; النفط نعمة وليس تهمة: فماذا انتم فاعلون لوقف «شيطنته» ؟ - طاقة الشرق TAQAMENA

النفط نعمة وليس تهمة: فماذا انتم فاعلون لوقف «شيطنته» ؟

الرئيس جو بايدن يحارب بالتصريحات والسياسات والقوانين النفط المدمر للمناخ والبيئة. ويهرول إلى السعودية طالباً عدم تخفيض الإنتاج. والمستشار أولاف شولتز يقفل أنابيب الغاز الروسي، ويهرع إلى قطر وأميركا لاستيراد الغاز المسال. والفاتح بيرول يبشر بأن ارتفاع استهلاك النفط هو “الشهقة الأخيرة قبل الموت”. ليتبين أنه كلام “للاستهلاك الإعلامي”. لأن النفط سيبقى مكوناً رئيسياً في مزيج الطاقة العالمي بعد العام 2050، كما تؤكد تقارير  وكالة الطاقة الدولية.

وتتواصل معزوفة تشويه الحقائق مع مراكز البحث ووسائل الإعلام، وجيوش “متطرفي المناخ ومرتزقة البيئة”. الذين حولوا النفط والغاز إلى نقيصة وتهمة يحرص الجميع على التبرؤ منها. وبات أي انتقاد موضوعي للطاقة المتجددة بهدف تطوير دورها ومساهمتها في مزيج الطاقة، يصنف في خانة “التجديف على المناخ”. ويصنف كاتبه في خانة “الخبراء والصحافيين مدفوعي الثمن”، كما قال أحد الخبراء العرب في صحيفة عربية.

خطورة الفصل بين أمن الطاقة وأمن المناخ

إضافة إلى السياسات والقوانين والإجراءات المقيدة والمانعة لأنشطة الوقود الأحفوري ولتمويلها، وصل الأمر إلى محاولة استصدار قرار من مجلس الأمن باعتبار الوقود الأحفوري تهديداً للسلم والأمن العالميين. كما جرت محاولة لإشراك المحكمة الجنائية الدولية باعتبار الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري بمثابة إبادة جماعية وتصنيفها كجريمة خامسة ضد الإنسانية. ورغم فشل هذه المحاولات، لكنها تؤشر إلى خطورة السياسة التي تعتمدها أميركا ومجموعة الدول السبع في مقاربة مسالة مصيرية هي أمن الطاقة وأمن المناخ.

راجع مقال: بين أمن الطاقة وأمن المناخ: ارتبكت أميركا وأربكت العالم

إدمان الوقود الأحفوري

قبل أن نسأل ماذا أنتم فاعلون، نتساءل؛ هل يتخيل عاقل أن يصل تشويه الحقائق، إلى حد إتهام الأمين العام للأمم في خطاب علني وليس همساً في غرفة مغلقة، منتجي النفط “بترويج الكذبة الكبرى بشأن أضرار النفط والغاز، كما فعلت شركات التبغ”. مطالباً “بوقف إدمان الوقود الأحفوري”. مع علمه اليقين أن أضرار النفط أكبر بكثير من أضرار التبغ. ولكن مع تغاضيه بالمقابل عن حقيقة أن التبغ لا فائدة تذكر فيه، وأن النفط كان وسيبقى لمدة طويلة محرك أكبر نهضة شهدتها البشرية. وليتفضل الأمين العام بأن يكون القدوة لوقف إدمان النفط، بأن يأتي إلى مكتبه كل صباح، راكبا دراجة هوائية بدل سيارته الفارهة. أو ليتفضل بالعمل على تعميم تنفيذ اقتراحه بفرض ضرائب على “الأرباح غير المتوقعة” لشركات النفط كما فعلت بريطانيا، وحصدت حوالي 25 مليار جنيه إسترليني. على أن تستخدم هذه الأموال لتنظيف الوقود الأحفوري. ولكن يبدو أن المدمن على الوقود الأحفوري يحتاج دائما إلى زيادة الجرعة.

بلومبرغ و فورين أفيرز تتصديان لحملة «شيطنة» الوقود الأحفوري، وسط انكفاء وتهيب المؤسسات البحثية والإعلامية العربية

ماذا أنتم فاعلون

عند هذا الحد يثار سؤال كبير، حول كيفية تعامل الدول المنتجة للنفط مع تلك الحملة الممنهجة «لشيطنة» الوقود الأحفوري. والتركيز المشبوه والمستغرب على الدول النامية المنتجة له. وضرورة إثارة نقاش جدي على مستوى الهيئات الحكومية والمؤسسات البحثية والإعلامية العربية. وذلك بهدف بلورة تصورات واضحة حول دوافع وأهداف وأبعاد هذه الحملة. والبحث في جدوى التصدي لها ومخاطر تجاهلها. ولعل الخطوة الأولى التي تتبادر إلى الذهن هي ترك موقع الدفاع ومنصة المتهم والانتقال إلى موقع الهجوم ومنصة المدعي.

وإذا كان الموقف المتحفظ للهيئات الحكومية مفهوماً أو مبرراً، فما ليس مفهوماً ولا مبرراً هو موقف المؤسسات البحثية والإعلامية. التي تعيش حالة من الانكفاء والتهيب. بل غالباً ما تأتي مواقفها أقل من مواقف بعض المسؤولين. ويسجل في هذا السياق المواقف الحازمة لكل من وزيري الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، والإماراتي سهيل المزروعي، ورئيسي شركتي  أرامكو أمين الناصر و شل وائل صوان . الذين تصدوا لبعض المسائل بالغة الخطورة مثل الضغط لتخفيض الاستثمارات في قطاع النفط والغاز.

وكان لافتاً على صعيد مواقف المؤسسات البحثية والإعلامية العربية، أن تكون وكالة بلومبيرغ هي أبرز من تصدى للحملة على رئيس كوب 28. وأطلقت الشعار الشهير “المناخ يحتاج إلى حليف مثل سلطان الجابر”. وكذلك دورية “فورين أفيرز” وليس أي مركز بحثي وإعلامي عربي، التي تصدت عبر سلسلة مقالات جريئة وعلمية، للحملة على الوقود الأحفوري. واضعة الأمور في نصابها الصحيح بالتركيز على حقيقة أن “أكبر تهديد لأمن المناخ هو التضحية بأمن الطاقة”.

راجع مقال: أمن الطاقة وأمن المناخ: بين فضيلة الدمج ورذيلة الفصل

وقف إدمان الوقود الأحفوري كما يطالب أمين عام الأمم المتحدة، يكون بالتخفيض التدريجي المدروس «للجرعات»، وليس بزيادة الاستهلاك كما تفعل الدول الكبرى

ونختم بسؤال عله يكون مقدمة للبحث؛ ما الذي يمنع مبادرة مراكز الأبحاث والدراسات وكبريات وسائل الإعلام العربية، غير الحكومية، من التداعي للتباحث في كيفية التصدي لهذه الحملة. ولتكن الأهداف والطموحات متواضعة وواقعية. تداركا لأي محظور سياسي أو إحراج مهني. ولتبدأ مثلا بما يلي:

– صحيح ان النفط الغاز هو جزء من مشكلة التغير المناخي، ولكن الأصح أنه جزء من الحل. بل لا يستقيم أي حل شامل ومستدام بدون النفط والغاز.

– تطوير وتوسيع استخدامات الطاقة النظيفة، مع السعي لتنظيف الطاقة التقليدية سواء بخفض الانبعاثات عن طريق احتجاز واستخدام الكربون. أو عن طريق وقف انبعاثات الميثان. وهو أمر ممكن. ولكن غير الممكن والمسكوت عنه هو انبعاثات الميثان من الزراعة والثروة الحيوانية والتي تعادل أو تفوق النفط والغاز .

– تذكير السيد أمين عام الأمم المتحدة، بأن “وقف إدمان الوقود الأحفوري” لا يتم بزيادة الجرعات أو الاستهلاك كما يحصل. بل بالتخفيض التدريجي والمسؤول لتجنب التداعيات الكارثية لأي اختلال في الإمدادات والمخزونات، على النمو وعلى أمن الطاقة. وتذكيره بأن الدول المنتجة ستكون جاهزة لتوريد “جرعات” بديلة  من الهيدروجين الأخضر وربما الفيروزي ومن الأمونيا الخضراء والزرقاء.

– السعي لتصحيح الصورة الذهنية عن النفط والغاز. والتأكيد على أنه ليس نقيصة أو تهمة يخجل بها مالكها، بل هو نعمة للبشرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى