زيادة إنتاج تحالف «أوبك بلس»: ضبط للأسواق أم للأعضاء؟

في خطوة متوقعة وتحمل تفسيرات متباينة، وافق تحالف «أوبك بلس» على الدفعة الثالثة من زيادات الإنتاج لشهر يوليو، وقدرها 411 ألف برميل يومياً. كما تقرر مواصلة الزيادات الشهرية حتى سبتمبر المقبل، ليتم بذلك إنهاء التخفيض الطوعي الثاني وقدره 2.2 مليون برميل يومياً.
فهل يكون القرار رسالة مباشرة إلى أعضاء التحالف أولاً وإلى بقية الدول المنتجة والشركات ثانياً، مفادها أن توازن العرض والطلب، وبالتالي استقرار السعر، يتطلب تضحيات من الجميع، وليس اندفاع بعض الدول لزيادة الإنتاج على حساب الدول الملتزمة بتخفيض الإنتاج؟. أم يكون مؤشراً لتغيير في استراتيجية التحالف تستند إلى نظرة تفاؤلية لنمو الطلب، وذلك رغم العوامل السلبية، وفي مقدمتها حروب الرسوم الجمركية وضعف النمو في الدول الصناعية المتقدمة والصين؟
أولاً: حصص الإنتاج وانضباط الأعضاء
الجواب على الأرجح هو مزيج من العاملين معاً. مع إضافة عامل ثالث لا يقل أهمية، وهو الحفاظ على تماسك تحالف «أوبك بلس»، بل وتماسك منظمة «أوبك» نفسها، بعد تصاعد امتعاض عدد من الدول مثل الإمارات من تمادي بعض الأعضاء في خرق حصص الإنتاج، وفي مقدمتهم كازاخستان وروسيا والعراق. وقد كلف الاجتماع الوزاري الأمانة العامة لمنظمة «أوبك» بتطوير آلية لتقييم الطاقة الإنتاجية المستدامة القصوى (MSC) للدول المشاركة، لاستخدامها كمرجع لتحديد خطوط الأساس للإنتاج لعام 2027 لجميع دول التحالف.
وزير الطاقة السعودي حذر سابقاً من زيادة الإنتاج إذا استمر عدم الامتثال للحصص
ولتبيان أهمية مشكلة الالتزام بحصص الإنتاج وتوزيع التضحيات، تجدر الإشارة إلى أنها كانت سبباً رئيسياً في اندلاع حروب الأسعار. حيث كانت السعودية والإمارات والكويت وغيرها من الدول الملتزمة، تضطر إلى زيادة الإنتاج والضخ بالطاقة القصوى تقريباً، أسوة ببقية الدول غير الملتزمة. فيحصل تخمة بالمعروض وانهيار بالأسعار، فيعود الجميع إلى «جادة الصواب» ويتم الالتزام بتقاسم الإنتاج تحقيقاً لعدالة التوزيع.
ليس حرب أسعار بل رسالة تحذير
يمكن القول إن الزيادات التدريجية، والخاضعة للتقييم الدقيق لآثارها على السوق، ليست مقدمة لحرب أسعار جديدة، بل أقرب إلى رسائل تحذيرية. وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان حاسماً في التعبير عن هذا التوجه قبل أشهر، حين قال إن “التحالف سيعتمد خطوات إضافية إذا استمر عدم الامتثال، بما في ذلك تحرير مزيد من الإنتاج”.
إقرأ أيضاً: هل يشعل النفط الإيراني والروسي حرب أسعار جديدة؟
وهذا ما أكده البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري للتحالف، بالأشارة إلى “أهمية الالتزام الكامل بمستويات الإنتاج المتفق عليها، وضرورة تقديم خطط تعويض من الدول التي تجاوزت حصصها الإنتاجية”. ويشار هنا إلى كازاخستان تسجل الخرق الأكبر لحصص الإنتاج. إذ يبلغ إنتاجها حوالي 1.85 مليون برميل يومياً في حين تبلغ حصتها المتفق عليها 1.5 مليون برميل يومياً. ويسهم حقل “تنغيز”، الذي تتولى تطويره شركة “شيفرون”، بجزء كبير من هذا الخرق.
يقود ذلك إلى دور شركات النفط الكبرى في مفاقمة أزمة الفائض، تحت ضغط الحاجة إلى تحقيق المزيد من الأرباح لإرضاء المساهمين، مستغلة تخفيضات «أوبك بلس». إذ أكدت شركات مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” خططهما لزيادة الإنتاج هذا العام بنسبة 7 و9 في المئة على التوالي.
حروب سابقة… دروس قاسية
معروف أن تحالف «أوبك بلس» نشأ أصلاً كحل لمشكلة حصص الإنتاج بعد «حرب أسعار» 2014 – 2016. حيث التزمت جميع الدول بتخفيض إنتاجها لإعادة الاستقرار للأسواق. وتكرر الأمر ذاته بعد «حرب أسعار» العام 2020، التي أدت إلى انهيار الأسعار إلى مستوى سالب، للمرة الأولى في التاريخ، كما أدت إلى أزمة فائض غير مسبوقة. وقد لخصها رئيس شركة تانك تايغر بقوله: “امتلأت كل الخزانات والناقلات وحتى عربات السكة الحديد.. ولم يبق لدينا سوى الطناجر والقدور”.
أقرأ أيضاً: «طاقة الشرق» ضيف قناة القاهرة الإخبارية حول أسعار النفط وتماسك «أوبك بلس»
وفي عام 2023، كاد السيناريو يتكرر بعد إقدام روسيا وإيران على الضخ بالحد الأقصى، والبيع بأسعار مخفضة للالتفاف على العقوبات. ولكنهما تراجعتا بعد تحذيرات جدية من السعودية، والتهيب من اندلاع جولة جديدة من حرب الأسعار.
يرجح المراقبون أن تتهيب جميع الأطراف حالياً من حرب أسعار جديدة. خاصة وأن غالبية الدول لا تمتلك طاقات إنتاجية فائضة، تمكنها من تعويض انخفاض الأسعار. يضاف إلى ذلك أن شركات النفط الصخري في أميركا وكندا لا يمكنها الصمود في مثل هذه الحروب، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وحاجتها إلى سعر يتجاوز 60 دولاراً للبرميل لتحقيق التعادل.
ثانياً: ضبط السوق ونمو الطلب
يبدو أن «أوبك»، وبعكس وكالة الطاقة الدولية، تمتلك تقييماً دقيقاً لتطورات السوق. إذ أكد الأمين العام هيثم الغيص التوقعات المتفائلة بشأن الطلب العالمي، رغم النزاعات التجارية. وتوقعت المنظمة نمو الاقتصاد العالمي بنحو 2.9 في المئة في 2025 و3.1 في المئة في 2026. كما ثبتت توقعاتها لنمو الطلب على النفط عند 1.3 مليون برميل يومياً.
وزير النفط الإماراتي: لولا تضحيات دول التحالف، لعمت الفوضى أسواق النفط
أما شركة “أرامكو”، فتوقعت أن يتجاوز الطلب العالمي على النفط المستوى التاريخي الذي حققه العام الماضي. إذ بلغ الطلب خلال الربع الأول حوالي 104.3 مليون برميل يومياً، بزيادة 1.7 مليون برميل عن الفترة ذاتها من 2024.
ويشار هنا إلى أن إنتاج الدول غير الأعضاء في «أوبك» شهد تراجعاً خلال الأشهر التسعة الأخيرة. كما تراجعت المخزونات العالمية لتصل إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات. إذ لم تتجاوز مدة تغطية المخزون 40 يوماً بنهاية الربع الأول من العام الحالي.
في الخلاصة يمكن القول أن قرار زيادة الإنتاج يشكل رسالة تحذير قوية للدول غير الملتزمة من ناحية. ويحمل من ناحية أخرى مخاطر محسوبة بعناية على توازن السوق والأسعار.وذلك ما أكده وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي بقوله: “إن تحالف أوبك بلس لا يدخر وسعاً في الموازنة بين العرض والطلب. ولولا التضحيات التي قامت بها مجموعة الدول الثماني، لعمّت الفوضى الأسواق”.