شركة «مصدر» في 2024 – 2025: توسّع يُجسّد رؤية الإمارات لتكامل مصادر الطاقة

واصلت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر”، خلال الربع الأول من العام الحالي، عملية التوسع الاستراتيجي التي بدأتها العام الماضي. وتشكل هذه العملية نقلة نوعية في تحقيق هدفها المعلن بزيادة الطاقة الإنتاجية لمشاريعها إلى 100 جيغاواط بحلول عام 2030. الأمر الذي يسهم في تحقيق رؤية دولة الإمارات لترسيخ مكانتها دولةً رائدةً عالمياً في مجال الاستدامة والعمل المناخي، إلى جانب ريادتها في تطوير صناعة النفط والغاز.

قبل شرح معطيات وأبعاد هذه النقلة النوعية، تجدر الإشارة إلى أن تجربة “مصدر” تشكل نموذجاً يُحتذى به إقليمياً ودولياً في مقاربة قضية مصيرية هي الطاقة والمناخ. وتتمثل أهمية هذه المقاربة في انطلاقها من قناعة راسخة بتحقيق التلازم والتكامل بين أمن الطاقة وأمن المناخ، وأن الفصل بينهما وتغليب أحدهما على الآخر هو «وصفة كارثية» تؤدي إلى تقويض أمن الطاقة وأمن المناخ معاً.

رئيس مجلس الإدارة معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر

وتتضح أهمية ومصداقية تجربة “مصدر” من مسألتين: الأولى أنها انطلقت من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تُعد إحدى أبرز الدول المنتجة للنفط. وتحظى هذه التجربة برعاية ودعم كاملين من قبل الدولة، حيث تحظى بدعم ثلاث شركات طاقة واستثمار إماراتية بارزة هي “طاقة” و”أدنوك” و”مبادلة”.

والمسألة الثانية، هي إطلاق شركة “مصدر” في عام 2006، أي قبل استفاقة العالم على مخاطر التغير المناخي، وقبل تلك الحملة الملتبسة البعيدة عن العلم والموضوعية، والتشكيك بأهمية النفط والغاز في دفع عملية التنمية، والمطالبة بوقف إنتاجه واستخدامه لحماية المناخ والبيئة.

اقرأ أيضاً:  “كوب 28” في الإمارات: قمة مصالحة النفط والمناخ

ويمكن أن نضيف مسألة ثالثة تتعلق بالمصداقية، إذ يُلاحظ أن غالبية المبادرات الحكومية والدولية المتعلقة بالمناخ وتطوير الطاقات المتجددة، خاصة في الدول النامية، اقتصرت على الشعارات والخطط والتعهدات بدون تنفيذ جدي ومستدام. في حين تميزت مبادرة “مصدر” بالتزام صارم بالتنفيذ، وتجسّد ذلك في تحقيق إنجازات ملموسة من بينها إطلاق العديد من المشاريع الاستراتيجية المبتكرة موزعة على 40 دولة، وتُقدّر طاقتها الإنتاجية بحوالي 51 جيغاواط كما في نهاية 2024، وباستثمارات بلغت حتى العام الماضي نحو 30 مليار دولار.

الرئيس التنفيذي محمد جميل الرمحي

2024: توسّع نوعي وتحوّل استراتيجي

شهد العام 2024 نقلة نوعية في مسيرة “مصدر”، حيث سجلت الشركة سلسلة من الإنجازات البارزة التي عززت مكانتها العالمية في قطاع الطاقة النظيفة، ورَسَّخت دورها بوصفها إحدى الجهات الأساسية الداعمة للاقتصاد منخفض الكربون.

فقد أعلنت “مصدر” عن ارتفاع إجمالي القدرة الإنتاجية لمشاريعها قيد التشغيل أو التطوير من 20 جيغاواط عام 2022 إلى 51 جيغاواط بنهاية 2024، أي بزيادة 150 في المئة.

