مصر تستورد الغاز: هل عرقلت الشركات الإنتاج لتحصيل مستحقاتها؟

وزير البترول: تباطؤ التطوير والتنقيب بسبب تأخير الدفعات

بعد 3 سنوات «ِِسمان» قضتها في نادي الدول المصدرة للغاز، عادت مصر إلى نادي الدول المستوردة، لثلاث سنوات «عجاف». أو ربما أكثر، إذا لم تتم معالجة أسباب تدهور الإنتاج، وأهمها، كما تبين، تأخر تسديد مستحقات الشركات الأجنبية. إضافة إلى أسباب طبيعية تتعلق بتقادم الآبار وعدم تحقيق اكتشافات كبيرة.

تدهور الإنتاج وتزايد الطلب

انخفض إنتاج الغاز الطبيعي إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 6 سنوات، ليصل إلى 4.8 مليار قدم مكعب يومياً. وجاء هذا التراجع رغم النشاط الكثيف للاستشكاف والتنقيب. حيث نجحت مصر بجذب كبريات شركات النفط العالمية. كما نجحت بحفر عشرات الآبار خاصة في البحر الأبيض المتوسط. ولكن دون العثور على حقول كبيرة باستثناء حقل ظهر. وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول صحة ما يشاع عن ثروة ضخمة من الغاز في شرق المتوسط.

تراجع إنتاج حقل ظهر العملاق بحوالي الثلث، وشركة «إيني» لم تعلن الأسباب

وفي المقابل ارتفع الطلب على الغاز إلى أعلى مستوى له خاصة من قبل محطات توليد الطاقة الكهربائية.  إذ قفز الاستهلاك اليومي من الكهرباء بنسبة 12 في المئة ليصل إلى حوالي 37 غيغاواط. ما خلق عجزاً قدره 4 غيغاواط. ما اضطر الحكومة إلى تطبيق برنامج للتقنين والقطع.

… وتراجع صادرات الغاز الإسرائيلي

تزامن تدهور إنتاج الغاز المصري مع تراجع واردات الغاز الإسرائيلي بنسبة 22 في المئة خلال أشهر الصيف. لتصل إلى 900 مليون قدم مكعب يومياً. وذلك مقابل حوالي 1.15 مليار قدم مكعب يومياً في شهر يناير الماضي. ومعروف أن مصر بدأت استيراد الغاز من إسرائيل في 2020، في صفقة بلغت قيمتها 15 مليار دولار.  وذلك لتلبية جزء من الطلب المحلي، و تصدير الفائض على شكل غاز مسال إلى أوروبا.

الحل باستيراد الغاز المسال

وكان الحل الوحيد  باللجوء إلى استيراد الغاز المسال. حيث تم استقبال خمس شحنات من أصل 21 شحنة تم التعاقد عليها لفصل الصيف. وتم تخصيص مبلغ 1.18 مليار دولار لذلك. ويبدو واضحاً أن الاستيراد سيتواصل خلال العام المقبل. حيث أعلنت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» عن السعي لاستئجار سفينة تغويز (إعادة الغاز السائل إلى حالته الغازية) بعقد مدته خمس سنوات. ولا تمتلك مصر مثل هذه المحطات حالياً بعد التخلص من المحطة العائمة التي كانت تستخدم قبل العام 2018.

معضلة مستحقات الشركات الأجنبية

مع أن مصر اختبرت سابقاً التأثيرات المدمرة لعدم تسديد مستحقات الشركات الأجنبية، فقد اضطرت تحت ضغط الحاجة إلى السيولة لمواجهة المصاعب الاقتصادية والمالية، إلى إعادة الكرّة. وتوقفت عن تسديد هذه المستحقات منذ العام 2020 تقريباً. فتراكمت الدفعات حتى بلغت في شهر مارس الماضي حوالي 4.5 مليار دولار.

المستحقات المتراكمة 4.5 مليار دولار، والحكومة سددت الدفعة الأولى في يونيو وأعلنت عن تسديد الثانية في أكتوبر

وتتمثل التأثيرات المدمرة، بعزوف أو تلكؤ الشركات عن التنقيب والاستخراج وحتى عن صيانة الآبار. وكان هذا الاستنتاج يقع في خانة التكهنات والتأويلات المحظور تداولها. ولكنه بات حقيقة لا تقبل الجدل، بعد تأكيده من قبل وزير البترول المصري كريم بدوي. وهو العالم ببواطن الأمور، حيث شغل مناصب قيادية في تلك الشركات، كان آخرها منصب الرئيس الإقليمي لشركة «شلمبرجير» العالمية في مصر وشرق المتوسط. إذ قال إن «أحد أسباب تراجع إنتاج النفط والغاز بنسبة 25 في المئة تقريباً هو المتأخرات المستحقة لشركات النفط الأجنبية. ما أدى إلى تباطؤ برامج التنقيب والتطوير». وكان التراجع الأكبر والأخطر في إنتاج حقل ظهر العملاق بنحو الثلث. ولكن لم يصدر أي توضيح رسمي لا عن الحكومة المصرية ولا عن شركة «إيني» الإيطالية عن سبب هذا التراجع.

التسديد بأقساط متتالية

أمام هذه المعطيات، سارعت الحكومة المصرية إلى إعلان خطة لتسديد المتأخرات. حيث تم في شهر يونيو الماضي تسديد أول دفعة بقيمة 1.3 مليار دولار. وأعلن رئيس الحكومة مصطفي مدبولي عن تسديد المبلغ المتبقي وقدره 3.2 مليار دولار على ثلاث أقساط. على أن يدفع القسط الأول وقيمته 1.2 مليار دولار في أكتوبر المقبل، والقسط الأخير في يونيو 2025.

والشيئ بالشيئ يذكر، فقد عانت مصر بين الفترة 2012 – 2016 من ذات المشكلة. حين تراكمت المتأخرات لتبلغ حوالي 6.5 مليار مليار دولار. وتوقف التطوير والإنتاج حتى بوشر بتسديدها تدريجياً وليتم إقفال الملف في العام 2020. وصرح محافظ البنك المركزي المصري آنذاك طارق عامر «لولا سداد المتأخرات لم تكن الشركات لتعود إلى مصر مجددا للتنقيب واستخراج الغاز».

زر الذهاب إلى الأعلى