Drill Baby Drill: أميركا «تنعم» بالنفط ونحن «نحلم» بالشمس

 

أحفر يا بني أحفر، drill baby drill، كان ولا يزال شعار الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري في أميركا. في حين ركزت حملات الحزب الديمقراطي على شعارات التغير المناخي والطاقة النظيفة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. ولكن الحقيقية، أن أميركا بدولتها العميقة وحزبيها، تلتقي على اعتبار النفط والغاز العمود الفقري لأمن الطاقة الأميركي، ولنظام الطاقة العالمي بأبعاده السياسية والاقتصادية.

إقرأ أيضاً: بين أمن الطاقة وأمن المناخ: إرتبكت أميركا وأربكت العالم (1 من 2)

ويلاحظ في هذا السياق أن إدارة دونالد ترامب كانت «الأكثر ضجيجاً» في تأييد النفط والغاز ومناهضة الطاقة النظيفة. في حين كانت إدارة جو بايدن «الأكثر سخاءً» في ترويج «بيزنس» المناخ والطاقة النظيفة في أميركا. وطبعاً «الأكثر شراسة» في فرضه على الدول النامية.

كيف نفذ بايدن Drill Baby Drill ؟

لكي لا تضيع الحقائق، فإن إدارة بايدن كانت «الأكثر فعالية» في إنعاش قطاع النفط والغاز الأميركي. ولنترك الأرقام توضح حقيقة تمسك الدولة العميقة في أميركا بالوقود الأحفوري. ولا يكفي هنا القول أن نمو صناعة النفط والغاز، جاءت بسبب ارتفاع الطلب بعد جائحة كورونا. ومن هذه الأرقام على سبيل المثال:

  1. احتلت أميركا في عهد بايدن، ولأول مرة في تاريخها المرتبة الأولى بإنتاج النفط، متجاوزة السعودية وروسيا. كما تبوأت قائمة الدول المصدرة للغاز المسال متجاوزة قطر وأستراليا.
  2. بلغت أرباح أكبر خمس شركات نفط مدرجة في البورصة (بي بي، شل، إكسون، شيفرون، توتال إنرجيز) 410 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى لإدارة بايدن. أي بزيادة 100 في المئة عن السنوات الثلاث الأولى من رئاسة دونالد ترامب، كما ذكر تقرير لوكالة رويترز.
  3. ارتفع عدد الوظائف في قطاع الوقود الأحفوري بنسبة 11.3 في المئة خلال أول عامين من رئاسة بايدن. مقارنة بنمو نسبته 8.8 في المئة لوظائف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. لكن الأهم من نسبة النمو، هو عدد الوظائف الذي بلغ نحو 80 ألف وظيفة في قطاع النفط والغاز مقابل حوالي 38 ألف وظيفة في الطاقة المتجددة.
  4. ارتفع عدد الموافقات الفيدرالية على تصاريح الحفر البري خلال السنوات الثلاث الأولى لإدارة بايدن.

وكيف دعم الطاقة النظيفة؟

جاء بايدن إلى الحكم محملاً بسلة ثقيلة من الوعود الانتخابية المتعلقة بالمناخ والطاقة النظيفة. وتقتضي الموضوعية والدقة، الاعتراف بأنه اتخذ سلسلة من الإجراءات والقرارات لإلغاء القرارات التي اتخذها سلفه ترامب. معتمداً ما اطلق عليه أحد الخبراء الأسلوب الحربي المعروف بـ «الصدمة والترويع».  إذ بادر ومنذ اليوم الأول لاستلام مهامه إلى:

  • إعادة انضمام أميركا لاتفاقية باريس للمناخ. ووضع خطط ملزمة لتنفيذ “أكبر خفض ممكن” لانبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة لا تقل عن 50 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بالعام 2005. ولكن هذه الخطط لم تنفذ بالطبع رغم إعادة إعادة العمل بالضوابط التي فُرضت في عهد أوباما وألغاها ترامب بشأن أكبر ثلاثة مصادر للغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهي السيارات ومحطات الطاقة وغاز الميثان المنبعث من آبار النفط والغاز.
  • سحب ترخيص مشروع النفط العملاق «كيستون أكس إل» المثير للجدل. والمتعلق بنقل 800 ألف برميل يومياً من النفط الكندي.
  • أمر وزارة الدفاع بجعل التغير المناخي «قضية أمن قومي». كما أمر بحظر منح عقود إيجار جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي الفيدرالية. والسبب هو ضخامة عدد التراخيص الممنوحة أصلاً. ولكنه زاد عدد التراخيص في المياه البحرية. في مقابل تسريع وتيرة منح التراخيص لمشروعات الطاقة المتجددة.
    المصدر: وكالة رويترز

آبار يتيمة وقائد تحويلي

  • أعلن عزمه على إغلاق مليون من آبار النفط والغاز. ولكن يجدر التوضيح هنا أنه يوجد في أميركا مئات آلاف الأبار المهجورة أو اليتيمة التي تركتها الشركات مفتوحة. وتعهد بإحلال السيارات الكهربائية محل أسطول السيارات الحكومية البالغ عددها 650 ألفا.
  • دفع باتجاه منع وتقييد تمويل مشروعات الوقود الأحفوري. كما حاول دفع مؤسسات التمويل الدولية على تغيير نماذج أعمالها لتمويل الأنشطة المناخية والطاقة المتجددة بدل التنمية ومكافحة الفقر. وتم في هذا السياق إجبار «الرئيس العنيد» للبنك الدولي ديفيد مالباس على الاستقالة لأنه رفض التغيير. وقام بايدن بتعيين «الرئيس المطواع» أجاي بانغا الذي وصفه «بالقائد التحويلي».
  • وليبقى الإنجاز الأكبر، هو إقرار قانون الحد من التضخم. الذي جاء كحل وسط بعد إسقاط الكونغرس مشروع قانون «إعادة البناء بشكل أفضل» build back better. وتضمن القانون تخصيص 391 مليار دولار لمواجهة التغير المناخي وتطوير الطاقة النظيفة.

إقرأ أيضاً: البنك الدولي بين تمويل التنمية والمناخ: بايدن يعتبر بانغا «القائد التحويلي»

رغم أن خطط إدارة بايدن حققت نتائج مهمة على صعيد إنعاش «بيزنس» المناخ والطاقة النظيفة، لكن تبقى الحقيقة بأن النتائج الباهرة تحققت على صعيد إنعاش قطاع النفط والغاز.

ألون ماسك يستعد لفوز ترامب

كيف سيكون الوضع إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات؟

يرجح المراقبون أن يكون ترامب «الثاني» أكثر اعتدالاً و رصانة. ويرجحون أن لا يعتمد أسلوب «الصدمة والترويع» في الانقضاض على إنجازات وقرارات إدارة ترامب المتعلقة بالمناخ وبالطاقة النظيفة. وإن كان من شبه المؤكد أنه سيلغي العديد من الامتيازات والإعفاءات الممنوحة لها. وخاصة تلك المتعلقة بالسيارات الكهربائية التي يكن لها عداء معلناً. وربما ذلك ما يفسر إعلان رئيس شركة «تسلا» ألون ماسك تأييده لترامب، وتبرعه بمبلغ 45 مليون دولار شهرياً لحملته الإنتخابية. والمرجح أن يكون ماسك قد استشعر إمكانية فوز ترامب وضراوة المعركة التي سيخوضها ضد السيارات الكهربائية، فقرر شراء وده في محاولة لحصر الأضرار.

إقرأ أيضاً: إعصار الطاقة النظيفة بعد عاصفة العولمة

الخلاصة

يجدر بصناع السياسات و «كتبة التقارير» في شركات الأبحاث والاستشارات وجيوش التنوير والتسويق، التروي كثيراً في التوسع بمشاريع الطاقة المتجددة والترويج لها. وانتظار جلاء صورة التراجع المتسارع لـ «إعصار» التغير المناخي والطاقة النظيفة. وتحوله تدريجياً إلى مجرد عاصفة رعدية. والعودة الأكثر تسارعاً إلى النفط والغاز ومقولة  Drill Baby Drill.

وذلك بعد أن تبين عدم فعالية هذا الإعصار، في تحقيق أحد أبرز أهدافه وهو إدارة الصراع مع الصين. واعتباره في ذلك الحين إحدى وسائل إعادة تشكيل الجغرافية السياسية للطاقة في عالم ثنائي القطب. تماماً كما استهدف إعصار العولمة والخصخصة وإجماع واشنطن، تشكيل الجغرافية السياسية في عالم القطب الواحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى