً ومثيراً للتساؤلات، تسليم القواعد الفرنسية والأميركية وتلك العائدة للأمم المتحدة إلى الفيلق الأفريقي وليس إلى الجيش النيجري. ما يؤكد حرص «الأطراف الفاعلة» على دفع روسيا إلى واجهة الأحداث.
إقرأ في الجزء الثاني:
-
أبعاد وتأثيرات انسحاب القوات الأميركية بعد إنقلاب النيجر.
-
الرد الأميركي المرتبك والضعيف.
-
تعطيل تصدير النفط واستغلال مناجم الذهب.
-
الصين ـ أميركا: مواجهة أم تفاهم وتقاسم نفوذ؟