معادن أعماق البحار: هل يشعل تعثر التنظيم الفوضى والصراعات؟

للسنة الثانية على التوالي تفشل الجمعية العامة للهيئة الدولية لقاع البحار في اتخاذ قرار بشأن المخاطر البيئية للاستغلال التجاري لمعادن أعماق البحار، وإقرار قانون دولي لتنظيمه. وكما العام الماضي تم ترحيل المشكلة إلى اجتماع العام المقبل. وإذا كان ذلك شكل نكسة كبيرة لمعسكر معارضي التعدين بقيادة أميركا. فهو شكل أيضاَ نكسة للمؤيدين بقيادة الصين. ومعروف أن قاع المحيطات يحتوي على عشرات مليارات الأطنان من المعادن النادرة الصافية على شكل كرات بحجم حبة البطاطس.

«مهلة السنتين» والفوضى

لأن الجميع يدرك صعوبة إقرار القانون الدولي، فهناك تخوف من أن يؤدي ذلك، إلى حالة من الفوضى وعمليات الاستغلال التجاري المتلفتة من أية ضوابط. أولاً على مستوى التراخيص في المناطق الاقتصادية الخالصة لكل دولة. وثانياً على مستوى التراخيص في المياه الدولية. حيث تعتبر بعض الدول الصغيرة والجزرية وبدعم من كبريات الشركات، أن من حقها طلب الترخيص، وأنه من واجب الهيئة الموافقة.

إقرأ أيضاً: «حرب الأعماق» للفوز بمليارات الأطنان من المعادن النادرة (1 من 2)

وتستند هذه الشركات ومن أمامها الدول، في مطالبتها إلى القرار الصادر عن الهيئة الدولية لقاع البحار في 2017. والذي قضى بإنجاز قانون دولي مع اللوائح التنظيمية والمعايير البيئية بحلول العام 2020. ولكن تم الاتفاق في العام 2021 وبسبب جائحة كورونا على إعطاء مهلة حتى يوليو 2023، فيما عرف بـ «مهلة السنتين». على أن يتم البدء بتلقي طلبات الترخيص التجاري تلقائياً بعد انقضاء المهلة. ولكن تم التوصل إلى حل وسط العام الماضي بتأجيل منح التراخيص لمدة عامين أيضاً تنتهي في العام 2025.

إقرأ أيضا: معادن أعماق البحار: حل وسط بتأجيل التراخيص لمدة عامين

وتوقع حالة الفوضى، يستند إلى إعلان عدد من الدول والشركات عزمها مباشرة التعدين التجاري. وذلك ما عبرت عنه بوضوح «حاملة لواء التعدين التجاري»، جمهورية ناورو في المحيط الهادئ التي يبلغ عدد سكانها 12 ألف نسمة. حيث أعلنت على لسان رئيس الجمهورية أنها بصدد إعداد ملف طلب الترخيص نيابة عن شركة ناورو لموارد المحيطات(NORI)، وهي شركة تابعة لشركة ميتالز الكندية TMC لتقديمه قبل نهاية العام. وقال: سنمضي قدماً في حصاد «العقيدات» في صدع كلاريون كليبرتون. ولن ننتظر صدور القانون الدولي العتيد. وشدد على ان ثروة معادن أعماق البحار ليست مجرد فرصة لتحقيق التنمية، بل هي شرط لبقائنا. وأعلنت شركة ميتالز من جانبها أنها تخطط لبدء الانتاج التجاري في أوائل العام 2026.

التعدين التجاري بدأ فعلاً

وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدد كبير من الدول بدأت فعلاً باستغلال معادن قاع البحار في مناطقها الاقتصادية الخالصة مثل الصين، روسيا، النرويج، الهند، اليابان وتشيلي وغيرها. كما منحت الهيئة الدولية لقاع البحار حوالي 36 ترخيصاً للاستكشاف فقط، موزعة على 21 دولة. وتأتي في مقدمة هذه الدول: الصين وروسيا وكوريا وفرنسا وألمانيا الخ… ويلاحظ هنا الغياب المباشرة للولايات المتحدة بسبب عدم انضمامها أصلاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ولكنها حاضرة بالطبع من خلال دول حليفة.

خطورة التعدين بدون قانون

تكمن خطورة المباشرة بأعمال التعدين التجاري، بدون أقرار القانون في عدة مسائل من أهمها:

  •  عدم وجود نظام لتقاسم التكاليف والعوائد بين الشركات والدول في العقود المتعلقة بالمياه الخاضعة للولاية القضائية الوطنية. وهو نظام يجب ان يكون أكثر إنصافاً للدول المالكة للثروات من نظام التعدين الأرضي الذي تم وضعه وتطويره على مدى عدة عقود.
  • عدم وجود نظام مماثل للعقود المتعلقة بالمياه الواقعة تحت الولاية القضائية الدولية. والتي تقدر بأكثر من 50 في المئة من مساحة قاع البحار. والأهم هو عدم تحقيق أي تقدم لتنفيذ قرار الأمم المتحدة التاريخي لعام 1975. والذي قضى باعتبار ثروات قاع البحار “تراث مشترك للبشرية“. ونص على إنشاء صندوق خاص توضع فيه نسبة من أرباح شركات التعدين تخصص لمساعدة الدول الفقيرة.
  •  عدم وجود أية معلومات او حتى تقديرات بشأن الأضرار البيئية والمناخية المترتبة على عمليات التعدين. وقد اختصر هذا «الجهل المطبق» رئيس اللجنة التوجيهية لرسم خرائط قاع المحيطات الأدميرال شين تاني بقوله: نحن نعرف عن تضاريس وتكوينات سطح المريخ، أكثر بكثير مما نعرف عن تكوينات قاع المحيطات. وكان الاكتشاف المذهل الذي تحقق مؤخراً بأن معادن قاع البحار تولد الأوكسيجن خير دليل على ذلك.

إقرأ أيضاً: حرب معادن الأعماق: هل يكون صدع كليبرتون، إقليم دونباس نرويجي (2 من 2)

معادن قاع البحار تولد الأوكسيجن

توصلت دراسة قادها نخبة من العلماء إلى أن الشحنة الكهربائية المرتبطة بالعقيدات المعدنية فى قاع البحر حيث لا ضوء للشمس قادرة على تقسيم الماء إلى عنصري الهيدروجين والأوكسيجن. وينقض ذلك الاعتقاد الذي ساد على مدى آلاف السنوات، بأن الأوكسيجن الموجود في المحيطات يأتي فقط من الكائنات الحية التي تحول ثاني أكسيد الكربون إلى أوكسيجن من خلال عملية التمثيل الضوئي. وقال موراي روبرتس، أستاذ علم الأحياء البحرية في جامعة إدنبرة: أعتقد أن هذا هو أكبر تحول في علم أعماق البحار.

وجاء التشكيك في نتائج الدراسة، كما كان متوقعاً، من شركة ميتالز الكندية التي زعمت أن العينات موضع الدراسة، كانت ملوثة بمياه البحر. ولكن عدداً كبيراً من العلماء أعلنوا أنهم توصلوا إلى نتائج مماثلة. ولكنهم تريثوا في إعلانها بسبب «غرابتها»، كما قال البروفيسور أندرو سويتمان.

الإطاحة بالأمين العام

حاول المعسكر المعارض للتعدين التجاري، إدراج بند على جدول أعمال الجمعية العامة، يستهدف استصدار قرار لـ «تطوير سياسة عامة لحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها». لكن المعسكر المؤيد رفض مجرد البحث في هذه المسألة. واستند في ذلك على أن المكان المناسب لمناقشتها، هو مجلس الهيئة المكون من 36 دولة، وليس الجمعية العامة التي تضم 169 دولة. الأمر الذي اضطر تشيلي التي تقدمت بالاقتراح إلى سحبه، معلنة على لسان ممثلها «إننا نشعر بخيبة أمل».

ولكن المعسكر المعارض سجل خرقاً كبيراً تمثل بالإطاحة بالأمين العام البريطاني مايكل لودج. وانتخاب البرازيلية ليتسيا كارفاليو المعروفة بمواقفها المناهضة للتسرع ببدء منح رخص التعدين التجاري.  وكانت كارفاليو وهي عالمة محيطات ورئيسة قسم المياه البحرية والمياه العذبة في الأمم المتحدة، قد صرحت قبيل انتخابها، بأنه لا ينبغي منح أي شركة ترخيصاً قبل وضع ضمانات واضحة. واعتبرت أن  السماح بالاستغلال غير المنظم لقاع المحيطات قد يسبب ضرراً لا يمكن وقفه او تعويضه. وتعهدت بالعمل كحكم عادل بين العلوم المتطورة ومصالح الشركات ومواقف الدول المتنافسة

أما الأمين العام السابق الذي سيترك منصبه مطلع العام المقبل، فمعروف بتأييده للتعدين التجاري. واعتبر عدم منح تراخيص التعدين، مناهضاً للعلم، ومناهضاً للمعرفة، ومناهضاً للتنمية، ومناهضاً للقانون الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى