«ثورة» أمير الكويت و «تحرير» قطاع النفط

هل يبادر الوزير العتيقي بتحريك ملف الاستعانة بشركات النفط الأجنبية؟

… وفي الكويت كان الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، هو من «أطلق الثورة»، ضد حالة الشلل وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية. وكان الشعب مؤيداً، والنخب السياسية راضية، وصقور المعارضة متهيبة. الأمر الذي يضع على عاتق الحكومة والنخب السياسية، مسؤولية تنفيذ الحلول الجاهزة للمشاكل المتراكمة والمزمنة. وفي مقدمتها تطوير قطاع النفط والتصدي لمعضلة الاستعانة بشركات النفط الأجنبية.

الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح

رغم إلحاح وأهمية كل المشاكل التي تواجهها الكويت، وفي مقدمتها تطوير وحماية التجربة الديمقراطية الرائدة. فإن قطاع النفط يكتسب الأولوية على ما عداه. لأن عائدات النفط تشكل الأداة الرئيسية لحل الجزء الأكبر من تلك المشاكل. ولأن القطاع النفطي يشهد تدهوراً مقلقاً في الطاقة الإنتاجية وفي العوائد المالية. وذلك على الرغم من امتلاك الكويت كل المقومات التي تؤهلها لتبقى في طليعة الدول المنتجة للنفط. سواء على مستوى تطوير صناعته وبناء مؤسساته الوطنية والدولية. أم على مستوى استثمار وتوظيف عوائده. ولكن كل هذه المقومات تم تعطيلها بسبب «المشاحنات السياسية» وتعثر تنفيذ استراتيجيات وخطط التطوير على مدى ربع قرن.

تقادم الآبار وتعطل الاستكشافات

يواجه قطاع النفط الكويتي مشكلة مزدوجة. وجهها الأول تقادم الآبار وتراجع إنتاجيتها. فحقل برقان مثلاً الذي يسهم بنحو 90 في المئة من الانتاج، ويعتبر ثاني أكبر حقل في العالم، تراجع إنتاجه بنسبة 18 في المئة بين عامي 2015 و2021. أما وجهها الثاني فهو عدم وجود اكتشافات جديدة للنفط والغاز يعتد بها، رغم ضخامة الاحتياطيات المؤكدة.

إقرأ أيضاً: سعد البراك و«شغف المغامرة» بتطوير قطاع النفط الكويتي

وقد تنبهت قيادات القطاع النفطي والحكومات المتعاقبة لهذه المشكلة بوجهيها، منذ تحرير الكويت بعد الغزو العراقي. فتم وضع استراتيجيات لتطوير القطاع. كان أبرزها تلك التي وضعت في العام 2003. ونصت على زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط إلى 4 مليون برميل يومياً . والغاز الطبيعي إلى 2.1 مليار قدم مكعب يومياً، في العام 2020.

ولكن الاستراتيجية ظلت أسيرة الأدراج. وجاءت النتائج العملية عكسية تماماً. فتراجعت طاقة إنتاج النفط إلى حوالي 2.9 م/ب/ي. مقابل 3.3 م/ب/ي في العام 2010. وتراجعت طاقة إنتاج الغاز إلى 490 مليون قدم مكعب يوميا. وتحولت الكويت إلى دولة مستوردة للغاز.

تم إطلاق استراتيجية تطوير قطاع النفط في 2003، والحكومات المتعاقبة واجهت تعثر تنفيذها بإطلاق استراتيجيات بآجال أطول، كان أخرها استراتيجية 2040

وكان اللافت في مواجهة التعثر في تنفيذ استراتيجية 2003، توجه الحكومات المتعاقبة إلى إطلاق استراتيجيات جديدة، بآجال أطول. فتم إطلاق استراتيجية 2030. ومن ثم استراتيجة 2040 التي أعلنتها مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة، في شهر أكتوبر 2023. وهي في الحقيقة نسخة من الاستراتيجيات السابقة مع تحديث بعض المعطيات وتعديل بعض الأرقام.

الوزير عماد العتيقي

السياسة أبرز أسباب التعطيل

أسباب التعثر والتعطيل معروفة ومتشابكة. ومن المشاكل المهمة، لكن القابلة للحل نذكر على سبيل المثال ما يتعلق بالبنية الإدارية لمؤسسات القطاع وتشتت الصلاحيات وتضاربها. مع صلاحيات محدودة لمؤسسة البترول التي تعتبر المؤسسة الأم. أو المشاكل المتعلقة بالنماذج المالية لعمل القطاع كنموذج الاستكشاف والانتاج المستند إلى التكلفة. أو النماذج الإدارية كنموذج «التوظيف الجائر» بما يخلقه من مشاكل في الأداء، وضغوط على الوضع المالي للشركات وارتفاع تكلفة الإنتاج.

أما المشاكل الأهم والمستعصية على الحل، فتتركز في مشكلتين رئيسيتين. الأولى هي التجاذبات السياسية بين مجلس الأمة والحكومات المتعاقبة. ويفترض أن تكون قد وضعت على سكة الحل في ظل «ثورة الأمير» وقرار حل المجلس وتعليق بعض مواد الدستور. وإطلاق يد الحكومة لتنفيذ الخطط والاستراتيجيات.

.. والتمويل أبرز أسباب التعثر

أما المشكلة الثانية فهي عدم توافر التمويل اللازم لتنفيذ خطط التطوير. وهو ما أكدته مؤسسة البترول الكويتية خلال المؤتمر الصحافي لعرض استراتيجية 2040. وذكرت فيه أنه في حال قيامها بتوزيع الأرباح (أي تمويل الموازنة العامة)، في مواقيتها. فستواجه صعوبات كبيرة في توفير السيولة لتمويل المشاريع الرأسمالية. ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وبالتالي إلى انخفاض الإيرادات النفطية.

وشرح أحمد العيدان، الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت المسؤولة عن الاستكشاف والإنتاج داخل الكويت ذلك بقوله: أن قيمة المشاريع الرأسمالية للشركة خلال الخمس السنوات المقبلة تصل إلى 13 مليار دينار (حوالي 42.4 مليار دولار). وأوضح أن نحو 70 في المئة من هذا المبلغ مخصص للمحافظة على الإنتاج عند مستوياته الحالية. وكان واضحاً في تأكيد حاجة الشركة للاستعانة بشركات النفط الأجنبية لتطوير المكامن.

الشيخ نواف سعود الصباح الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول

واختصاراً للشرح، ولتوضيح فجوة التمويل بين المرصود والمطلوب، نشير إلى أن الرقم المتداول لإجمالي تكاليف تنفيذ استراتيجية 2040، هو بحدود 500 مليار دولار. ما يعني صعوبة أو حتى استحالة توفيره من إيرادات مؤسسة البترول. وكذلك من مصادر التمويل الخارجية. في ظل «تردد» المصارف والمؤسسات المالية في تمويل مشروعات النفط والغاز. وفي ظل «عزوفها» عن تمويل المشروعات التي تعود ملكيتها للحكومات.

المشكلة والحل: الاستعانة بشركات النفط الأجنبية

وهنا نصل إلى جوهر المشكلة والحل. أي معضلة الاستعانة بشركات النفط الأجنبية. ومرة ثانية تظهر خطورة حالة الشلل التي أصابت الكويت. وتظهر معها أهمية مبادرة أمير البلاد للخروج منها. فقد طرحت قضية الاستعانة بشركات النفط الأجنبية بشكل جدي في العام 2001. من خلال بروتوكول أعدته مؤسسة البترول الكويتية لتطوير حقول نفط الشمال قرب الحدود العراقية (الروضتين، الصابرية، الرتقة، والعبدلي). وكان الهدف رفع الإنتاج من 450 ألف إلى 900 ألف برميل يومياً بحلول العام 2005.

ولقي البروتوكول معارضة شديدة من مجلس الأمة باعتباره مخالفاً للدستور. وأطلقوا عليه إسم بروتوكول «بيع الكويت». باعتبار أنه يعيد الكويت إلى عهد ما قبل تأميم قطاع النفط. وتم بعد ذلك في العام 2003، إعداد مشروع قانون التزاماً بأحكام الدستور من قبل اللجنة المالية في المجلس. تضمن تعديلات جوهرية، أهمها فرض دخول الشركات «كمقاول وليس كشريك في الإنتاج». ما أفرغ مشروع القانون عملياً من مضمونه. واعتبر رئيس اللجنة في حينه عبد الوهاب الهارون أن «المشروع قد لا يشجع الشركات الأجنبية على خوض التجربة. ولكن هذه قوانينا، من يعجبه حياه الله، ومن لا يعجبه لا يدخل». ومع ذلك نجح صقور المجلس بوأد المشروع في مهده.

تم طرح الاستعانة بشركات النفط الأجنبية في 2003، بموجب مشروع قانون في مجلس الأمة، ولكن صقور المجلس رفضوا إصداره بدعوى أنه مشروع «بيع الكويت»

وتكرر طرح المشكلة وحلها، من قبل مؤسسة البترول والحكومات المتعاقبة على مدى عقدين كاملين، ولكن دون جدوى. وكانت آخر المحاولات والمطالبات العام الماضي، من خلال استراتيجية 2040.

لا حل بدون الشركات الأجنبية

تبقى الإشارة إلى حقيقتين يفترض أخذهما بالاعتبار في مقاربة الاستعانة بشركات النفط الأجنبية. الأولى هي التغيرات الجذرية التي طرأت على النفط. فتحول من سلعة استراتيجية ـ سياسية وعنوان للسيادة الوطنية، إلى مجرد سلعة تجارية تخضع لقوانين السوق. وهي تشهد تراجعاً في دورها وأهميتها مع تطور مصادر الطاقة المتجددة. ومع تصاعد الحملة الهادفة إلى «شيطنة» الوقود الأحفوري تحت ستار مواجهة التغير المناخي.

والحقيقة الثانية أن غالبية الدول المنتجة للنفط، بما فيها دول الخليج العربي خرجت من شعارات «السيادة على الثروة النفطية» ودخلت باتفاقيات استكشاف وإنتاج مع شركات النفط الأجنبية. بل أن السعودية طرحت شريحة من شركة أرامكو للاكتتاب العام. وتستعد لطرح شريحة ثانية.

هل يسهم الوزير عماد العتيقي بتمرير الاستعانة بشركات النفط دون التصادم مع المعارضة. كما نجح سلفه المغفور له عبد الرحمن العتيقي بتمرير قرار التأميم بدون التصادم مع الدول الكبرى والشركات؟

فهل تطال «ثورة الأمير» قطاع النفط أم تبدأ به؟ وهل ينجح الوزير الدكتور عماد العتيقي بسعة علمه ودماثة خلقه وحزمه بتنفيذ استراتيجية تطوير قطاع النفط وتمرير الاستعانة بشركات النفط الأجنبية، بدون التصادم مع قوى المعارضة؟ كما نجح سلفه المغفور له الوزير عبد الرحمن سالم العتيقي بتطوير هذا القطاع والإسهام بتمرير قرار التأميم بدون التصادم مع الدول الكبرى وشركات النفط  الأجنبية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى