إعادة هيكلة «أوابك»: استعادة هوية مفقودة وترسيخ دور موعود
توسيع العضوية لتضم كل الدول العربية، وتوسيع النشاط ليضم الطاقة المتجددة

إعادة هيكلة منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك»، قد يكون القرار الأهم في تاريخها الممتد منذ العام 1968. ويقضي القرار، المستند إلى مقترح سعودي، بتغيير الإسم ليصبح «المنظمة العربية للطاقة». ما يمهد لاستعادة هوية مفقودة، ولترسيخ دور موعود.
بانتظار إعلان الخطة التفصيلية لإعادة الهيكلة وتعديل اتفاقية التأسيس. فإن التغيير الجذري يطال، كما أعلن، مجالين رئيسيين: الأول توسيع نطاق عمل المنظمة ليشمل جميع مجالات الطاقة، أي النفط والغاز والطاقة المتجددة. والثاني، توسيع نطاق العضوية ليشمل كافة الدول العربية وليس المصدرة للنفط فقط.
قد يكون التحدي الأساسي الذي يواجه المنظمة العربية للطاقة، هو وضع أهداف وبرامج قابلة للتحقيق، تراعي الظروف الموضوعية للعلاقات بين الدول العربية. كما تراعي الإمكانيات المالية والبشرية المتوافرة للمنظمة. مع السعي إلى ترسيخ تجربة جديدة في مؤسسات العمل العربي المشترك، تقوم على أن التعاون والتكامل لا يمكن أن ينجح إلا إذا استند إلى قاعدة المصالح الفعلية لكافة الأطراف.
أولاً: توسيع الأنشطة والموازنة بين الطاقة والمناخ
لا شك أن توسيع نطاق العمل ليشمل الطاقة المتجددة يفتح آفاقاً واسعة لترسيخ دور أهم وأكثر شمولية للمنظمة. وبدون استباق الأمور، هناك تحد كبير، سيواجهها، يتعلق بالموازنة بين الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة. ما يستدعي تكريس الجهد لبلورة دور بالغ الأهمية والحساسية، بأن تكون «بيت الخبرة العربي» في قضية الموازنة بين أمن الطاقة وأمن المناخ. وبكلام مباشر التصدي للحملة الممنهجة لـ «شيطنة» الوقود الأحفوري. والتي ركزت على ترويج أهداف ومفاهيم خاطئة وخطيرة. مثال ذلك، أن التخلص من النفط والغاز هو الشرط الأساسي لمواجهة التغير المناخي. أو ذلك المفهوم الهجين المسمى «التحول إلى الطاقة المتجددة». علماَ أن التاريخ لم يشهد تحولاً للطاقة TRANSITION، بل شهد ويشهد عمليات إضافة ADDITION، مع تغيير طبيعي في حصة كل مصدر من المزيج العام للطاقة.
إقرأ أيضاً: أمن الطاقة وأمن المناخ: بين فضيلة الدمج ورذيلة الفصل (2 من 2
إقرأ أيضاً: وكالة الطاقة الدولية: أخطاء التقديرات.. وخطايا السياسات
وهذه الحملة التي يختلط فيها «البيزنس» بالسياسة، استندت إلى تقارير وأبحاث لعشرات الهيئات الدولية والوطنية والمؤسسات البحثية والإعلامية. وكان لشركات الاستشارات الأجنبية العاملة في المنطقة وبعض مراكز الأبحاث، «نصيب وافر» من هذه التقارير. وللأسف فإن غالبية المؤسسات الإعلامية العربية، قامت بنشر وترويج هذه التقارير. ولعل أكثر التقارير «سطوعاً» تلك التي تنشرها وكالة الطاقة الدولية. والتي وصفها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بأنها «لديها موهبة خاصة أن تكون مخطئة باستمرار». ويسجل لوزير الطاقة السعودي ونظيره الإماراتي، سهيل المزروعي، ولكل من رئيسي شركتي «أرامكو» و «شل» أمين الناصر و وائل صوان، أنهم كانوا في طليعة من تصدى لهذه الحملة.
فهل تكون المنظمة العربية للطاقة بيت الخبرة الذي يحشد الإمكانيات والطاقات البحثية العربية والأجنبية لتوفير تقارير وأبحاث وحتى تحقيقات صحافية، تمتاز بالدقة العلمية والموضوعية. وتسهم في تصحيح المسار لخلق التوازن المطلوب بين الطاقة المتجددة والطاقة الأحفورية.
وربما يسهم هذا التوجه، في تجنب تكرار تجربة «أوابك» بتأسيس شركات حكومية في مجالات الطاقة المتجددة. حيث يمكن الاستعاضة عن ذلك بدعم جهود القطاع الخاص لتأسيس مثل هذه الشركات. وترك الحرية لحكومات الدول الأعضاء، للمساهمة فيها من خلال الصناديق السيادية أو شركاتها المعنية.
تعثر تجارب العمل الاقتصادي العربي المشترك، يعود في جانب منه إلى المفهوم القائم على أن «واجب» الدول الغنية أن تعطي و «حق» بقية الدول أن تأخذ
ثانياً: توسيع العضوية
سجلت «أوابك» انطلاقة قوية بطموحات كبيرة، مدفوعة بالطموحات الأكبر لشعارات التعاون والتكامل العربي. والتي تمثلت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، بتأسيس عشرات الهيئات والصناديق والمنظمات والمؤسسات، والأهم الاتحادات النوعية المنبثقة عن مجلس الوحدة الاقتصادية التي تم «تفقيس» العشرات منها. وأبرز «إنجازاتها النوعية» توظيف المرضي عنهم أو المغضوب عليهم لإبعادهم، في منصب أمين عام. ما يكفل حصوله على راتب مغر، وعلى جواز سفر دبلوماسي وسيارة معفاة من الجمارك. كما تمثلت تلك الطموحات، بإسم منظمة «أوابك»، حيث تم استخدام تعبير «الأقطار» بدلاً من «الدول»، ربما تجسيداً لأحلام الوحدة العربية، أو تيمناً بأدبيات حزب البعث.
إقرأ أيضاً: النفط نعمة وليس تهمة: ماذا أنتم فاعلون لوقف “شيطنته” ؟
وبدأت المنظمة تعاني أزمة هوية ودور مع تراجع طموحات وإنجازات العمل العربي المشترك. والأسباب وراء ذلك عديدة ليس هنا مجال الخوض فيها، ولكن أهمها، الخلافات السياسية واختلاف أنظمة الحكم بين الدول الأعضاء. والأهم هو المفهوم المدمر للتعاون الاقتصادي العربي القائم على أن «واجب» الدول الغنية أن تعطي و «حق» بقية الدول أن تأخذ.
قضية الشركات التابعة
هذا الاستطراد، يقود إلى جوهر التعديل المتعلق بتوسيع نطاق العضوية ليشمل كافة الدول العربية. ما يسمح نظرياً بزيادة عدد الدول الأعضاء وهو 11 دولة حالياً، ما يعزز بالتالي وضع المنظمة. وتتوقف زيادة العدد على النجاح في خلق مصالح فعلية استناداً إلى أهداف وأنشطة وآليات عمل المنظمة بعد إعادة الهيكلة.
اما توسيع العضوية، فيقود إلى فتح ملف الشركات التابعة لـ «أوابك». حيث اندفعت المنظمة في سبعينات القرن الماضي في ظل «زخم» التعاون والتكامل العربي، إلى تأسيس عدة شركات ضخمة. وهي الشركة العربية البحرية لنقل البترول، (1972 ومقرها الكويت)، الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (1973 ومقرها البحرين)، الشركة العربية للاستثمارات البترولية «أبيكورب» (1974 ومقرها السعودية) الشركة العربية للخدمات البترولية (1975 ومقرها ليبيا، وتفرع عنها عدة شركات تعمل في مجالات حفر وصيانة الآبار، والاستكشاف الجيوفيزيائي الخ…)، وأخيراً، معهد النفط العربي للتدريب (1978 ومقره العراق). وتكلفت هذه الشركات أموالاً طائلة لتأسيسها وتشغيلها. ويشمل ذلك مقر «أوابك» وغيرها من الهيئات المالية العربية، الذي تكلف «ملايين كثيرة جداً» من الدولارات. وهو والحق يقال «تحفة» هندسية ومعمارية.
نجاح تجربة المنظمة العربية للطاقة قد يصبح نموذجاً يعمم على المؤسسات والاتحادات العربية لتحويلها من «مزاريب» لهدر الأموال والتنفيعات، إلى «جداول» تروي تربة تعاون حقيقي قائم على المصالح
والحقيقة أن عدداً من هذه الشركات إما متعثر وإما يعمل بعقلية وأداء الشركات العربية المشتركة وبقية مؤسسات العمل العربي المشترك. ولكن هناك بالمقابل شركات حققت نجاحات كبيرة مثل «أبيكورب» التي قادت المملكة العربية السعودية جهوداً حثيثة لتطويرها. كان آخرها في ديسمبر 2023، لتغيير الإسم ليصبح «الصندوق العربي للطاقة». وعسى ان يتم قريباً تغيير الإسم في الموقع الإلكتروني الرسمي للصندوق. وعسى أيضاً ان يتم تطوير الموقع الإلكتروني للمنظمة ومواقع شركاتها التابعة، التي لا يجوز أن تبقى على تلك الحال.
تجدر الإشارة إلى أن منطمة «أوابك» تأسست في العام 1968 من قبل ثلاث دول هي السعودية والكويت وليبيا. وانضمت في العام 1970 كل من الجزائر، قطر، دولة الإمارات، والبحرين. وتم في العام 1971 تعديل شرط العضوية المتعلق بالثروة البترولية ليصبح «أن يكون البترول مصدراً هاماً للدخل القومي» بدلاً من « المصدر الرئيسي والأساسي للدخل القومي». ما سمح بانضمام كل من سوريا، العراق، مصر، تونس.
الخلاصة
يبقى التحدي في نجاح منظمة الطاقة العربية، هو بلورة هوية مناسبة وترسيخ دور فاعل. وتحويلها إلى تجربة قد تشكل نموذجاً يمكن تعميمه على بقية هيئات العمل العربي المشترك. بما يكفل تحويل تلك الهيئات والمؤسسات والاتحادات الخ… من «مزاريب» لهدر الأموال، والتنفيعات، وطمس قدرات الكفاءات البشرية العاملة فيها، إلى «جداول» تروي تربة الإنجاز لتحقيق تعاون عربي حقيقي قائم على مصالح حقيقية لكافة الأطراف.