اتفاقية معادن نادرة أم صفقة بيع أوكرانيا لشراء روسيا

«المشادة الكلامية» مجرد حلقة في مسلسل «الصدمة والترويع» تجاه أوروبا وأوكرانيا

تعيد قراءة مسودة الاتفاقية الأميركية الأوكرانية، التي سميت تحبباً «اتفاقية المعادن النادرة»، معطوفة على «مسرحية المشادة الكلامية على الهواء»، تصويب المشهد السياسي والتطورات المتسارعة. وليتضح أنها أقرب إلى إتفاقية «بيع أوكرانيا وشراء روسيا». فهي اتفاقية سياسية واقتصادية وأمنية مركبة، لا تقتصر على المعادن النادرة كما قيل. بل تشمل كافة الموارد الطبيعية المتعلقة بالطاقة بما فيها البنى التحتية كمحطات الطاقة وخطوط الأنابيب ومنشآت النفط والغاز. وتنص على تسييل هذه الأصول لتوضع في صندوق يخصص «جزء من موارده» لإعادة إعمار أوكرانيا.

روسيا جاهزة لتوقيع اتفاقية مماثلة

وعليه يصح الاستنتاج أن مسرحية المشادة الكلامية سيئة الإخراج في البيت الأبيض، هي مجرد حلقة في مسلسل «الصدمة والترويع» الذي تعتمده الإدارة الأميركية لإجبار أوروبا قبل أوكرانيا على التسليم بصفقة إنهاء الحرب الأوكرانية بالشروط الأميركية ـ الروسية. ولإجبار أوكرانيا على التسليم بخسارة جزء من أراضيها لصالح روسيا. وعلى التسليم أيضاً بخسارة نصف مواردها الطبيعية لصالح أميركا. وبدا واضحاً من رد الفعل الأوروبي السريع والاحتضان غير المسبوق للرئيس الأوكراني، حجم المعارضة الأوروبية للتفرد الأميركي بإنهاء الحرب، وللتضحية بأوكرانيا.

اتفاقية المعادن لم تكن ناضجة، وتضمنت بنوداً عامة و «تعابير مطاطة»، وتم ترحيل البنود الخلافية إلى إتفاقية إنشاء الصندوق الاستثماري

وليبقى الجانب المخفي والأهم، هو سعي الإدارة الأميركية إلى استخدام الصفقة المزدوجة أي إنهاء الحرب وتوقيع  «اتفاقية المعادن النادرة» لتحقيق هدف «شراء ود» روسيا، بما يسهل فك تحالفها مع الصين. وذلك ما أعلنه صراحة المتحدث بإسم الكرملين ديميتري بيسكوف قبل يومين من زيارة زيلنسكي إلى أميركا، بقوله «ترى روسيا فرصة سانحة للتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق باحتياطيات روسيا الكبيرة من المعادن النادرة. وأعرب عن استعداد بلاده لتوقيع اتفاقية مماثلة للاتفاقية التي ستوقع مع أوكرانيا». ومعروف أن المناطق التي تحتلها روسيا في شرق أوكرانيا وجنوبها تحتوي على الجزء الأكبر من المعادن النادرة في أوكرانيا.

المشادة الكلامية مسرحية أم فخ

أما وصف المشادة الكلامية بالمسرحية أو الفخ المنصوب للرئيس الأوكراني بهدف تأجيل توقيع الاتفاقية، فيستند إلى أن صفقة إنهاء الحرب الأوكرانية لم تكن ناضجة، لأنها غير مقبولة من قبل أوروبا. وكذلك صفقة المعادن او الموارد الطبيعية لم تكن ناضجة لأنها غير مقبولة من أوكرانيا. والسبب الرئيسي عدم تضمنها أي التزام أميركي واضح وصريح بتوفير الضمانات الأمنية لها. يضاف إلى ذلك أنها تتضمن شروطاً مجحفة مثل التخلي عن نصف مواردها القابلة للاستخراج مع البنى التحتية الرئيسية، لصالح صندوق مشترك مع أميركا، يخصص جزء من موارده لإعادة الإعمار. على أن تبلغ قيمة المساهمة الأوكرانية فيه 500 مليار دولار. ولما كانت الموارد الأوكرانية لا تكفي لتوفير هذا المبلغ، فقد نصت المسودات التي تم تسريبها والتي رفضتها أوكرانيا، على التزامها بمواصلة تغذية الصندوق للوصول إلى هذا الرقم. على أن تلتزم أميركا بدفع نصف المبلغ الذي تدفعه أوكرانيا.

أما المسودة الثالثة التي وافق عليها مبدئياً الرئيس الأوكراني، فتضمنت «تراجعاً تكتيكياً» من قبل الإدارة الأميركية. وتمت الاستعاضة عن البنود الخلافية بتعابير عامة ومطاطة. مع التأكيد في كل فقرة على أن التفاصيل سيتم الاتفاق عليها لاحقاً في اتفاقية إنشاء الصندوق. وينطبق ذلك على البند الخاص بالضمانات الأمنية، حيث كان الرئيسي الأوكراني يراهن على زيارته للبيت الأبيض لإقناع الرئيس ترامب بتضمين الاتفاقية نصاً صريحاً بالحماية الأمنية. وكانت إشارته علانية إلى ذلك، السبب أو الذريعة لحدوث المشادة وتأجيل الصفقة لكي تنضج. يضاف إلى ذلك بالطبع تردد صدى تصريحه الصادم قبل عدة أيام بأنه «لن يبيع أوكرانيا».

نصوص مختارة من اتفاقية المعادن النادرة

ولتأكيد تلك الاستنتاجات نعيد نشر نصوص مختارة من مسودة الاتفاقية الثالثة التي نشرتها صحيفة «كييف إندبندنت» وجاء فيها ما يلي:

  • تعتزم حكومتا أوكرانيا والولايات المتحدة الأميركية، في إطار تحقيق السلام الدائم في أوكرانيا، تأسيس صندوق استثماري لإعادة الإعمار. وسيُدار الصندوق بشكل مشترك من قبل ممثلي حكومتي البلدين. على أن تحدد تفاصيل الملكية المشتركة في اتفاقية إنشاء الصندوق. والتي ستتضمن تحديد الشروط التفصيلية المتعلقة بحوكمته وإدارته. وكذلك النسبة القصوى لملكية الأسهم والمصالح المالية التي ستتملكها حكومة الولايات المتحدة. على ان يلتزم كل طرف بعدم بيع أو نقل أو التخلص من ملكيته في الصندوق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، دون موافقة خطية مسبقة من الطرف الآخر.

الاتفاقية لا تقتصر على المعادن النادرة، وتشمل كافة الموارد القابلة للاستخراج، والبنى التحتية ذات الصلة

  • ستساهم حكومة أوكرانيا في الصندوق بنسبة 50 في المئة من عائدات أصول الموارد الطبيعية المملوكة للحكومة الأوكرانية بشكل مباشر أو غير مباشر. وتشمل هذه الأصول، على سبيل المثال لا الحصر، رواسب المعادن، الهيدروكربونات، النفط والغاز الطبيعي والمواد القابلة للاستخراج الأخرى. بالإضافة إلى البنية التحتية ذات الصلة مثل محطات الغاز الطبيعي المسال والبنية التحتية للموانئ. وسيتم تحديد ذلك بتفصيل أكبر في اتفاقية الصندوق.

إعادة الإعمار

  • يجوز للصندوق، وفقاً لتقديره الخاص، أن يعيد إلى حكومة أوكرانيا النفقات الفعلية على المشاريع التي تم تطويرها مؤخراً والتي يستفيد منها الصندوق من خلال العائدات المتولدة عنها. على أن يتم استثمار المساهمات المقدمة إلى الصندوق سنوياً على الأقل في أوكرانيا. مع التركيز على تعزيز السلامة والأمن والازدهار في البلاد. وسيتم تحديد ذلك بمزيد من التفصيل في اتفاقية الصندوق، التي ستتضمن أيضاً نصوصاً تتعلق بالتوزيعات  المستقبلية.
  • وفقاً للقانون الأميركي، ستحافظ حكومة الولايات المتحدة على التزام مالي طويل الأجل لتنمية أوكرانيا المستقرة والمزدهرة اقتصادياً. وقد تتألف المساهمات الإضافية من أموال وأدوات مالية وأصول مادية وغير مادية أخرى ضرورية لإعادة إعمار أوكرانيا.
  • ستتضمن اتفاقية الصندوق التعهدات والضمانات المناسبة، التي تضمن عدم بيع أو نقل أو تحويل أو رهن أو إثقال أي التزامات قد تتحملها حكومة أوكرانيا تجاه أطراف ثالثة، أو الأصول التي تستمد منها هذه المساهمات، أو التصرف في الأموال من قِبل الصندوق فيما يتعلق بمساهمات حكومة أوكرانيا في الصندوق أو الأصول التي تستمد منها هذه المساهمات.

إشارة عابرة للضمانات الأمنية

  • سيتم تطوير نص اتفاقية الصندوق دون تأخير من قبل مجموعات عمل يرأسها ممثلون مفوضون من حكومات أوكرانيا والولايات المتحدة. والجهات التي ستتولى إعداد اتفاقية الصندوق هي: وزارة الخزانة الأميركية؛ ووزارتي المالية والاقتصاد في أوكرانيا.
  • تشكل هذه الاتفاقية الثنائية واتفاقية الصندوق عناصر متكاملة لبنية الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. بالإضافة إلى كونها خطوة ملموسة نحو إرساء السلام الدائم وتعزيز مرونة الأمن الاقتصادي، بما يتماشى مع الأهداف المنصوص عليها في ديباجة هذه الاتفاقية. وتدعم حكومة الولايات المتحدة جهود أوكرانيا للحصول على الضمانات الأمنية اللازمة لإرساء السلام الدائم. كما يسعى المشاركون إلى تحديد الخطوات اللازمة لحماية الاستثمارات المتبادلة كما سيتم إيضاحه في اتفاقية الصندوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: