مؤتمر المناخ «كوب 29»: بين «الشعبوية» و «المصداقية»

كما أن الارتباك سيكون الصفة الملازمة للمبعوث الأميركي لشؤون المناخ، في مؤتمر كوب 29، بعد التغيير المرتقب في موقف أميركا من سردية التغير المناخي . فإن الارتباك و «إعادة تدوير» الخطابات سيكون أيضاً الصفة الملازمة للمؤتمر نفسه. وذلك بعد توالي المؤشرات على تعثر وتراجع الاندفاعة الدولية لمواجهة التغير المناخي.
هل انتهت الاندفاعة المناخية ؟
السؤال المشروع حالياً: هل يكون «كوب 28» الذي استضافته دولة الإمارات العام الماضي بحضور 100 ألف مشارك ومستوى تمثيل على مستوى رؤساء دول وحكومات، هو الخاتمة السعيدة لمرحلة الاندفاعة المناخية. وليصبح «كوب 29» بنصف عدد المشاركين وبالتمثيل «الهزيل»، هو المنعطف أو مفترق الطرق بين نهجين. الأول هو النهج الحالي القائم على شعارات «شعبوية» وأهداف خيالية تتعلق بالتخلص من الوقود الأحفوري. وعلى خطط غير واقعية تتعلق بتصفير الانبعاثات. والأهم من ذلك كله، القائم على مجرد التزامات كلامية بتمويل التحول الطاقي في الدول النامية.
لتغيير النهج الحالي القائم على شعارات «شعبوية» وأهداف خيالية للتخلص من النفط وتصفير الانبعاثات، إلى نهج يوازن بين أمن الطاقة والمناخ والتنمية
أما النهج الثاني المطلوب اعتماده، فيقوم على مقاربة واقعية وعلمية وشفافة وصادقة في مقاربة قضايا الانبعاثات وحماية المناخ ومساعدة الدول النامية. أي الموازنة الدقيقة بين أمن الطاقة وأمن المناخ وأمن التنمية.
دعم ملتبس ومزايدة ومسايرة
يلاحظ أن الاندفاعة المناخية القوية التي بدأت مع توقيع اتفاقية باريس العام 2015. أخذت منحى تصاعدياً بفضل دعم ملتبس من قبل أميركا ومزايدة مكشوفة من قبل أوروبا ومسايرة «على القطعة» من قبل الصين. وتميزت تلك المرحلة بتناقض صارخ بين الأقوال والأفعال، فمقابل الدعوات المتسرعة وغير الواقعية لكي لا نقول «المشبوهة» للتخلص من الوقود الأحفوري، كان الجميع يواصل التوسع في إنتاج واستهلاك النفط والغاز وحتى الفحم. وفي مقابل تصاعد التحذيرات الخطابية من مخاطر التغير المناخي، ووضع الخطط «الوهمية» لتخفيض الانبعاثات والحفاظ على زيادة درجة حرارة الأرض تحت معدل 1.5 درجة مئوية درجة. كان الجميع أيضاً يواصل عدم الالتزام بهذه الخطط أو ما يعرف بالمساهمات الوطنية المحددة.
إقرأ أيضاً: بين أمن الطاقة وأمن المناخ: ارتبكت أميركا وأربكت العالم (1 من 2)
والأهم من ذلك كله، أن جميع الدول الصناعية الكبرى واصلت خلال مرحلة الاندفاعة العتيدة، التنكر لالتزاماتها المعلنة بتوفير الأموال اللازمة لمساعدة الدول النامية في مساعيها للتحول نحو الطاقة النظيفة. وحتى مبلغ الـ 100 مليار دولار الشهير الذي تم الالتزام بدفعه سنوياً في مؤتمر كوبنهاغن عام 2009، لم يتم الوفاء به إلا مرة واحدة في العام 2022.
بين الحقائق البسيطة و «الأباطيل» المركبة
لكي لا تضيع الحقائق البسيطة أمام «الأباطيل» المركبة، فإن مؤتمر الأطراف «كوب 29» سيكون اختباراً حاسماً لجدية الدول المتقدمة في مواجهة التغير المناخي، وتجنب كارثة احترار كوكب الأرض. ومقياس النجاح الوحيد هو قرارات واضحة وقابلة للتنفيذ، وخطط قابلة للقياس لمواجهة القضيتين الرئيسيتين. وهما تخفيض الانبعاثات الجديدة والمتراكمة، وتوفير التمويل للدول النامية لمساعدتها في التحول الطاقي وفي تحمل أضرار الاحترار.
معضلة التمويل
يصعب توقع أن يحقق المؤتمر أي تقدم على صعيد التمويل، في ظل التاريخ الطويل من التلكؤ في تنفيذ التعهدات والتنصل من الوفاء بالالتزامات. وتزداد الصعوبة في ظل إدارة ترامب الرافض من حيث المبدأ، دفع أموال إلى دول أخرى في أي مجال. حتى في المجال الأمني والعسكري ويشمل ذلك على سبيل المثال دول حلف الأطلسي. والمرجح أن يشكل تلكؤ الولايات المتحدة، فرصة ومبرراً للدول الأخرى لكي تحذو حذوها خاصة تلك التي خضعت لضغوط أميركا في ظل إدارة بايدن، مثل اليابان وأستراليا، أو تلك التي «سايرتها» مثل الصين.
وتتركز معضلة تمويل الدول النامية في مجالين هما:
- تمويل التحول الطاقي
تتمثل هذه المسألة بتوفير الأموال اللازمة للدول النامية للتحول عن مصادر الطاقة الملوثة وخاصة الفحم الحجري إلى مصادر نظيفة. ما يسمح بتحقيق الهدف النهائي وهو تخفيض الانبعاثات. ويشهد مؤتمر «كوب 29» محاولة مستهجنة وذات دلالات غير مشجعة، تستهدف الالتفاف على إعلان كوبنهاغن المتعلق بمبلغ الـ 100 مليار دولار. الذي يفترض أن ينتهي العمل به مع نهاية العام الحالي. حيث تسعى الدول المتقدمة وبدلاً من الوفاء بالتزاماتها السابقة، إلى إلزام الدول النامية بزيادة تعهداتها بتخفيض الانبعاثات والالتزام بالهدف الجديد، المعروف باسم الهدف الكمي الجماعي (NCQG). والذي سيدخل حيز التنفيذ مطلع العام 2025. وهو أمر ترفضه بشدة الدول النامية. في حين تسعى مبادرة مشتركة تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة وأذربيجان والبرازيل إلى ربط زيادة التعهدات بزيادة التمويل. وهو أمر تعارضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل مطلق.
مصادرة أموال التنمية لتمويل المناخ
كما يشهد «كوب 29» محاولات عدة تصب في خانة الالتفاف على الالتزام بالتمويل. وتتمثل بإثارة العديد من القضايا الخلافية مثال ذلك: تخفيض حجم الأموال التي تقدمها الدول المتقدمة من ميزانياتها. والسعي بدلاً من ذلك إلى توجيه الأموال المتوفرة لدى المؤسسات الدولية وبخاصة البنك الدولي إلى تمويل المناخ بدلاً من تمويل التنمية. إضافة إلى محاولة مستهجنة لتحويل جزء من المساعدات المالية إلى ديون وقروض. مع السعي لحصر المساعدات بالدول التي يتم تصنيفها كدول ضعيفة فقط، وحرمان بقية الدول النامية. يضاف إلى ذلك السعي إلى «خصخصة المساعدات» بتكرار معزوفة إشراك القطاع الخاص من خلال ضخ الاستثمارات.
- صندوق الخسائر والأضرار :
تم إقرار تأسيس هذا الصندوق بعد جهود مستميتة قادتها مصر في مؤتمر شرم الشيخ وتابعتها دولة الإمارات في مؤتمر دبي، بدعم لا محدود من قبل مختلف الدول النامية. ولكن تم تفريغ قرار تأسيس الصندوق من مضمونه، فور إقراره. وذلك من خلال رفض الدول الصناعية الكبرى الالتزام بتمويله. حيث بلغ إجمالي التمويل الذي تم التعهد بتوفيره أقل من 700 مليون دولار.
إقرأ أيضاً: البنك الدولي بين تمويل التنمية والمناخ: بايدن يعتبر بانغا «القائد التحويلي» (2 من 2)
وللمقارنة وللدلالة على حجم الفجوة بين الاحتياجات والتعهدات والالتزامات. نشير إلى أن التقرير الصادر عن مجموعة الخبراء المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل المناخ، قدر احتياجات تمويل المناخ في الدول النامية بحوالي 1 تريليون دولار سنوياً بحلول العام 2025. ويرتفع الرقم إلى 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2030.
الخلاصة:
إذا كان مؤتمر المناخ في دولة الإمارات العربية المتحدة، هو الخاتمة السعيدة لمرحلة في مسيرة مواجهة التغير المناخي. فهل يكون مؤتمر أذربيجان هو الخاتمة الحزينة لتلك الجهود، أم بداية سعيدة لمرحلة جديدة؟