وتحقق ذلك من خلال توسيع محفظة المشاريع، حيث تم تنفيذ صفقات استحواذ مهمة في اليونان وإسبانيا والولايات المتحدة، فضلًا عن وضع حجر الأساس لسبعة مشاريع رئيسية في مختلف أنحاء العالم، من بينها مشروعين لنظم بطاريات تخزين الطاقة في المملكة المتحدة، ومشروعين للطاقة الشمسية في أذربيجان بقدرة إجمالية تبلغ 760 ميغاواط، ومشروعًا للطاقة الشمسية في منطقة العجبان بدولة الإمارات بقدرة 1.5 جيغاواط.

كما أعلنت “مصدر” عن الإغلاق المالي لستة مشاريع، شملت محطة الحناكية للطاقة الشمسية بقدرة 1.1 جيغاواط، ومشروع “أمالا” المستدام في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى مشروعي “بيلاسوفار” و”نفتشالا” للطاقة الشمسية بقدرة 760 ميغاواط في أذربيجان. كما شملت تدشين محطة “زارفشان” لطاقة الرياح بقدرة 500 ميغاواط في أوزبكستان، والتي تُعد أكبر محطة من نوعها قيد التشغيل في آسيا الوسطى.

ارتفعت القدرة الإنتاجية للمشاريع من 20 إلى 51 جيغاواط خلال عامين فقط، تمهيداً لتحقيق هدف 100 جيغاواط في 2030

إقرأ أيضاً: بين أمن الطاقة وأمن المناخ: إرتبكت أميركا وأربكت العالم (1 من 2)

وأشار الرئيس التنفيذي للشركة محمد جميل الرمحي، إلى أن “مصدر” حققت في عام 2024 قفزة نوعية كبيرة استندت إلى استراتيجية عمل فعالة، واستطاعت مضاعفة إجمالي القدرة الإنتاجية لمشاريعها خلال عامين فقط، مرسّخةً مكانتها الرائدة على مستوى العالم في قطاع الطاقة. وأكد أن “مصدر” لا تسعى إلى تحقيق إنجازات مهمة فحسب، بل تتطلع أيضاً إلى إرساء معايير جديدة للنهوض بالقطاع، وتعزيز مكانتها كشريك عالمي موثوق في مجال الطاقة النظيفة.

سندات خضراء و «كوب 28»

شهد عام 2024 إطلاق “مصدر” لإصدارها الثاني من السندات الخضراء، وتمكنت من جمع مليار دولار بإقبال فاق التوقعات بـ 4.6 مرات. ورفعت وكالة “فيتش” لتصنيف الائتماني للشركة إلى (AA-)، مما يعكس ثقة الأسواق في أدائها.

ومن أبرز محطات العام 2023 – 2024، كان الحضور اللافت لـ”مصدر” في مؤتمر الأطراف COP28، الذي استضافته دولة الإمارات في مدينة إكسبو دبي. حيث لعبت الشركة دور الشريك الاستراتيجي، وقدمت خلاله خططها المستقبلية ومشاريعها في مجالات الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر. كما أسهمت في إطلاق مبادرة “الطاقة من أجل المناخ”، التي تهدف إلى مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة على مستوى العالم لتصل إلى 11 تيراواط بحلول عام 2030. وهذه المبادرة تأتي متسقة مع “اتفاق الإمارات” التاريخي لمضاعفة الطاقة المتجددة بمعدل ثلاث مرات حتى عام 2030 على مستوى العالم.

أسبوع أبوظبي للاستدامة 2025

عام 2025: مواصلة المسيرة بمشاريع متتالية

إذا كان العام 2024 قد كرّس حقيقة أن مقاربة “مصدر” لتطوير الطاقة المتجددة ومواجهة التغير المناخي تستند إلى رؤية بعيدة المدى، فإن الفصل الأول من عام 2025 جاء ليؤكّد أن هذه الرؤية تُجسّد قناعة راسخة لدى قيادة دولة الإمارات ولدى إدارة شركة “مصدر”. وذلك بغض النظر عن التوجهات والسياسات المتغيرة والمتقلبة لدى الدول الكبرى. وبغض النظر أيضاً عن مدى التزام تلك الدول بتعهداتها، وخاصة على صعيد توفير التمويل ودعم جهود الدول النامية لتطوير الطاقة المتجددة.

إقرأ:  طاقة الاندماج النووي: سباق أميركي صيني على «صناعة الشمس» (1 من 5)

وتجسّدت الرؤية الاستشرافية لقيادة دولة الإمارات والقناعة بمواصلة الزخم في إطلاق المشاريع والمبادرات، بإشراف معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، رئيس مجلس إدارة “مصدر” ومعاونة الإدارة التنفيذية بقيادة الرئيس التنفيذي، محمد جميل الرمحي. ولعلّ أفضل تعبير عن حجم هذا الزخم وفعاليته يتمثّل في استعراض سريع للمشاريع التي أُطلقت خلال الفترة المنصرمة من العام وحتى منتصف إبريل الجاري، إذ يكاد لا يمر أسبوع إلا وتُعلن الشركة عن توقيع اتفاقية لمشروع جديد، أو إغلاق مالي لآخر، أو تدشين ثالث. ومن أبرز المحطات التي يمكن رصدها ما يلي:

11 أبريل: توقيع اتفاقيتين مع شركة الكهرباء الوطنية الإندونيسية “بي تي بي إل إن” (بيرسيرو) لتطوير محطات طاقة شمسية عائمة، وذلك على هامش زيارة الرئيس الإندونيسي إلى دولة الإمارات.

10 أبريل: الاستحواذ على 100 في المئة من أسهم شركة “تيرنا إنرجي” اليونانية، بشراء بقية الأسهم البالغة 30 في المئة.

27 مارس: الاستثمار في مشروع “فالي سولار”، عبر شركتها التابعة “سايتا”، وهو أحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة فالنسيا الإسبانية.

24 مارس: توقيع اتفاقية مع شركة “إنديسا” للاستحواذ على حصة 49.99 في المئة في أربع محطات للطاقة الشمسية في إسبانيا بقدرة إجمالية تبلغ 446 ميغاواط، بقيمة استثمارية تقارب 184 مليون يورو.

25 فبراير: توقيع اتفاقية إطارية مع “طاقة لشبكات النقل” التابعة لمجموعة “طاقة”، وشركة “إيني إس.بي.إيه” الإيطالية، لتنفيذ شراكة ثلاثية بين الإمارات وإيطاليا وألبانيا. كما تم توقيع اتفاقية تعاون مع “إنتيسا سان باولو” لتقديم خدمات استشارية ومالية.

19 فبراير: وقعت “إيميرج”، المشروع المشترك بين “مصدر” و”إي دي إف”، اتفاقية لتطوير محطة للطاقة الشمسية بقدرة 13.25 ميغاواط في مجمع توازن الصناعي.

19 فبراير: التوقيع مع “توتال إنيرجيز” و”إي بوينت زيرو” على اتفاقية لتعزيز مشاريع الطاقة النظيفة في إفريقيا وآسيا.

12 يناير: أسبوع أبوظبي للاستدامة

تم استهلال العام بحدث كبير هو “أسبوع أبوظبي للاستدامة”، والذي شهد حفل الافتتاح برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، مشاركة عدد كبير من قادة الدول ورؤساء الحكومات والوزراء وكبار المسؤولين والخبراء والمختصين في مجالات الاستدامة. ولعل أفضل تلخيص لأهمية هذا الحدث، الذي تستضيفه شركة “مصدر”، ما قاله صاحب السمو رئيس الدولة، بأنه يجسد التزام دولة الإمارات الثابت بدعم كل ما يعزز العمل الجماعي الدولي لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار للجميع.

توقيع مذكرة تفاهم مع الفلبين

وقد ركزت دورة هذا العام من أسبوع أبوظبي للاستدامة التي أقيمت تحت عنوان “تكامل القطاعات لمستقبل مستدام”، على تعزيز الحوار البنّاء والتعاون وتسليط الضوء على أهمية تحقيق الترابط بين التكنولوجيا المتقدمة، لا سيما الذكاء الاصطناعي، والابتكارات في قطاع الطاقة، والخبرات البشرية. وإيجاد حلول مجدية وملموسة. وبناء مستقبل مزدهر يشمل الجميع. وتضمن الأسبوع الإعلان عن عدد من المشاريع البارزة من بينها:

  • 14 يناير: بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، أعلنت شركة “مصدر”وشركة مياه وكهرباء الإمارات، عن إطلاق أكبر وأول مشروع من نوعه على مستوى العالم يجمع بين الطاقة الشمسية وبطاريات تخزين الطاقة في أبوظبي. ويمثل هذا الإطلاق خطوة مهمة تسهم في تحقيق نقلة نوعية في نظم الطاقة. حيث سيوفر هذا المشروع الطاقة المتجددة على مدار الساعة. بما يكرّس ريادة دولة الإمارات عالمياً في نشر حلول الطاقة المتجددة. ويسهم في توفير حوالي 1 جيغاواط يومياً من الحمل الأساسي من الطاقة المتجددة. ويعتبر هذا المشروع أكبر محطة للطاقة الشمسية مزودة بنظم بطاريات لتخزين الطاقة على مستوى العالم.
  • 16 يناير: توقيع اتفاقيات مع حكومة الفلبين لتطوير مشاريع بقدرة 1 جيغاواط بحلول 2030
  • 17 يناير: اختيار شركات المقاولات والتوريدات المفضلة للإسهام في دعم تطوير أكبر وأول مشروع من نوعه على مستوى العالم يجمع بين الطاقة الشمسية ونظم بطاريات تخزين الطاقة لتوفير إمدادات الطاقة النظيفة على مدار الساعة
  • 21 يناير: إعلان بدء المرحلة الثانية من مشروع تزويد محطات “أدنوك للتوزيع” بالطاقة الشمسية، وتدشين محطة طاقة شمسية لصالح “كوكاكولا” بقدرة 1.8 ميغاواط.

نظرة مستقبلية: أهداف 2030 وما بعدها

مع تسارع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تسعى “مصدر” لتعزيز ريادتها عبر استراتيجيات تقوم على ثلاثة محاور هي: توسيع القدرة الإنتاجية والاستثمارات النوعية، وتعزيز الابتكار، وتكثيف الشراكات الدولية.

أصبحت “مصدر” ركيزة أساسية لتحقيق أهداف الإمارات بالحياد المناخي، ولترسيخ موقعها كقوة عالمية في الطاقة النظيفة

تهدف الشركة إلى رفع قدرتها الإنتاجية إلى 100 جيغاواط بحلول 2030، وتطمح إلى إنتاج مليون طن سنوياً من الهيدروجين الأخضر بحلول العام نفسه. ما يجعلها من أكبر الموردين عالمياً لهذه المادة الحيوية في إزالة الكربون من الصناعات والنقل.

كما تستثمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة التشغيل، وتحويل النفايات إلى طاقة، والطاقة الحرارية الجوفية، إلى جانب دعم مشاريع التقاط الكربون.

وفي إطار بناء نظام عالمي جديد في قطاع الطاقة، تواصل “مصدر” توسيع شراكاتها مع الحكومات والمؤسسات المالية، بما يجعلها شريكاً مفضلاً في جهود التحول العادل للطاقة، خاصة في الدول النامية والناشئة.

الهوية المؤسسية والبنية التنظيمية

تتخذ “مصدر” من مدينة مصدر في أبوظبي مقراً لها. حيث تجمع المدينة بين أحدث تقنيات الطاقة والبنية التحتية والنقل. وتُعد منصة لتجريب وتطبيق حلول الاستدامة، كما تستقطب الشركات الناشئة والمؤسسات البحثية الرائدة.

وبفضل سجلها الحافل، أصبحت “مصدر” ركيزة أساسية في تحقيق أهداف دولة الإمارات للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، وذراعاً تنفيذية لأجندتها المناخية الدولية. حيث لعبت دوراً محورياًج على مدى قرابة عقدين من الزمن في ترسيخ مكانة الإمارات كقوة عالمية في مجال الطاقة النظيفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: