قرارات «أوبك بلس»: احتواء خلافات الأعضاء، ومواجهة اضطراب الأسواق 

جاءت قرارات تحالف «أوبك بلس» في اجتماعه يوم الأحد الماضي، انعكاساً واضحاً وصادقاً لحالة مزدوجة من «اللايقين» والاضطراب. وجهها الأول هو اضطراب الأسواق بسبب ضبابية رؤية الطلب على النفط، في ظل حالة اللايقين بشأن التضخم ونمو الاقتصاد العالمي والصيني تحديداً. ووجهها الثاني هو اضطراب العلاقات داخل تحالف «أوبك بلس» وخلافات الأعضاء المستترة والظاهرة بشأن عدالة توزيع حصص الإنتاج وعدم الالتزام بها.

في حين كانت السوق وبيوت الخبرة تتوقع تمديد تخفيضات الإنتاج بكل أنواعها. جاء القرار خليطاً من التمديد لنوع معين، وإلغاء تدريجي لنوع آخر. ليكون التحالف بذلك قد «أمسك العصا من الوسط». ليضمن من جهة استمرار تماسكه بإلغاء التمديد الطوعي إرضاء لبعض الدول مثل دولة الإمارات المعترضة على عدم عدالة التوزيع. وليضمن من جهة أخرى استمرار توازن الأسواق من خلال تمديد التخفيضات الأخرى.

أنواع التخفيضات وخلافات الأعضاء

ولتوضيح الصورة المتداخلة للقرارات والتخفيضات، تجدر الإشارة إلى أن تحالف «أوبك بلس» يطبق ثلاثة أنواع من التخفيضات هي:

  1. التخفيض الرسمي أو الإلزامي، وقدره 2 مليون برميل يومياً. ويطبق على جميع الدول الأعضاء باستثناء الدول الخاضعة للعقوبات أو التي تشهد حروباً مثل إيران وفنزويلا وليبيا الخ… وقد تقرر تمديد العمل به حتى نهاية العام 2025.
  2. التخفيض الطوعي الأول، وقدره 1.66 مليون برميل يومياً، والتزمت به تسع دول أعضاء. وكان مقرراً انتهاء مفاعيله بنهاية العام الحالي… وتقرر تمديد العمل به لمدة عام كامل حتى نهاية 2025 أيضاً.
  3. التخفيض الطوعي الثاني، وقدره 2.2 مليون برميل يومياً. والتزمت به 8 دول أعضاء هي: الجزائر، العراق، كازاخستان، الكويت، عُمان، روسيا، السعودية، والإمارات. وكان مقرراً انتهاء مفاعيله، في آخر يونيو 2024… وتقرر تمديد العمل به لثلاثة أشهر فقط. لتتم بعد ذلك زيادة الإنتاج تدريجياً وعلى أساس شهري من أكتوبر 2024 وحتى نهاية سبتمبر 2025. مع الالتزام بوقف العمل بالزيادة الشهرية أو العودة للتخفيض في حال تتطلب توازن السوق ذلك.

وخلافات الأعضاء على حصص الإنتاج

الحقيقة أن التخفيض الثالث كان مصدر الاضطراب الرئيسي في العلاقات بين الدول الأعضاء. وبالتالي مصدر الخطر على استمرار تماسك «أوبك بلاس». لأنه يتضمن نوعاً من الإجحاف، خاصة بحق الدول التي تمتلك طاقة إنتاجية كبيرة غير مستغلة لأنها تلتزم بحصص الإنتاج المقررة تبعاً للتخفيضات الإلزامية والطوعية. في حين اندفعت دول أخرى مثل روسيا والعراق وكازاخستان، إلى تجاوز حصص الإنتاج لتصل إلى الطاقة الإنتاجية القصوى التي تمتلكها. وتفاقم الإجحاف بالنظر إلى أن بعض الدول مثل السعودية ودولة الإمارات ضخت استثمارات ضخمة لزيادة طاقتها الإنتاجية. وذلك في وقت أحجمت فيه غالبية الدول والشركات النفطية عن الاستثمار.

اجتماع الرياض ركز على الالتزام بحصص الإنتاج. ووزير الطاقة السعودي يقول استهدف الاجتماع «التأكد أن الرسالة مفهومة بشكل شامل وتم الاتفاق عليها»

وبهذا المعنى، فإن قرار تعديل التخفيض الثالث جاء تحت ضغط مطالبة بعض الدول وخاصة دولة الإمارات بزيادة حصتها بما يتناسب مع طاقتها الإنتاجية. وجاء بالمقابل تحت ضغط الموقف الحازم للسعودية لحماية تماسك التحالف بالاستجابة لمطلب الإمارات من جهة مع التشديد على التزام كافة الدول بحصص الإنتاج من جهة أخرى. وذلك ما يفسر الموافقة على سقف جديد لإنتاج دولة الإمارات يبلغ حوالي 3.519 مليون برميل يومياً في عام 2025 مقابل حوالي 2.9 مليون برميل حالياً.

وهو ما يفسر من ناحية أخرى الدعوة العاجلة التي وجهتها السعودية، إلى وزراء الدول الثمانية المعنية بالتخفيض الثالث لعقد اجتماع حضوري في الرياض. بالتزامن مع الاجتماع المقرر عبر الإنترنت. وكان الهدف التشاور المباشر بهدف تثبيت الاتفاق على الالتزام بحصص الإنتاج. وهو أمر كان موضع بحث معمق خلال الأسابيع التي سبقت الاجتماع. وذلك ما أكد عليه صراحة وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع بقوله: « إن اجتماع  الرياض هو للتأكد من أننا نتفاعل مع بعضنا البعض، وأن الرسالة مفهومة بشكل شامل وتم الاتفاق عليها».

ماذا بعد «هزّة يونيو »؟ّ!

على الرغم من تشابك المعطيات والمتغيرات التي تحكم أسواق النفط، فإن التطورات المتعلقة حصراً بنتائج اجتماع يونيو، تتوقف على متغيرين رئيسيين.

«هزة يونيو» دفعت دول «أوبك بلس» إلى التهيب من «زلزال» انفراط عقده، فهل تدفع بقية الدول المنتجة إلى تهيب «زلزال» حرب أسعار جديدة

المتغير الأول: هو التزام الدول الأعضاء بالتحالف بحصص الإنتاج بما يضمن العدالة والإنصاف من جهة. وبما يضمن من جهة أخرى، استقرار العرض والطلب للحفاظ على المعدلات الحالية للأسعار. ويبدو أن «هزّة اجتماع يونيو» التي «شعرت بها» الدول الثمانية المعنية بالتخفيض الثالث، دفعت جميع الدول الأعضاء إلى تهيب «زلزال» انفراط عقد تحالف «أوبك بلس» وخلافات الأعضاء.

ويمكن في هذا السياق فهم البيان الصادر عن الاجتماع الذي جاء فيه: «رحب الاجتماع بتعهد كلٍ من العراق وروسيا الاتحادية وكازاخستان، بـ “تحقيق الالتزام الكامل”. وإعادة تقديم خطتهم المحدّثة للتعويض عن زيادة في الإنتاج عن مستوى الإنتاج المطلوب منذ يناير من 2024″.

المتغير الثاني: هو تحسن الطلب على النفط المرتبط بنمو الاقتصاد العالمي والصيني تحديداً. وكذلك بمعدلات الفائدة والتضخم في الدول الغربية. وهو أمر يكتنفه «اللايقين» وتضارب التوقعات والتحليلات.

ويبقي التساؤل المشروع، إذا كانت «هزة يونيو» دفعت دول «أوبك بلس» إلى تهيب «زلزال» انفراط عقده. فهل تدفع هذه الهزة معطوفة  على عدم تحسن النمو الاقتصادي والطلب على النفط، الدول المنتجة من خارج تحالف «أوبك بلس» إلى تهيب «زلزال» حرب أسعار جديدة. وهو خطر غير مستبعد في ظل استمرار هذه الدول «بالسطو» على حوالي 5.9 مليون برميل يومياً تمثل إجمالي تخفيضات الإنتاج من قبل دول تحالف «أوبك بلس».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى