مصر والغاز الإسرائيلي: بين الارتهان والغاز المسال

تراهن مصر على زيادة وارداتها من الغاز الإسرائيلي لمواجهة مشكلة تدهور الإنتاج المحلي. ولكن ذلك يبدو خطة للمدى القصير في ظل التوترات التي تهدد الإمدادات. والأهم في ظل سعي إسرائيل لبناء محطة للتسييل والاستغناء بالتالي عن محطات التسييل المصرية. وليصبح الغاز المسال هو الخيار الأنسب لمصر وللأردن أيضاً.

كانت مصر قد أعلنت مؤخراً عن الاتفاق مع إسرائيل لزيادة واردات الغاز الطبيعي من 850 مليار قدم مكعب يومياً كما في شهر يوليو، إلى 1.2 مليار ق/م/ي في شهر أكتوبر. وتحقق هذه الزيادة مصلحة مشتركة للجانبين. فإسرائيل تضمن تسويق الفائض الناجم عن التباطؤ الاقتصادي بسبب تداعيات الحرب على غزة ولبنان. وكذلك بسبب الزيادة الكبيرة نسبياً في الإنتاج بعد عمليات التطوير المكثفة لبعض الحقول. أما مصر فتحصل على الغاز بسعر 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل حوالي 11 دولار للغاز المسال. وتستورد مصر الغاز من إسرائيل بموجب عقد مدته 10 سنوات، وقيمته 15 مليار .

تدهور الإنتاج وزيادة الاستهلاك

تعاني مصر مشكلة كبيرة في قطاع الغاز تتمثل بزيادة الاستهلاك وتدهور الإنتاج. حيث تراجع إنتاجها إلى أدنى مستوى له منذ 6 سنوات، ليصل إلى 4.6 مليار قدم مكعب يومياً. في حين تبلغ احتياجات السوق المحلية حوالي 6.2 مليار ق/م/ي. ويرجع الطلب الكبير على الغاز إلى زيادة الطلب على الكهرباء. إذ قفز الاستهلاك اليومي بنسبة 12 في المئة ليصل إلى حوالي 37 غيغاواط. ما خلق عجزاً قدره 4 غيغاواط. ولذلك شهدت مصر حالة تقنين قاسية خلال صيف العام الحالي.

إقرأ أيضاً: هل يكون قطاع الطاقة في إسرائيل بمثابة «كعب أخيل» إذا توسعت الحرب؟

أما تراجع الإنتاج فيرجع إلى سببين، الأول طبيعي و«مفهوم»، يتعلق بتقادم عدد كبير من الآبار. إضافة إلى عدم وجود اكتشافات جديدة يعتد بها.

مسؤولية الشركات الأجنبية

السبب الثاني، هو إداري ـ سياسي، و«غير مفهوم» أو تحيط به الشكوك والتساؤلات. ويتعلق بتعمد الشركات النفطية تخفيض الإنتاج كنوع من الضغط لتحصيل مستحقاتها المتراكمة منذ العام 2020. والتي بلغت في شهر مارس الماضي، حوالي 4.5 مليار دولار. وقد أقر وزير البترول المصري كريم بدوي علانية بذلك قائلآً: « المتأخرات المستحقة لشركات النفط الأجنبية، هي أحد أسباب تراجع إنتاج النفط والغاز بنسبة 25 في المئة تقريباً».

اقرأ أيضا: مصر تستورد الغاز: هل عرقلت الشركات الإنتاج لتحصيل مستحقاتها؟

لذلك بادرت الحكومة المصرية إلى الاتفاق مع الشركات على تسديد هذه المتأخرات على ثلاث دفعات. حيث تم تسديد الدفعة الأولى في يونيو الماضي، والثانية سيتم تسديدها في أكتوبر المقبل. والثالثة في يونيو 2025.

وللتذكير فإن هذه المشكلة عانت منها مصر في الفترة 2012 – 2016 حيث أدى تراكم المستحقات لتبلغ حوالي 6.5 مليار دولار، إلى تدهور خطير في الإنتاج وتعثر عمليات الاستكشاف والتطوير. وقد انقلب الوضع بالكامل بعد التسديد حيث قفز الإنتاج بمعدلات متسارعة. وتم تحقيق اكتشافات مهمة كان أبرزها حقل ظهر العملاق.

وبالفعل، فقد أعلن وزير البترول المصري أنه تم الاتفاق مع الشركات الأجنبية على زيادة الإنتاج من 4.6 إلى 5 م/ق/م يومياً قبل نهاية العام الحالي.

الارتهان للغاز الإسرائيلي

تواجه مصر في اعتمادها على الغاز الإسرائيلي، مشكلة عدم ثبات الكميات المتوافرة. وذلك إما بسبب التوترات الأمنية والعسكرية التي قد تؤدي في أي لحظة إلى قطع الإمدادات. كما حصل عقب العدوان على غزة حيث قامت إسرائيل بإغلاق منصة حقل تمار، وقطع الإمدادات نهائياً عن مصر. وإما بسبب عزم إسرائيل على بناء محطة عائمة لتسييل الغاز. ما يعني الاستغناء عن محطات التسييل المصرية. الأمر الذي يجعل مصر مستورداً صافياً للغاز الإسرائيلي. وتكون بالتالي تحت رحمة إسرائيل من حيث الكميات ومن حيث السعر. إذ أن إسرائيل سيكون من مصلحتها تصدير الغاز المسال بدل بيعه كغاز جاف إلى مصر. ما يسمح لها بتحقيق أرباح أعلى ومرونة أكبر في التسويق.

تدرس إسرائيل بناء محطة عائمة لتسييل الغاز، ما يؤدي إلى الاستغناء عن المحطات المصرية

وكانت شركة نيوميد NewMed الإسرائيلية الشريكة في حقل ليفياثان قد أعلنت في نهاية العام 2022 عن تخصيص 100 مليون دولار كدفعة أولى للبدء بإنشاء المحطة. وفي فبراير الماضي أعلن الرئيس التنفيذي للشركة أن «كل الشركاء في الحقل وكذلك الجهات المستوردة للغاز يترقبون إنجاز المحطة التي ستبلغ طاقتها الإنتاجية 21 مليار متر مكعب سنوياً».

مصر تستجير بالغاز المسال

كان الحل الوحيد  أمام مصر هو اللجوء إلى استيراد الغاز المسال. وتم التعاقد على شراء 21 شحنة خلال فصل الصيف. ولما كانت مصر لا تمتلك محطة للتغويز، بعد بيع المحطة العائمة التي كانت تمتلكها. فقد لجأت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» لاستئجار سفينة تغويز بعقد مدته خمس سنوات.

ولكن الخطوة الملفتة والتي قد تكون مرتبطة بوقف الارتهان للغاز الإسرائيلي، فكانت الإعلان عن مفاوضات مصرية أردنية لبناء محطة تغويز مشتركة. وقد بدأت المفاوضات فعلاً مع إحدى الشركات العالمية لبنائها. وهو ما يعني أن مصر والأردن تدرسان جدياً تقليص الاعتماد أو الارتهان للغاز الإسرائيلي.

… والأردن يدرس البدائل

المشكلة في الأردن، أكثر تعقيداً في ظل اعتماده على الغاز الإسرائيلي بنسبة تصل إلى 95 في المئة من احتياجاته. ويستورد الأردن هذا الغاز بموجب اتفاقية مدتها 15 عاماً وقيمتها حوالي 20 مليار دولار.

وكان الأردن قد بدأ مفاوضات مع عدة دولة عربية لاستيراد الغاز الطبيعي منها. وجاء ذلك في ظل تصاعد المعارضة الشعبية لاستيراد الغاز الإسرائيلي. حيث وافق مجلس النواب الأردني بالإجماع في يناير 2020 على عريضة وقعها 58 نائباً تلزم الحكومة بتقديم مشروع قانون يمنع استيراد الغاز من إسرائيل. ولكن هذا المشروع لم يتم تقديمه حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى