الهيدروجين الأخضر: فورة مشاريع «على الورق» بانتظار المشترين والممولين

نسبة المشاريع المنفذة 7% من المشاريع المعلنة

 

من أصل 1600 مشروع للهيدروجين الأخضر والنظيف المعلن عنها، هناك حوالي 190 مشروعاً فقط سترى النور. والباقي سيتعثر أو يصرف النظر عنه. وكان مجلس الهيدروجين قد ذكر أن نسبة المشاريع المنفذة لا تتجاوز 7 في المئة. ويرجع ذلك إلى سببين مترابطين هما: ارتفاع تكلفة مشاريع الهيدروجين الأخضر، مقارنة بأنواع الهيدروجين المستخرجة من الغاز. والثاني عدم وجود مشترين مستعدين للارتباط بعقود ملزمة لشراء الإنتاج، ما يؤدي حكماً إلى إحجام المؤسسات والمصارف عن التمويل.

أبلغ تلخيص للمشكلة، نقله تقرير لموقع «بلومبيرغ الشرق» عن مارتن تينغلر، المحلل لدى “بلومبرغ إن إي إف” قال فيه: “لا يوجد مطور مشاريع حكيم ينفذ مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر، بدون وجود مشترٍ له. ولن يقبل أي مصرف تمويل المشروع بدون الثقة بإمكانية بيع الإنتاج وتسديد الأقساط”. وأشار التقرير إلى أنه حتى الاتفاقيات التي أبرمتها غالبية المشاريع لبيع الإنتاج، كانت غير ملزمة وتتسم بالغموض. ما يعني إمكانية تجاهلها دون أي تبعات قانونية.

إقرأ أيضاً: الهيدروجين: انطلاقة قوية تعرقلها التكلفة المرتفعة

وكان تقرير تدفقات الهيدروجين العالمية، الذي أصدره مجلس الهيدروجين بمشاركة شركة ماكينزي آند كومباني. قد ذكر أن قيمة الاستثمارات في المشاريع المسجلة أو المعلنة بلغت قيمتها حتى أكتوبر 2023 حوالي 570 مليار دولار. وبقدرة انتاجية لهذه المشاريع تفوق 45 مليون طن سنوياً. والملفت أن أوروبا سجلت النسبة الأدنى في عدد المشاريع المنفذة إلى المشاريع المعلنة، إذ بلغت 3 في المئة. مقابل 15 في المئة في أميركا و 35 في المئة في الصين.

ماذا عن المشاريع الناجحة؟

في المقابل يلاحظ تقرير مجلس الهيدروجين، أن المشاريع التي وضعت على سكة التنفيذ والقابلة للحياة، هي تلك التي ترتبط بعقود لبيع الإنتاج. والتي تقام في منطقة جغرافية قريبة من المستهلك النهائي، وتتوفر فيها مصادر الطاقة المتجددة.

وأبرز نموذج لهذا النوع من المشاريع هو مشروع «نيوم للهيدروجين الأخضر» في السعودية. فهو بالإضافة إلى أنه الأكبر في العالم. فهو أيضاً الأسرع تنفيذاً حتى الآن. والسبب أنه تم بيع إنتاجه ولمدة 30 عاماً، قبل بدء التنفيذ. الأمر الذي ساهم بتوفير كامل التمويل، بمبلغ 8.2 مليار دولار عند الإغلاق المالي. يضاف إلى ذلك ميزة ينفرد بها المشروع، وتتمثل بالصيغة التكاملية والدائرية لتصميمه ولدوره في إطار مشروع «نيوم» العملاق.

إقرأ أيضاً: «نيوم للهيدروجين الأخضر»: أرقام قياسية ونموذج استرشادي

مشروع آخر مماثل في السويد، تدعمه شركة «إتش 2 غرين ستيل» H2 Green Stee . ويمتاز بقربه من مصنع الشركة المتخصص بإنتاج الصلب الأخضر. ونظراً لوجود المشتري ولوفرة الطاقة الكهرومائية في المنطقة، فقد حصل المشروع على تمويل بحوالي 7 مليارات دولار.  وهناك مشروع آخر مشابه تطوره شركة «هاي ستور» قرب مصنع شركة «إس إس أيه بي»  SSAB للصلب في أميركا. ويمتاز بتوقيع عقود لشراء الإنتاج. وكذلك بوفرة طاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية في المنطقة.

بالعودة إلى تفصيل أسباب تعثر أو جمود غالبية مشاريع الهيدروجين الأخضر خاصة في أوروبا والشرق الأوسط، يلاحظ ما يلي:

معضلة ارتفاع تكلفة الهيدروجين الأخضر

رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لتخفيض تكلفة الهيدروجين الأخضر. ورغم بعض النجاح النسبي المحقق في بعض الدول وبخاصة الصين، فإن هذه التكلفة لا تزال مرتفعة بشكل كبير. ما يفقده القدرة على المنافسة مع الهيدروجين الرمادي والأزرق المستخرج من الغاز والفحم. فالهيدروجين الرمادي (يطلق كميات ضخمة من الكربون في الهواء) تتراوح تكلفته بين 1 و 3 دولارات لكل كيلوغرام. مقابل 1.5 ـ 4.5 دولار للهيدروجين الأزرق (يتم احتجاز الكربون وإعادة استخدامه). أما الهيدروجين الأخضر النظيف تماماً، فتتراوح تكلفته بين 5 و 12 دولاراً للكيلوغرام. وتنخفض التكلفة إلى أقل من 5 دولارات في حال استخدام أجهزة التحليل الكهربائي الصينية «الرخيصة».

وشكلت نزعة الحمائية في أميركا وأوروبا ضد الصين عاملاً إضافياً في ارتفاع أسعار أجهزة التحليل الكهربائي. ما قوض خطط تخفيض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى أقل من 3 دولارات.

معضلة النقل والبنية التحتية

مشاريع الهيدروجين، المصدر مجلس الهيدروجين

تتمثل بعدم وجود بنية أساسية للنقل والتصدير وسلاسل إمداد متكاملة ومتطورة. فقد تم مثلاً إنشاء البنية الأساسية للغاز الطبيعي بعد التأكد من وجود كميات ضخمة قابلة للاستخراج والتصدير على جبهة العرض. ووجود سوق استهلاكية كبيرة وقابلة للنمو على جبهة الطلب. وشمل ذلك شبكة ضخمة من الأنابيب وناقلات خاصة للغاز المسال. وذلك لا يتوافر حتى الآن للهيدروجين الأخضر.

ويحتاج الهيدروجين إلى بنية تحتية خاصة به، من أنابيب ومرافق تصدير واستيراد وناقلات. ويعتبر نقله أصعب من الغاز الطبيعي. لأنه يتطلب التبريد إلى درجات فائقة. أو تحويله إلى أمونيا خضراء بعد دمجه مع النيروجين. ويشكك الكثير من الخبراء بإمكانية استخدام خطوط أنابيب الغاز لنقل الهيدروجين كما يروج البعض. لأن الهيدروجين يتسبب بتلف تدريجي وحدوث تشققات متناهية الصغر في الأنابيب، ما يؤدي إلى تسربه. وهو الأمر الذي يتطلب أنابيب خاصة.

وتتظهر المشكلة في دول المنطقة، لأن غالبية المشاريع المعلنة، مخصصة للتصدير كما في مصر والمغرب وسلطنة عمان. خاصة وان هذه الدول لا يمكنها استهلاك الهيدروجين الأخضر في أسواقها المحلية لأسباب عديدة أهمها التكلفة المرتفعة مقارنة بمصادر الطاقة المعتمدة مثل الطاقة الكهرومائية والغاز والفحم.

تبقى الإشارة إلى مشكلة مخفية، تمثل بتركيز سياسات الدعم والتحفيز الحكومية على جانب الإنتاج والمنتجين. بدلاً من خلق الحوافز وسن القوانين وتطوير الأطر التنظيمية لتشجيع الاستهلاك ودعم المستهلكين كما حدث في إطلاق فورة طاقة الشمس والرياح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى