; «Eden» الأميركية: تكنولوجيا ثورية للهيدروجين الجيولوجي والاختبار في عُمان - طاقة الشرق TAQAMENA

«Eden» الأميركية: تكنولوجيا ثورية للهيدروجين الجيولوجي والاختبار في عُمان

عمار العلي: الهيدروجين لعُمان قد يكون مثل النفط للسعودية

  • هل يمكن للتقنية التي طورتها شركة أميركية ناشئة تدعى «إيدن جيوباور» Eden Geopower ، أسسها ويرأسها مواطن سعودي، أن تحدث نقلة نوعية في مجال الهيدروجين الجيولوجي أو الطبيعي، والطاقة الجوفية والتعدين عموماً.
  • هل تكون مبادرة وزارة الطاقة الأميركية مطلع فبراير الماضي، لتمويل تجربة هذه التقنية في سلطنة عمان «شهادة جدارة» مسبقة؟ خاصة وأن هذا التمويل جاء بعد حصول الشركة على تمويل استثماري ومنح بقيمة 24 مليون دولار تقريباً.

قبل محاولة الإطلاع على تجربة الشركة وعلى التقنية التي تطلق عليها الشركة إسم (التحفيز الكهربائي للمكامن  (Electrical Reservoir Stimulation (ERS. يجدر التوقف عند اختيار شركة «إيدن جيوباور» لسلطنة عمان من بين كل دول العالم، لتنفيذ مشروعين تجريبيين. الأول هو «التحفيز الميكانيكي والحراري»  والثاني هو «بطارية هيدروجين جيولوجية لتخزين الطاقة». ويقول المؤسس والشريك في «إيدن جيوبارو» د. عمار العلي: «نحن متحمسون لنجاح التجربة في سلطنة عمان، لأننا نرى فيها منعطفاً مهماً في مسيرة تحول الطاقة». وصيغة الجمع التي يستخدمها العلي تشمل الشريك المؤسس د. باريس سمولز الذي التقاه على مقاعد دراسة الجيوفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. وجمعهما من ذلك الحين الشغف بالقضايا البيئية المرتبطة بالتكسير الهيدروليكي في صناعة الطاقة الجوفية.

عمار العلي و باريس سمولز: شراكة الشغف بالابتكار

التمويل: شهادة جدارة مسبقة ؟

يصح اعتبار نجاح شركة «إيدن جيوباور» في حشد تمويل بقيمة تتجاوز 25 مليون دولار رغم حداثة تأسيسها، بمثابة «شهادة جدارة» للتكنولوجيا التي طورتها. كما يصح اعتباره «شهادة ثقة» بالقائمين عليها. فقد نجحت في البداية بالحصول على تمويل بمبلغ 12 مليون دولار، على شكل منح غير مخففة non – dilutive grants. وهو نوع من التمويل يصعب الحصول عليه عادة. لأنه لا يتضمن اكتساب المانح أي حقوق ملكية في الشركة المتلقية. ثم تمكنت في شهر أكتوبر الماضي من الحصول على تمويل من قبل مستثمرين مؤسسيين بقيمة 12 مليون دولار. وقادت شركة TechEnergy Ventures وشركة Helmerich & Payne Inc جولة التمويل.

التمويل السخي الحكومي والخاص لشركة ناشئة، هل يمثل «شهادة جدارة» مسبقة لتقنية الشركة ؟

واعتبر أليخاندرو سولي، الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة TechEnergy Ventures:  ان «تقنية شركة Eden تشكل عاملاً حاسماً في نجاح جهود تحول الطاقة. ونحن متحمسون لدعم الشركة في تطوير هذه التقنية». وأيده في ذلك كريس ميلر، مدير المشاريع في شركة Helmerich & Payne بقوله: «تحقق تكنولوجيا شركة Eden هدفين مهمين: الأول تلبية احتياجاتنا لمصادر كافية ومتجددة من الطاقة. والثاني تقليل التأثيرات البيئية والمناخية».

كما حصلت الشركة في 8 فبراير 2024، على تمويل بقيمة 1.4 مليون دولار من وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة للطاقة، التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية (ARPA-E). وقد خصصت الوكالة 20 مليون دولار لتمويل مجالين بحثيين هما: أبحاث تحفيز الهيدروجين الجيولوجي، وإدارة المكامن.

ويكتسب هذا التمويل دلالة بالغة الأهمية لسببين:

الأول: اختيار الجهات الفائزة على أساس تنافسي. وهي المرة الأولى التي تعتمد فيها الحكومة الأميركية مبدأ التنافس في هذا النوع من التمويل. حيث فازت «إيدن» بمشروعين من أصل 16 مشروعاً. أحدهما في مجال تحفيز الهيدروجين الجيولوجي أو الأبيض، وحصلت على تمويل بقيمة 900 ألف دولار. والآخر في مجال إدارة المكامن وحصلت على تمويل بقيمة 500 ألف دولار.

الثاني: كانت «إيدن» واحدة من شركتين فقط تنتميان إلى القطاع الخاص. في حين توزعت الجهات الأخرى على جامعات ومعاهد ومراكز أبحاث.

إيفلين وانع

واعتبرت مديرة ARPA-E إيفلين وانغ: «إن تسريع تطوير الهيدروجين النظيف ونشره على نطاق واسع أمر بالغ الأهمية لخفض الانبعاثات. وهو عنصر أساسي في خطة الرئيس بايدن لمعالجة أزمة المناخ»

تقنية التحفيز الكهربائي من «أيدن»

حصلت تقنية تحفيز المكامن ERS التي طورتها شركة Eden على براءة اختراع في أميركا. وهي تتيح للمشغلين تعظيم قيمة كافة أنواع الأصول الجيولوجية وتحقيق استغلالها بالحد الأقصى. وتشمل مجالات استخدام هذه التقنية مختلف مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الهيدروجين الجيولوجي والحرارة الجوفية. إضافة إلى النفط والغاز والمعادن. وتتوسع مجالات الاستخدام لتشمل زيادة كفاءة تخزين الكربون.

تقنية ERS من «إيدن» تعتمد النبضات الكهربائية الصاعقة لتكسير وتسخين الصخور لزيادة النفاذية، وتشكل بديلا نموذجياً للتكسير الهيدروليكي

تعتمد تقنية ERS على استخدام الكهرباء بنبضات ذات الجهد العالي لتكسير الصخور. بهدف زيادة نفاذيتها مع التحكم في اتجاه شبكة الصدوع المتولدة. ويترافق ذلك مع استخدام تقنيات متقدمة لمراقبة الخزانات. ما يسمح  باستهداف مناطق محددة بشكل أكثر دقة. ويشرح باريس سمولز، الرئيس التنفيذي للشركة ذلك بقوله: «تقترن عملية تكسير الصخور بضربات كهربائية صاعقة، مع نمذجة ثلاثية الأبعاد للخزانات أو المكامن. وأيضاً، مع مراقبة دقيقة للصدوع وحركة السوائل والغازات. ما يسمح بوضع وتنفيذ خطط دقيقة لمواصلة التكسير والحقن والإنتاج. ما يؤدي بالمحصلة إلى تعظيم حجم الخزان الجيولوجي المحفز، وزيادة القيمة الاقتصادية للموارد.»

ERS كبديل للتكسير الهيدروليكي

تشكل تقنية ERS المبتكرة حلاً نموذجياً لتجاوز العيوب والآثار السلبية للتكسير الهيدروليكي التقليدي. فهي لا تؤدي مثلاً إلى إحداث كسور وتصدعات في الصخور لا يمكن السيطرة عليها. ما يؤدي عادة إلى إعاقة تدفق السوائل. وكذلك إعاقة محاولات إعادة تحفيز الخزان او المكمن. وهو الأمر الذي ينجم عنه إقفال الخزان أو تراجع وحتى إنتفاء الجدوى الاقتصادية منه.

كما تتميز تقنية ERS عن التكسير الهيدروليكي، بعدم الحاجة لاستهلاك كميات ضخمة من المياه. وتجنب إنبعاثات الغازات الضارة في حال استخدام مياه الصرف الصحي. إضافة إلى انتفاء الحاجة لعدد كبير من الشاحنات اللازمة لنقل السوائل والمواد الداعمة. وكذلك تقليص الحاجة لتوفير قدرة حصانية ضخمة للضخ. ناهيك عن تجنب التأثيرات المتعلقة بمخاطر الأحداث الزلزالية. ما يعني بالمحصلة تخفيض كبير في الأضرار المناخية والبيئية لعمليات التنقيب والاستخراج.

نقلة ثورية: الهيدروجين الجيولوجي المتجدد

بالإضافة إلى تحسين معدل استرداد الأصول الجيولوجية، فإن تقنية ERS من Eden، تختزن بعداً ثورياً بالنسبة للهيدروجين الجيولوجي أو الطبيعي، يتمثل في «الهيدروجين الجيولوجي المحفز». أي بتعبير مبسط تحفيز كميات إضافية من الهيدروجين في المكامن والتكوينات الجيولوجية المناسبة.  وتعتمد هذه التقنية على ما تطلق عليه الشركة “التحفيز الميكانيكي والحراري”. حيث يتم بالإضافة إلى تكسير الصخور الحاملة للحديد بنبضات كهربائية عالية الجهد، تسخين الصخور. ثم ضخ المياه في أسفل المكمن. ما يعزز التفاعلات الكيميائية التي تحدث بشكل طبيعي بين الماء والصخور لإنتاج كميات أكبر من الهيدروجين. بالإضافة إلى توسيع المساحة التي يحدث فيها هذا التفاعل.

د. عمار العلي: متأكدون من وجود الهيدروجين الجيولوجي، ولكن الاستغلال التجاري مرتبط بنتائج اختباراتنا

يشار هنا إلى أن هذه التقنية قد تسهم في حسم الجدل العلمي حول السؤال الكبير الذي يشغل العلماء والدول والمستثمرين. وهو هل الهيدروجين الطبيعي أو الأبيض هو ثروة متجددة، أم ناضبة مثل النفط والغاز؟ علماً أنه بات من المتفق عليها بين العلماء أن تفاعل الماء مع المعادن المحتوية على الحديد ومعادن أخرى، عند درجات حرارة عالية، هو أحد أشكال تكون الهيدروجين الطبيعي. كما في حالة التقاء الصخور البركانية بمياه البحر في أيسلندا. أو تفاعل الصخور الغنية بالحديد والمتصلة بالماء، في سلطنة عمان وكاليدونيا الجديدة وجبال البيرينيه الإسبانية.

تسربات الهيدروجين كما ترى بالعين المجردة في ولاية سمائل (المصدر: وزارة الطاقة الأميركية)

ويبدو أن هذه التقنية من شركة Eden، التي ثبتت فعاليتها في التجارب المخبرية، باتت تحظى بقبول واحترام عدد متزايد من العلماء والدول والمستثمرين. الذين يعملون مع شركة Eden لإثبات فعاليتها في تجارب عملية على أرض الواقع. وذلك ما يفسر التمويل الفيدرالي من قبل وزارة الطاقة الأميركية لدعم جهود الشركة لتطوير الهيدروجين الجيولوجي في سلطنة عمان. وكذلك دعم هذه الجهود من قبل المجموعات البحثية والجامعات، كما يقول د. عمار العلي.

تجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الطاقة الأميركية التي تولي أهتماماً متزايداً لتطوير تكنولوجيا تحفيز الخزانات كما أشرنا، ترى أن هذه التكنولوجيا قد تسهم بتخفيض تكلفة أنظمة الطاقة الحرارية الأرضية من الجيل التالي بنسبة تصل إلى 90 في المئة. وينطبق ذلك الهيدروجين الجيولوجي، الذي قد تنخفض تكلفة إنتاجه إلى أقل من دولار واحد للكيلوغرام في العام 2030.

هيدروجين «سمائل عمان»

كل هذا الكلام سيكون موضع اختبارات وتجارب، في ولاية سمائل العمانية. وهي التي تحتضن ما يعتبره عمار العلي «أكبر نتوء بري من صخور الأوفيوليت Ophiolite في العالم». ومعروف أن هذا النوع من الصخور يحتوي على كميات كبيرة من الموارد المعدنية والهيدروجين وغيره.

وكانت ولاية سمائل الواقعة في منطقة جبال الحجر في سلطنة عمان موضع اهتمام ودراسة من قبل عدة بعثات استكشافية عالمية. من بينها دراسة قادها في العام 2020، فياتشيسلاف زغونيك رئيس شركة طاقة الهيدروجين الطبيعي. وقد أظهرت وجود مواقع يتسرب فيها الهيدروجين بمعدل يتراوح بين 147 متراً مكعبًا لكل كيلومتر مربع، وحوالي 1300 متر مكعب/كم2. والملفت أن هذه التسربات موجودة منذ زمن بعيد وتظهر للعين المجردة في بعض الينابيع والبرك، كما تبين الصورة المرفقة المنشورة على موقع وزارة الطاقة الأميركية.

مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة العمانية و «إيدن» لإجراء الاختبارات على الهيدروجين الطبيعي

وكانت وزارة الطاقة والمعادن العمانية قد نظمت بالتعاون مع وزارة الطاقة الأميركية ورشة عمل حول الهيدروجين الجيولوجي في شهر سبتمبر 2023. وتم على هامش الورشة توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والمعادن وشركة «إيدن جيوباور» لإجراء «دراسات أولية شاملة لمعرفة الإمكانات والفرص لاستكشاف الهيدروجين الجيولوجي وتحديد مواقع لإجراء البحوث التجريبية»، كما ذكرت الوزارة على موقعها الإلكتروني. واعتبر وكيل وزارة الطاقة والمعادن محسن حمد الحضرمي في كلمة له عقب توقيع الاتفاقية أن: «البحث مع شركة «إيدن» الذي بدأ مطلع العام واختتم اليوم بتوقيع مذكرة التفاهم، يشكل مؤشراً مهماً للشراكة القوية مع الولايات المتحدة».

محسن الحضرمي

وستقوم إيدن بموجب الاتفاقية بتطوير أول موقع اختبار دولي في العالم حول الهيدروجين الجيولوجي المحفز. وذلك بعد أن قامت بتحليل البيانات الموجودة لتحديد المواقع ذات الظروف المناسبة لتوليد الهيدروجين الجيولوجي المحفز.

منعطف في مسار الهيدروجين الجيولوجي 

لا نبالغ بالقول إن نجاح تجربة شركة «إيدن» في سلطنة عمان، قد تغير قواعد اللعبة في مجال الهيدروجين الجيولوجي. ونقله من إطار البحث العلمي والاستكشاف إلى نطاق الإنتاج التجاري. وذلك على مستويين:

الأول؛ إثبات نظرية تكون الهيدروجين الجيولوجي او الهيدروجين الأبيض من خلال تفاعل الماء مع الصخور الحاملة للمعادن وخاصة الحديد. وذلك من خلال حقن الماء في التكوينات الصخرية.

الثاني؛ وهو الأهم، تجاوز التحدي الطبيعي لنجاح عملية الحقن. والمتمثل بإنخفاض نفاذية هذه الصخور الغنية بالحديد. الأمر الذي يعيق تفاعلات الماء داخل الصخور. وهنا يأتي الدور الحاسم لتقنية التحفيز الكهربائي للمكامن ERS. حيث يؤدي تكسير الصخور بالنبضات الكهربائية إلى زيادة نفاذيتها

نجاح التجربة في سلطنة عمان قد تغير قواعد اللعبة في  الهيدروجين الجيولوجي

وذلك ما أكده د. عمار العلي بقوله « نحن متأكدون من وجود الهيدروجين في سلطنة عمان وغيرها. ولكن السؤال الكبير، هو ما إذا كان موجوداً بكميات تجارية. ولن نعرف الجواب على وجه اليقين قبل اكتمال اختباراتنا».

وأعرب العلي عن تفاؤله وثقته بنجاح الاختبارات التي ستؤدي إلى أول تطوير تجاري للهيدروجين الجيولوجي المحفز في العالم. وهو الأمر الذي قد يجعل سلطنة عمان من أكبر منتجي الهيدروجين الجيولوجي. واختتم حديثه بالقول «قد تثبت التجارب إمكانية أن تصبح عمان بالنسبة للهيدروجين الجيولوجي، ما هي عليه المملكة العربية السعودية بالنسبة للنفط والغاز. وأعني بذلك امتلاكها احتياطيات ضخمة. والأهم أنها قابلة للاستخراج بتكلفة متدنية».

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اود ان اشكر كل القائمين على نشر هذا البحث الحيوي و الهام متمنيا لفريق البحث و الاستقصاء و لحكومة سلطنة عمان النجاح و التوفيق لتطوير مصادر الطاقة النظيفة و الصديقة للبيئة.

زر الذهاب إلى الأعلى