; سعد البراك و«شغف المغامرة» بتطوير قطاع النفط الكويتي - طاقة الشرق TAQAMENA

سعد البراك و«شغف المغامرة» بتطوير قطاع النفط الكويتي

هل يشكل تعيين رجل الأعمال والاقتصادي سعد البراك وزيراً للنفط في الكويت، مؤشراً على بداية مرحلة جديدة تستهدف إخراج القطاع النفطي من حالة الجمود والتراجع، التي باتت تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. وهل حان الوقت لتنفيذ الإستراتيجية النفطية المتعثرة منذ عدة سنوات. ما يسمح بإعادة ترسيخ الموقع الريادي التاريخي للكويت في مجالات النفط واستثمار عوائده.

تم إطلاق استراتيجية نفطية في العام 2003، لتطوير طاقة الانتاج والتكرير، ولم يتم تنفيذها حتى الآن

نشير بداية إلى أنه تم وضع استراتيجية نفطية للكويت قبل عقدين من الزمن تقريباً، استهدفت تطوير طاقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي، وطاقة التكرير. ولكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ مطلقاً. ومن “طرائف الصدف” أن يلتقي على طاولة مجلس الوزراء الجديد كل من الوزير الشيخ أحمد الفهد الذي أطلق هذه الإستراتيجية في فبراير 2003 حين كان يتولى حقيبة وزارة النفط، والوزير الجديد للنفط سعد البراك الذي يواجه كغيره من أسلافه مسؤولية تنفيذها. علماً ان كل الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة النفط حرصوا على تأكيد الالتزام بتنفيذ بنود تلك الاستراتيجية.

ماذا تضمنت الإستراتيجية وماذا تحقق منها؟

وضعت التوجهات الاستراتيجية للقطاع النفطي جملة أهداف كمية لتحقيقها بحلول العام 2020، ويمكن تلخيص أبرز ملامح هذه التوجهات والنتائج المحققة كالتالي:

إنتاج النفط الخام: نصت الإستراتيجية، على زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 3.5 م/ب/ي في العام 2015، ومن ثم إلى 4 م/ب/ي مليون برميل في 2020، مع المحافظة على هذا المعدل حتى العام 2030.

أما النتائج المحققة، فكانت تراجع الطاقة الانتاجية في العام 2020، إلى حوالي 2.9 مليون برميل يومياً، مقابل 3.3 مليون برميل في العام 2010.

الغاز الطبيعي: نصت الإستراتيجية على زيادة الطاقة الانتاجية إلى 2.1 مليار قدم مكعب يومياً في العام 2020 ثم إلى 3 مليارات قدم مكعب بحلول العام 2030.

ولم تكن النتائج المحققة أفضل. فقد بلغت الطاقة الانتاجية 490 مليون قدم مكعب يوميا في مارس 2020. وتحولت الكويت إلى دولة مستوردة للغاز. وتقدر شركة (بي بي) انها استوردت في العام 2021 حوالي 7.7 مليار متر مكعب.  وارتفع الإستيراد بمعدل سنوي قدره حوالي 10 في المئة منذ العام 2011. وتقدر (بي. بي) أن الكويت تحرق سنوياً حوالي مليار متر مكعب من الغاز المصاحب بدل جمعه واستخدامه.

تراجع طاقة إنتاج النفط والغاز والتكرير، وتحول الكويت إلى دولة مستوردة للغاز وبعض المنتجات المكررة

التكرير والتصنيع: نصت الإستراتيجية على زيادة الطاقة التكريرية لتصل إلى 1.4 مليون برميل يومياً على المدى المتوسط ومن ثم إلى 1.6 مليون برميل يومياً في العام 2020.

ومرة ثالثة، جاءت النتائج مخالفة للمخطط له. إذ تراجعت طاقة التكرير من 936 ألف برميل يومياً في العام 2010 إلى 736 ألفا في 2020. وحتى مع تشغيل مشروع الوقود البيئي في مارس 2022 الذي تأخر تنفيذه عدة سنوات، لم تتجاوز الطاقة التكريرية 800 ألف برميل يومياً. وطبعاً الأمل معقود على التشغيل الكامل لمصفاة الزور، التي طرحت كمشروع ضخم ومستقبلي في العام 2005. علماً أن مشكلة المنتجات المكررة تفاقمت مع إغلاق مصفاة الشعيبة في العام 2017، قبل إنجاز مصفاة الزور. ما أدى إلى استيراد زيت الوقود والبنزين من الدول المجاورة. وتزامن ذلك مع عمليات تطوير كبيرة في مصفاتي الأحمدي وميناء عبدالله بدأت في ابريل 2014 بكلفة 15.5 مليار دولار.

وكان اللافت في مواجهة التعثر في تنفيذ الاستراتيجية، التوجه إلى إطلاق أهداف أكبر مع تمديد الفترة الزمنية، فظهرت طروحات جديدة مثال استراتيجية 2030، ومن ثم استراتيجية 2040. وفي مطلع 2018 أعلن نزار العدساني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية عن خطة لإنفاق حوالي نصف تريليون دولار على المشاريع النفطية حتى عام 2040، من بينها 114 مليار دولار خلال أول خمس سنوات.

أسباب التعثر 

طبعاً القيادات السياسية ومسؤولي قطاع النفط يعرفون أسباب المشكلة كما يعرفون الحلول اللازمة لها. ويجمع المسؤولين الكويتيين على أن العوامل السياسية والعلاقة غير المستقرة بين مجلس الأمة والحكومات المتعاقبة، تعتبر أحد أهم أسباب حالة الجمود. ولخص ذلك الوزير عصام المرزوق الذي تولى وزارتي النفط والكهرباء والماء بقوله “هناك حالة من طغيان الجانب السياسي على الجانب التنموي. وهذه المعضلة لا تتعلق بالقطاع النفطي وحده وإنما بكل القطاعات الاقتصادية في البلاد”.

وتوجد أسباب اخرى أقل أهمية، تتعلق بالتمويل، والافتقاد إلى التكنولوجيا المتقدمة في بعض الحالات المتعلقة بالحقول الصعبة والمتقادمة وبالحفر العميق وبالاستكشاف في المياه البحرية. وهو ما يستوجب البحث الجدي في تعميق التعاون مع الشركات النفطية الدولية التي تمتلك الإمكانيات المالية والفنية.

استعادة الموقع الريادي 

كان النفط وسيبقى حتى إشعار آخر المحرك الرئيسي للاقتصاد الكويتي. ولا تزال عوائده تشكل نحو 90 في المئة من الموازنة العامة. كما أن الكويت كانت، وهي مؤهلة لتبقى، من الدول الرائدة في استغلال ثروتها النفطية سواء في مجال الاستكشاف والانتاج والتصنيع والتوسع الخارجي، أم في مجال توظيف العوائد المالية. حيث تشكل تجربة صندوق الأجيال المقبلة وتجربة استثمار العوائد نموذجاً يحتذى إقليمياً ودولياً.

هل تستعيد الكويت موقعها كنموذج يحتذى في إدارة الثروة النفطية واستثمار عوائدها

ولا ينقص الكويت لا الخبرة ولا الكفاءات ولا الخطط والاستراتيجيات. فالمشكلة كانت دائماً في التنفيذ. ويمثل ذلك التحدي الكبير الذي يواجه الوزير سعد البراك. وهو ما أكد عليه في مقابلة صحافية بقوله: “الخطط والاستراتيجيات والمشاريع الموجودة ممتازة ومتناغمة، لكن جوهر المشكلة في تنفيذها”. ويضيف “نحن نجحنا بتطوير دستور متقدم، وبنينا دولة مؤسسات متكاملة، لكن نحتاج إلى تطوير الأداء الحكومي وأساليب الحكم بعيداً عن الطرق التقليدية التي تضمن البقاء ضمن منطقة الراحة والأمان. ولا زلنا نعيش في ظل أسطورة أن بلادنا غنية وتمتلك احتياطيات نفطية ضخمة وصندوق ثروة سيادية كبير. وهذا تفكير قصير المدى. يجب أن يتغير”.

فهل تكون التداعيات السلبية لتعثر استراتيجية النفط، معطوفة على التطورات الدولية المتسارعة للاستغناء عن الوقود الأحفوري، عاملاً محفزاً لإعادة نظر شاملة في مقاربة الملف النفطي. وليكون تعيين البراك وزيرا للنفط ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، أحد المؤشرات على ذلك؟.

نقاط قوة البراك

يخوض سعد البراك غمار مواجهة معضلة التنفيذ منطلقاً من كفاءة علمية. فهو حاصل على درجتي دكتوراة الأولى في إدارة نظم المعلومات من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة عام 1990. والثانية في إدارة نظم تقنية المعلومات عام 2001 من جامعة لندن، وقد حصل على ماجستير في هندسة الأنظمة الصناعية عام 1982 من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة.

كما ينطلق من خبرة طويلة في إدارة الشركات حقق خلالها إنجازات كبيرة. فقد تمكن مثلاً في غضون سبع سنوات من توليه قيادة شركة الاتصالات المتنقلة، من تحويلها من شركة كويتية بقاعدة عملاء تبلغ حوالي 500 ألف مشترك إلى مجموعة اتصالات عالمية مع حوالي 72 مليون مشترك في 23 دولة. ولتقفز إيراداتها من من 400 مليون دولار إلى 8.2 مليار دولار. كما نجح في أعماله الخاصة . فتمكن من تحويل شركة  ILA التي أسسها في العام 2011، للاستثمار في الشركات الناشئة، إلى مجموعة ضخمة تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات.

ويمتلك الوزير البراك معرفة عملية في العمل العام. حيث يتولى منذ العام 2018 منصب نائب رئيس مجلس إدارة الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعضو المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية منذ 2019، ونائب رئيس مكتب الإنماء الاجتماعي التابع للديوان الأميري.

وليبقى السؤال.. هل تكون تجربة العمل الحكومي وتنفيذ الاستراتيجية النفطية، إضافة نوعية في مسيرة سعد البراك، ولتشكل فصلاً جديداً في الكتاب المهم الذي ألفه “شغف المغامرة” ام تكون خاتمة حزينة لهذا الكتاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى